علمٌ وفكر

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ عبدالهادي الفضلي
عن الكاتب :
الشيخ الدكتور عبدالهادي الفضلي، من مواليد العام 1935م بقرية (صبخة العرب) إحدى القرى القريبة من البصرة بالعراق، جمع بين الدراسة التقليدية الحوزوية والدراسة الأكاديمية، فنال البكالوريوس في اللغة العربية والعلوم الإسلامية ثم درجة الدكتوراه في اللغة العربية في النحو والصرف والعروض بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف، له العديد من المؤلفات والمساهمات على الصعيدين الحوزوي والأكاديمي.rnتوفي في العام 2013 بعد صراع طويل مع المرض.

الحياة


الدكتور عبد الهادي الفضلي ..
تعريف الحياة :     
اختلفوا في تعريف الحياة على أقوال :
1 - فذهب الحكماء وأبو الحسين البصري من المعتزلة إلى أن الحياة : هي صحة اتصاف الذات المقدسة بالعلم والقدرة(1).
2 - وذهب آخرون إلى أن الحياة: صفة تقتضي اتصاف الذات بالقدرة والعلم.
وبعبارة أخرى: الحياة: ما من شأنه أن يوصف الموصوف به بالقدرة والعلم.
3 - وقال العلامة الحلي: «معنى كونه حياً هو أنه لا يستحيل أن يقدر ويعلم»(2).
 4 - ويقول السيد الطباطبائي: «الحي عندنا: هو الدرّاك الفعّال» ثم يقول مفرّعاً عليه: «فالحياة: مبدأ الإدراك والفعل، أي مبدأ العلم والقدرة، أو أمر يلازمه العلم والقدرة»(3) وكما ترى، فالكل علق الاتصاف بالحياة على الاتصاف بالعلم والقدرة لأن العلم والقدرة لا يتصف بهما إلا من كان حياً، ولازم هذا أن من كان عالماً قادراً كان حياً.
وهذا النمط من التعريف - كما هو بيّن - تعريف باللازم، والتعريف باللازم لا يكشف عن حقيقة الشيء ولا يوضح مفهومه، وإنما يشير إليه إشارة.


سبب الاختلاف في التعريف:
ومرد هذا إلى أن مفهوم الحياة يماثل مفهوم الوجود في أنه أعرف من أن يعرف.
وهذا هو شأن أكثر المفاهيم التي تدرك بالوجدان إدراكاً فطرياً، فإنها مما تستحضرها الأذهان ويعجز عن تعريفها البيان، ولذا لا يقوى الإنسان على الإعراب عنها بتعريف منطقي يقولب بالألفاظ.
ولأن ما ذكر قديماً للحياة مثل:
«الحياة: اعتدال المزاج النوعي».
أو أنها: «قوة تتبع ذلك الاعتدال».
مما يتصور في حق الأحياء من الممكنات لا يتصور في حقه تعالى. كما يقول العضد الايجي (4).
ويؤكد ما ذكر من أن مفهوم الحياة من المفاهيم التي ليست في متناول التعريف، لأنها أعرف من أن تعرف، ما جاء في (موسوعة المورد) - وهي أحدث دائرة معارف عربية التزمت ذكر أحدث ما توصلت إليه المعرفة الإنسانية من نتائج علمية – ونصه :
«الحياة Life : خاصية تميز الحيوانات والنباتات عن الأشياء غير العضوية وعن المتعضيات الميتة.
واذا كان هذا التعريف ناقصاً أو ساذجاً فمرد ذلك إلى أن ظاهرة الحياة العجيبة لا تزال تنتظر من يعرفها تعريفاً كاملاً بعيداً عن السذاجة.
وأيا ما كان، ففي استطاعتنا أن نفهم الحياة إذا عرفنا أهم صفات الكائن الحي:
يتميز الكائن الحي على وجه التعميم بأنه غير ساكن Static وبأنه يتكيف مع البيئة، وبأنه يخضع لتغير داخلي مستمر. ومن أبرز مظاهر هذا التغير:
النمو، والحركة، والتوالد أو التناسل، والأيض أو الاستقلاب Metabolism ، والتأثيرية أو قبول الإثارة irriiabilty ، وهي تتميز بها الحيوانات العليا في المقام الأول فتجعلها تستجيب لمختلف المنبهات أو المؤثرات»(5).


ويعرفها معجم (الصحاح في اللغة والعلوم):
« الحياة - Life : مجموع ما يشاهد في الحيوانات والنباتات من مميزات تفرق بينها وبين الجمادات مثل التغذية والنمو والتناسل وغير ذلك»(6).
وأيضاً نقول: هما تعريفان باللازم، وخاصان بالأحياء من الممكنات.
وننتهي من كل هذا إلى أن مفهوم الحياة هو ما يحضر في أذهاننا من معنى ومدلول عند سماعنا لكلمة حياة.
إلا أنها في حقه تعالى تختلف عنها في حقنا، وذلك أن حياتنا يدركها الموت فيبطلها.
أما في حقه تعالى فحياته لا يدركها موت ولا يلحقها فناء، يقول السيد الطباطبائي: «إن الحياة الحقيقية يجب أن تكون بحيث يستحيل طرو الموت عليها لذاتها، ولا يتصور ذلك إلا بكون الحياة عين ذات الحي غير عارضة لها، ولا طارئة عليها بتمليك الغير وإفاضته، قال تعالى: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ} [الفرقان: 58].
وعلى هذا فالحياة الحقيقية هي الحياة الواجبة، وهي كون وجوده بحيث يعلم ويقدر»(7).
 
الدليل على أنه حي:
ووفقاً لمنهجهم في الاستدلال على اتصاف الذات بالحياة باتصافها بالعلم والقدرة للملازمة بينهما وبينها، وكما يقول القاضي عبد الجبار المعتزلي: «وهو حي لأن أحدنا متى خرج عن أن يكون حياً استحال أن يعلم ويقدر، ومتى صار حياً صح ذلك فيه، وأحواله كلها على السلامة.
فإذا كان اللّه تعالى عالماً قادراً فيجب أن يكون حياً لم يزل ولا يزال»(8).
أقول: إننا بعد أن أثبتنا وجود المبدأ الأول أو الذات الإلهية، وعرفنا أن معنى الإِله هو الخالق المدبر.. والخالق هو الذي يفيض الوجود على مخلوقه.. والمدبر هو الذي يدبر المخلوق في متطلبات ومقتضيات وجوده.
ومن مخلوقاته - ومن غير شك - الاحياء.
نؤمن بأنه حي لأن فاقد الحياة لا يفيض الحياة.
___________________


(1) النافع يوم الحشر 24.
(2) نهج المسترشدين 35 .
(3) بداية الحكمة 235 .
(4) المواقف 290 .
(5) انظر: مادة Life .
(6) انظر: مادة حيي.
(7) الميزان 2/330 .
(8) المختصر في اصول الدين 328 .

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد

مواقيت الصلاة