مقالات

مقدمة في الأخلاق من (الأربعون حديثاً)


عن رسول الله صلى الله عليه وآله: "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق"1.
أهمية الأخلاق
أبدت الأخبار الشريفة اهتماماً بالغاً بمكارم الأخلاق أكثر من أي شي‏ء آخر باستثناء المعارف الإلهية. ويستفاد من الحديث السابق أن الغاية من بعث الأنبياء عليهم السلام، سيما خاتم الأنبياء صلى الله عليه وآله، هو إتمام مكارم الأخلاق.
فأهمية الفضائل الخلقية أكبر من قدرتنا على شرحها وبسط الحديث فيها، ولكن نكتفي بالإشارة إلى أن أساس الحياة الأبدية الأخروية، ورأس مال العيش في تلك النشأة، الخلق الفاضل والاتصاف بمكارم الأخلاق، وإن الجنة الممنوحة للإنسان من جراء خلقه الكريم المسماة بجنة الصفات أفضل بكثير من جنة الأعمال الجسمانية، فيها ما طاب ولذ بشكل أفضل وأحسن من النعم المادية الجسمانية، كما وأن فيها ظلمات وأهوال نتيجة الأخلاق السيئة أسوأ من أي عذاب أليم.


ولنذكر بعض الأحاديث الشريفة في هذا المضمار:
- حسن الخلق واحدة من مكارم الأخلاق: عن الإمام الصادق عليه السلام: "إن الله خصّ رسوله صلى الله عليه وآله بمكارم الأخلاق، فامتحنوا أنفسكم، فإن كانت فيكم فاحمدوا الله وارغبوا إليه في الزيادة منها. فذكرها عشرةً: اليقين والقناعة والصبر والشكر والحلم وحسن الخلق والسخاء والغيرة والشجاعة والمروة"2.
- محبة الله: وعنه عليه السلام: "عليكم بمكارم الأخلاق فإن الله عز وجل يحبها وإياكم ومذام الأفعال فإن الله يبغضها إلى أن قال وعليكم بحسن الخلق فإنه يبلغ بصاحبه درجة الصائم القائم" 3.
- كمال الإيمان: عن الإمام الباقر عليه السلام: "إن أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً"4.
-أثره في قبول التوبة: عن رسول الله صلى الله عليه وآله: "أبى الله عز وجل لصاحب الخلق السيئ بالتوبة، قيل: وكيف ذلك يا رسول الله؟ قال: لأنه إذا تاب من ذنب وقع في ذنب أعظم منه"5.
- أثره في الدنيا: عن أبي عبد الله الإمام الصادق عليه السلام: "البر وحسن الخلق يعمران الديار ويزيدان في الأعمار"6.
- أثره في الآخرة: عن النبي صلى الله عليه وآله: "أكثر ما تلج به أمتي الجنة تقوى الله وحسن الخلق" 7.


ما هي الأخلاق؟
الخلق هو عبارة عن حالة نفسية، تدفع الإنسان نحو العمل من دون تروي وتفكر. فمثلاً إن الذي يتمتع بالسخاء، يدفعه خلقه هذا إلى الجود والإنفاق من دون حاجة إلى تنظيم مقدمات وترتيب مرجحات. وكأن هذا الخلق غدا من الأمور الطبيعية للإنسان مثل النظر والسمع. وكذلك النفس العفيفة التي أصبحت العفة خلقاً لها وجزءاً طبيعياً لها.
فإذا بلغ الخلق مستوى الأفعال الطبيعية في الإنسان، وغدا من قبيل القوى والوسائل، وظهرت سلطنة الحق وقهره، صار زواله صعباً ونادراً.
وما دامت النفس لم تبلغ هذا المستوى من التجذر الخلقي بواسطة التفكر والتدبر والترويض، لم يكن لها أخلاق وكمال، ويُخشى أن تغلب عليها العادات والخلق السيئ.
نشير إلى إن علماء الأخلاق أرجعوا كافة الفضائل النفسية إلى أمور أربعة هي:
1- الحكمة: حيث اعتبروا الحكمة فضيلة للنفس العاقلة التي تميّز الإنسان عن غيره.
2- الشجاعة: وهي من فضائل النفس الغضبية.
3- العفة: وهي من فضائل النفس الشهوية.
4- العدالة: وهي ترعى الفضائل الثلاثة.
فجميع الفضائل الأخلاقية تندرج تحت هذه الأمور الأربعة، وترجع إليها.


