علمٌ وفكر

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ عبدالهادي الفضلي
عن الكاتب :
الشيخ الدكتور عبدالهادي الفضلي، من مواليد العام 1935م بقرية (صبخة العرب) إحدى القرى القريبة من البصرة بالعراق، جمع بين الدراسة التقليدية الحوزوية والدراسة الأكاديمية، فنال البكالوريوس في اللغة العربية والعلوم الإسلامية ثم درجة الدكتوراه في اللغة العربية في النحو والصرف والعروض بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف، له العديد من المؤلفات والمساهمات على الصعيدين الحوزوي والأكاديمي.rnتوفي في العام 2013 بعد صراع طويل مع المرض.

أدلة الشيعة على إمامة علي عليه السلام

 

الدكتور عبد الهادي الفضلي .. 
لقد استدلت الشيعة الإمامية على إمامة أمير المؤمنين الإمام علي سلام الله عليه بعدة نصوص منها :
1 - حديث الغدير :
وقد دوّن هذا الحديث في غير كتاب من الكتب المعتبرة، وروي بغير طريق من الطرق المختلفة صحاحاً وحساناً وسواها.
ونص على تواتره غير واحد من الأعلام، من أحدثهم السيد الطباطبائي قال : «وأما حديث الغدير - أعني قوله صلى الله عليه وآله : (من كنت مولاه فعلي مولاه) - فهو حديث متواتر منقول من طرق الشيعة وأهل السنة بما يزيد على مئة طريق»(1).
ونصه كما أخرجه الإمام أحمد بن حنبل من حديث البراء بن عازب (في ص 281 من الجزء الرابع من مسنده) من طريقين : قال : كنا مع رسول اللّه صلى الله عليه وآله فنزلنا بغدير خم فنودي فينا الصلاة جامعة، وكسح لرسول اللّه صلى الله عليه وآله تحت شجرتين، فصلى الظهر، وأخذ بيد علي، فقال : ألستم تعلمون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم ؟
قالوا : بلى.
قال : من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم والِ من ولاه، وعادِ من عاداه.
قال : فلقيه عمر بعد ذلك، فقال له : هنيئاً يا بن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة»(2).
وتقرير الاستدلال به :
يقول الشيخ أبو علي الطبرسي : «فأما وجه الاستدلال بخبر الغدير ففيه طريقان :
أحدهما : أن نقول : إن النبي قرّر أمته في ذلك المقام على فرض طاعته فقال : (ألستُ أولى بكم من أنفسكم) فلما أجابوه بالاعتراف وقالوا : (بلى)، رفع بيد أمير المؤمنين علي (عليه السلام) وقال عاطفاً على ما تقدم : (من كنت مولاه فهذا مولاه) - وفي روايات أخر (فعلي مولاه) - (اللهم وال من والاه وعادِ من عاداه، وانصر من نصره واخذل من خذله)، فأتى عليه الصلاة والسلام بجملة يحتمل لفظها معنى الجملة الأولى التي قدّمها، وهو أن لفظة (مولى) تحتمل معنى (أولى) وإن كانت تحتمل غيره، فيجب أن يكون أراد بها المعنى المتقدم على مقتضى استعمال أهل اللغة.
