قراءة في كتاب

نخاولة المدينة المنورة: إرث اجتماعي ثقافي لا ينضب


ربى حسين ..
"النّخاولة"؛ فئة مهمة من سكان المدينة الأصليين، تاق الكثير إلى معرفتهم ومعرفة تفاصيل حياتهم في الماضي والحاضر، وانتماءاتهم وأصولهم وعلاقاتهم بالمدينة تاريخيًّا.
وفي ظلّ تجنّب الكثير ممّن كتب عن المدينة من الباحثين والمؤرّخين التّعرّض إلى هذه الفئة وتسليط الضّوء عليها، أراد الكاتب حسن بن مرزوق رجاء في كتابه: "النخاولة (النخليون) في المدينة المنورة - التكوين الاجتماعي والثقافي"، تسليط الضّوء على هذه الفئة المهمة لكن المهمّشة. ويقول الأستاذ حسين علي الشريمي، في التقديم للكتاب: إذا ذكر اسم "النخاولة" في المدينة المنورة وغيرها من المدن، ذكر الغموض وعلامات الاستفهام التي لا تنتهي، مع أن الذين يعتريهم الغموض أو يطرحون علامات الاستفهام، لم يكلفوا أنفسهم مغبة الذهاب إلى حيث يسكنون خلف المسجد النبوي الشريف من الناحية الجنوبية، ومع إن لموقعهم رمزًا ودلالة لا تخطئهما العين (ما يعبر عنهم حبهم للرسول ولأهل بيته وللمدينة). إلا أنه ويا للأسف لم يقم بهذه المهمة أحد!.


أصل التّسمية
وفي الباب الأول وتحت باب لمحات عامة عن الأنساب والتسمية، يقول الكاتب حسن مرزوق رجاء النخلي، أنّ تسمية (النخلي/النخاولة) ترجع في أصلها إلى الحرفة التي ارتبط بها كثير من رجالاتها في التاريخ ارتباطًا وثيقًا، فكانت الزراعة مصدرًا لرزق أغلب هؤلاء الناس، عرفوا تفاصيلها فكان ذلك مدعاة لأن يتعامل الآخرون معهم من هذا الباب نفسه، فسموا بذلك لاشتغالهم بالزراعة وخصوصًا النخيل؛ المنتج الأبرز والمميز ضمن بقية المنتجات الزراعية بالمدينة، الذي عرفته طوال تاريخها الحضاري، منذ أقدم الأزمان.
ويضيف الكاتب، أنّه لعل حكام المدينة أتباع الدولة العثمانية، هم أول من أطلق هذه التسمية لأكثر من اعتبار. وتاريخ التسمية بلقب(النخلي) من المؤكد أنه لقب طارئ، سموا به في بداية العهد التركي، تمييزًا لهم من غيرهم. كما هي عادة الأتراك في وضع الألقاب لأصحاب المهن والعرقيات المختلفة، في سائر المناطق التي يحكمونها.