مصدر إلهام الخُلق
هناك عدة أمور توحي للإنسان بهذه الحالات والخلق النفسية، منها:
ما ذكره علماء الأخلاق من أن هذه الخلق النفسية قد تكون في طبيعة الإنسان وفطرته، ومرتبطة بمزاج الإنسان من دون فرق بين ما هو خير وسعادة أو شر وشقاء. ونحن نرى بعض الناس منذ نعومة أظافرهم يرغبون في الخير، وبعضهم ينزع نحو الشر. وأن البعض يُثار بأدنى شي‏ء، ويستوحش من عمل بسيط، ويخاف من أقل سبب، وبعض يكون على عكس ذلك.
وبعض هذه الخلق النفسانية قد تحصل من خلال العِشرة والتأثر بالمحيط، أو من خلال العادات التي يكتسبها الإنسان بشكل أو بآخر.
وقد تحصل نتيجة التفكر والتروي حتى يبلغ مستوى الحالة المتأصّلة في نفسه.


إمكانية تغيير الأخلاق
عندما نقول أن الخلق النفسية طبيعية وفطرية، لا نقصد أنها ذاتية وغير خاضعة للتغيير. بل إن جميع المَلكات والخلق النفسية قابلة للتبدل والتحول، ما دامت النفس تعيش في هذا العالم، عالم التغير والتبدل، وتخضع للزمان والتجدد، وتملك القابلية والاستعداد. بل يستطيع الإنسان أن يغير خلقه النفسي ويحوله إلى أضداده.
ويدلنا على ذلك بالإضافة إلى البراهين العقلية والتجارب المحسوسة دعوة الأنبياء والشرائع الحقة الناس للتخلق بالصفات الحميدة، والابتعاد عما يقابلها من الخلق السيئ، فلو لم يكن ممكناً لما كان هناك معنى لهذه الدعوة.

يستطيع الإنسان ما دام حياً أن ينقذ نفسه من هذه الظلمات ويبلغ بها عالم الأنوار. نعم هو قادر على بلوغ ذلك، لكن لا مع هذه البرودة والخمود والفتور والإهمال الذي أصابنا، حيث نرى جميعاً أننا منذ أيام الطفولة ننمو على الخلق الذميم والسلوك المنحرف، الذي اقترفناه من جراء هذه الحالات السيئة من العِشرة اللامسؤولة، والاختلاط غير اللائق، وبدل إزالتها نحافظ عليها، بل نضيف إليها في كل يوم جريرة أخرى، وكأننا لا نعتقد بوجود عالم آخر ونشأة باقية أخرى.
إن الأنبياء قد وضعوا بين أيدينا طرق السعادة، ثم قام العلماء والحكماء بتفسير أحاديثهم لنا، ولكننا امتنعنا عن الاستيعاب، فنحن المقصرون كما ورد في بعض الروايات عن رسول الله صلى الله عليه وآله: "فإن لم تفعل فلا تلومن إلا نفسك".
*الأخلاق من (الأربعون حديثاً)، جمعية المعارف الاسلامية الثقافية


الهوامش:
2- من لا يحضره الفقيه، المجلد الثالث، رقم الحديث 4901.
3- وسائل الشيعة، المجلد 11، الباب 6، من أبواب جهاد النفس وما يناسبه، حديث 8.
4- أصول الكافي، المجلد الثاني، كتاب الإيمان والكفر، باب حسن الخلق، حديث 2.
5- أصول الكافي، المجلد الثاني، كتاب الإيمان والكفر، باب حسن الخلق، حديث 3.
6- أصول الكافي، المجلد الثاني، كتاب الإيمان والكفر، باب حسن الخلق، حديث 12.
7- أصول الكافي، المجلد الثاني، كتاب الإيمان والكفر، باب حسن الخلق، حديث 6.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد

مواقيت الصلاة