وإذا كانت هذه اللفظة تفيد معنى الإمامة بدلالة أنهم يقولون : (السلطان أولى بإقامة الحدود من الرعية) و(المولى أولى بعبده) و(ولد الميّت أولى بميراثه من غيره) وقوله سبحانه : ( النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم) لا خلاف بين المفسرين أن المراد : أنه أولى بتدبير المؤمنين والأمر والنهي فيهم من كل أحد منهم.
وإذا كان النبي أولى بالخلق من أنفسهم من حيث كان مفترض الطاعة عليهم وأحق بتدبيرهم وأمرهم ونهيهم وتصرفهم بلا خلاف، وجب أن يكون ما أوجبه لأمير المؤمنين (عليه السلام) فيكون أولى بالمؤمنين من حيث أن طاعته مفترضة عليهم وأمره ونهيه مما يجب نفوذه فيهم، وفرض الطاعة يتحقق بالتدبير من هذا الوجه لا يكون إلا للنبي أو الإمام، فإذا لم يكن (عليه السلام) نبياً وجب أن يكون إماماً.
وأما الطريقة الأخرى في الاستدلال بهذا الخبر فهي : أن لا نبني الكلام على المقدمة، ونستدل بقوله : (من كنت مولاه) من غير اعتبار ما قبله، فنقول :
معلوم أن النبي أوجب لأمير المؤمنين أمراً كان واجباً له لا محالة، فيجب أن يعتبر ما تحتمله لفظة (مولى) من الأقسام وما يصح كون النبي مختصاً به منها وما لا يصح وما يجوز أن يوجبه لغيره في تلك الحالة، وما لا يجوز. وجميع ما تحتمله لفظة (مولى) ينقسم إلى أقسام :
منها لم يكنه عليه الصلاة والسلام، وهو (المعتق) و(الحليف) لأنه لم يكن حليفاً لأحد، والحليف : الذي يحالف قبيلة وينسب إليها، ليتعزز بها.
ومنها ما كان عليه السلام - ومعلوم لكل أحد - أنه لم يرده، وهو : (الجار) و(الصهر) و(ابن العم).
ومنها ما كان، ومعلوم بالدليل أنه لم يرده، وهو : (ولاية الدين) والنصرة فيه والمحبة.
ومما يدل على أنه لم يرد ذلك أن كل عاقل يعلم من دينه وجوب موالاة المؤمنين بعضهم بعضاً، وبذلك نطق القرآن، وكيف يجوز أن يجمع ذلك الجمع العظيم في مثل تلك الحال ويخطب على المنبر المعمول من الرحال ليعلّم الناس من دينه ما يعلمونه ضرورة.
ومنها ما كان حاملاً له، ويجب أن يريده وهو (الأولى بتدبير الأُمة وأمرهم ونهيهم)، لأنّا إذا أبطلنا جميع الأقسام، وعلمنا أنه يستحيل أن يخلو كلامه من معنى أو فائدة، ولم يبق إلا هذا القسم فيجب أن يريده.
وقد بينا أن كل من كان بهذه الصفة فهو الإمام المفترض الطاعة، وأما استيفاء الكلام فيه ففي الكتب الكبار»(3).
إن عقد الولاية العامة التي تعني الإمامة لعلي (عليه السلام) من قبل رسول اللّه صلى الله عليه وآله كان امتثالاً منه صلى الله عليه وآله لوحي نزل عليه في (غدير خم) وهو قوله تعالى : {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} [المائدة: 67].
ففي (أسباب النزول) روى أبو الحسن الواحدي بسنده عن أبي سعيد الخدري : «قال : نزلت هذه الآية (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك) يوم غدير خم في علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه»(4).