انتماءاتهم النّسبية
ومن ثم انتقل الكاتب في الفصل الثاني من الكتاب لاستعراض انتماءاتهم النسبية قائلًا "حيث أن (النخاولة) ليسوا في الأصل قبيلة واحدة، بالمعنى والمفهوم الذي يفترضه التكوين القبلي. وإنما هم مجموعة من العشائر والأسر، المنتمية إلى مجموعة من القبائل المختلفة والمعروفة في الحجاز ونجد قديمًا وحديثًا. ولأسباب مهنية وسياسية ومذهبية، ارتبطت بعضها ببعض، في حالات تصاهر وتحالفات، كما هو سائد في ذلك الزمان".
أمّا عن تأثير الحالة السياسية، فيرى الكاتب أن النخاولة تعرّضوا لأحداث وقرارات خارجية وداخلية، بفعل الأحوال السياسية والمذهبية، التي مرت بالمدينة المنورة، ما كان له الأثر الكبير في التغيير الكبير لأوضاعهم المعيشية والحياتية والديموغرافية أيضًا. كما ذكر المؤلف النخلي أن المدينة المنورة تعتبر من المراكز الحضرية الجاذبة على مدى تاريخها، فتستقطب بذلك ألوانًا وأجناسًا مختلفة زوارًا وسكانًا، ليجعلوا منها مكانًا تقطنه ثقافات متعددة ومتنوعة، على عكس كثير من المدن الأخرى المتحضرة في العالم الإسلامي. فكان لابد لهذه الخلفيات المتنوعة أن يكون لها تأثير مباشر أو غير مباشر، في جميع نشاطات أهلها الدينية والاجتماعية والاقتصادية وغيرها مما تتطلبه ظروف الحياة في المدينة.
وعلى مستوى الواقع الديني قال الكاتب: لقد كان الكثير من الناس يجهلون وجودًا شيعيًّا في المدينة المنورة، وأن هناك مكونًا رئيسيًا من أهلها الأصليين، سواء أكانوا من البادية أو الحاضرة، ويرجعون في اعتقادهم وعباداتهم إلى المذهب الشيعي.


التوزيع الديمغرافي السّكاني
 ناقش الكاتب في الفصل الثّالث من كتابه مناطق التمدّد السّكاني للنخاولة، فأورد أن عشائرها  كانت تسكن منذ القدم في المناطق التي تبدأ من جنوب الحرم النبوي الشريف، وتمتد إلى أن تصل إلى الحد الجنوبي من المدينة، الذي يشمل مناطق قباء وقربان والعوالي، وجزءًا من الحرة الشرقية (حرة واقم). وهذه المناطق بأغلبها تحت  كانت في تصرف (النخاولة)، إما بالملكية وإما بإدارتها وفلاحتها وتشغيلها.
أما عن المساكن وخصائصها الفنية، فقد كان هناك نمطان رئيسيان لمساكن النخاولة يختلفان كثيًرا في جانبهما التخطيطي والتصميمي ومواد البناء المستخدمة فيهما، تبعًا لاختلاف بيئة كل منهما من حيث المكان والثقافة المؤثرين في الحاجة الاجتماعية لكل منهما. فمساكن القاطنين داخل المدينة الذين يحترفون مهنًا غير الزراعة، ويجاورون فئات مختلفة من مكونات المجتمع المدني، يسكنون منازل ضمن وحدات سكينة كبيرة فيما يعرف (بالأحواش)، تختلف تمامًا عن المساكن خارج وسط المدينة في مناطق (قباء وقربان والعوالي) وغيرها من مساكن الفلاحين الذين تقتضي طبيعة حياتهم بناء مساكن تلبي حاجاتهم المعيشية.


خصوصية مجتمع النّخاولة
عرج الكاتب في الفصل الأخير على الخصوصيات الاجتماعية والإنسانية، التي اتصف بها النخاولة، فذكر: على الرغم من أن (النخاولة) فئة كبيرة عدديًّا، وتعيش في حاضرة كالمدينة يقطنها الكثير من أهلها، ويزورها أعداد كبيرة من أجناس مختلفة من بلدان العالم الإسلامي، إلا أن ذلك كله لم يؤثر في التكوين الاجتماعي المنظم والموحد لهذه العشائر، الذي يميزها من غيرها. وقد تشكل هذا التكوين الاجتماعي على مدى القرون المتعاقبة، بما فرضته عليها الظروف السياسية والإدارية والاجتماعية وغيرها ليحفظ لها خصوصيتها.
وقد شكل التكوين الاجتماعي للنخاولة كغيره من المجتمعات الحضرية المستقرة، بعضًا من الخصوصيات التي فرضتها طبيعة الحياة الاجتماعية والسياسية والإدارية بالمدينة، التي تميزها عن باقي المجتمع المدني مما جعله متميّزًا عن باقي المجتمعات المجاورة له.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد

مواقيت الصلاة