والآية صريحة في أمر اللّه رسوله الكريم بتبليغ وحي أنزل إليه من ربه. كما أنها ظاهرة بأن هذا كان بعد تمام تبليغه الرسالة الإلهية التي أعلن عن إكمالها وتمامها يوم عرفة قبل وصوله صلى الله عليه وآله إلى غدير خم بقوله تعالى : {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة: 3].
وظاهرة أيضاً في أن ذلك الأمر حكم جزئي، وذلك لأن الرسالة لأنها تبليغ لعموم الناس حتى قيام الساعة تحتوي الأحكام الكلية، ومن تلكم الأحكام الكلية حكم الإمامة الذي أفدناه من آية {إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا} [البقرة: 124] ، فيكون الأمر الجزئي هنا هو تطبيق حكم الإمامة على الشخص المؤهل لها.
ويؤيد هذا ويؤكده قوله تعالى : (واللّه يعصمك من الناس)، لأن الناس - وهم العامة هنا - قد لا يتورعون من توجيه الاتهام إلى النبي صلى الله عليه وآله بالمحاباة لابن عمه، وربما حاول من له طمع في الخلافة إفساد الأمر على الرسول صلى الله عليه وآله ، فأعطاه تعالى هذا الضمان بحفظه مما قد يلاقيه من الناس حين قيامه بمهمة عقد الولاية لعلي ونصبه إماماً للمسلمين.
«ففي تفسير العياشي عن أبي صالح عن ابن عباس وجابر بن عبد اللّه : قالا : أمر اللّه تعالى نبيه محمداً أن ينصب علياً علماً في الناس ليخبرهم بولايته فتخوف رسول اللّه صلى الله عليه وآله أن يقولوا حابى ابن عمه وأن يطعنوا في ذلك عليه، قالا : فأوحى اللّه اليه هذه الآية {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} [المائدة: 67]  فقام رسول اللّه صلى الله عليه وآله بولايته يوم غدير خم)(5).
يقول الدكتور النشار بعد حديثه عن حديث الدار : «ثم هناك الحديث الهام حديث الغدير والذي اتخذه الشيعة سنداً لأحقية علي الكاملة في خلافة المسلمين بعد رسول اللّه.
فقد خرج النبي صلى الله عليه وآله من مكة بعد حجة الوداع، وفي الطريق نزل عليه الوحي (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته) - آية 67 سورة 5 ،وكان النبي عند غدير خم، فأمر بالدرجات وجمع الناس في يوم قائظ شديد القيظ ودعا علياً إلى يمينه، وخطب فقال : لقد دعيت إلى ربي وإني مغادركم من هذه الدنيا وإني تارك فيكم الثقلين : كتاب اللّه وعترتي أهل بيتي»، ثم أخذ بيد علي ورفعها وقال «يا أيها الناس ألستُ أولى منكم بأنفسكم ؟ قالوا : بلى، قال : من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم والِ من والاه وعادِ من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله وأدر الحق معه حيثما دار»، فقال عمر : «بخ بخ، أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة»، ثم عاد الرسول إلى خيمته ونصب لعلي أخرى بجانبها، وأمر المسلمين أن يبايعوه بالإمامة، وسلموا له بإمرة المؤمنين جميعاً رجالاً ونساء(6).
هذا هو حديث غدير خم الذي اعتقده الشيعة سنداً صريحاً لهم في القول بإمامة علي، وقد اعترف أهل السنة جزئياً بصحة هذا الحديث وأولوه بأن المقصود من (الولاية) هنا الولاية الروحية، بل إننا نرى الحسن البصري - إمام التابعين - يعلن أن علياً رباني هذه الأمة.
أما السلف من الحنابلة المتقدمين فقد أوّلوا الموالاة بعدم الكراهية، وأنكر السلف المتأخرون الحديث إنكاراً تاماً.
ومن العجب أن السلف الذين يكرهون التأويل وينكرونه، يؤلون هنا»(7).
ومن الواضح أن هذا التأويل كان بتأثير عوامل سياسية، لأن الاعتراف بأن ظاهر الحديث يدل على الإمامة الإلهية لازمه إلزام من لا يعتقد بمؤداه بالمخالفة الشرعية.
يقول أبو القاسم البجلي المعتزلي : «لو نازع علي عقيب وفاة رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسل سيفه لحكمنا بهلاك كل من خالفه وتقدم عليه، كما حكمنا بهلاك من نازعه حين أظهر نفسه، ولكنه مالك الأمر وصاحب الخلافة، إذا طلبها وجب علينا القول بتفسيق من ينازعه فيها، وإذا أمسك عنها وجب علينا القول بعدالة من اغضى له عليها، وحكمه في ذلك حكم رسول اللّه صلى الله عليه وآله ، لأنه قد ثبت عنه في الأخبار الصحيحة أنه قال : (علي مع الحق، والحق مع علي، يدور معه حيثما دار)، وقال له غير مرة : (حربك حربي، وسلمك سلمي)(8).
مع أن اقتران الولاية لعلي بولاية النبي في الحديث الشريف المذكور دليل على أنها أعم من الولاية الروحية، لأن ولاية النبي على الأنفس تعني السلطة التنفيذية إذ لا معنى أن يكون النبي ولياً على الأنفس روحياً.


2 - حديث الكتاب :

ونصه : «لما احتضر رسول اللّه صلى الله عليه وآله وفي البيت رجال فيهم عمر بن الخطاب، قال النبي صلى الله عليه وآله : هلم اكتبْ لكم كتاباً لن تضلوا بعده، فقال عمر : إن النبي قد غلب عليه الوجع، وعندكم القرآن، حسبنا كتاب اللّه، فاختلف أهل البيت فاختصموا، منهم من يقول : قربوا يكتب لكم النبي كتاباً لن تضلوا بعده، ومنهم من يقول ما قال عمر، فلما أكثروا اللغو والاختلاف عند النبي، قال لهم رسول اللّه صلى الله عليه وآله : قوموا.
فكان ابن عباس يقول : إن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول اللّه وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب من اختلافهم ولغطهم»(9).
قال السيد شرف الدين تعليقاً عليه : «وهذا الحديث مما لا كلام في صحته ولا في صدوره، وقد رواه البخاري في عدة مواضع من صحيحه، وأخرجه مسلم في آخر الوصايا من صحيحه أيضاً، ورواه أحمد من حديث ابن عباس في مسنده، وسائر أصحاب السنن والأخبار»(10).
«وأنت إذا تأملت في قوله صلى الله عليه وآله : (هلم اكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعده) وقوله في حديث الثقلين : (إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا : كتاب اللّه وعترتي أهل بيتي) تعلم أن المرمى في الحديثين واحد، وأنه صلى الله عليه وآله أراد في مرضه أن يكتب لهم تفصيل ما أوجبه عليهم في حديث الثقلين.
وإنما عدل عن ذلك لأن كلمتهم تلك التي فاجأوه بها اضطرته إلى العدول، إذ لم يبق بعدها أثر لكتابة الكتاب سوى الفتنة والاختلاف من بعده في أنه هل هجر فيما كتبه - العياذ باللّه - أو لم يهجر، كما اختلفوا في ذلك وأكثروا اللغو نصب عينيه، فلم يتسن له يومئذ أكثر من قوله لهم : (قوموا) - كما سمعت -، ولو أصر فكتب الكتاب للجوا في قولهم هجر ولأوغل أشياعهم في إثبات هجره - والعياذ باللّه - فسطروا به أساطيرهم، وملأوا طواميرهم رداً على ذلك الكتاب وعلى من يحتج به.
لهذا اقتضت حكمته البالغة أن يضرب صلى الله عليه وآله عن ذلك الكتاب صفحاً لئلا يفتح هؤلاء المعارضون وأولياؤهم باباً إلى الطعن في النبوة - نعوذ باللّه وبه نستجير - وقد رأى صلى الله عليه وآله أن علياً وأولياءه خاضعون لمضمون ذلك الكتاب، سواء عليهم أكتب أم لم يكتب، وغيرهم لا يعمل به ولا يعتبرونه لو كتب، فالحكمة - والحال هذه توجب تركه إذ لا أثر له بعد تلك المعارضة سوى الفتنة كما لا يخفى»(11).
__________________
(1) الميزان 4 / 59 ولزيادة المعرفة في مستوى السند ودلالة المتن يرجع الى الجزء الاول من كتاب (الغدير) للشيخ الاميني.
(2) المراجعات 190.
(3) إعلام الورى 169 - 170.
(4) ص 150.
(5) الميزان 4 / 53.
(6) نشأة الفكر الفلسفي في الاسلام 2 / 27 - 28 نقلاً عن منهاج السنة لابن تيمية 4 / 81 وحياة القلوب للمجلسي 339.
(7) م. ن.
(8) الاصول العامة للفقه المقارن 177 نقلاً عن شرح نهج البلاغة لابن ابي الحديد 1 / 212.
(9) المراجعات 272.
(10) م. ن.
(11) المراجعات 275 - 276.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد

مواقيت الصلاة