قرآنيات

تحريم الخمر في القرآن


الشيخ محمد هادي معرفة ..
لم ترد آية في المنع عن شرب الخمر، بلفظ التحريم صريحًا، وإنما هو أمر بالاجتناب عنه أو مما ينبغي الانتهاء منه، مما هو ظاهر في الإرشاد إلى حكم العقل محضًا، الأمر الذي قد يوهم أنها غير محرمة في شريعة الإسلام، ومن ثم سأل المهدى العباسى الإمام موسى بن جعفر(ع) عن ذلك، قال: هل هي محرمة في كتاب اللّه عز وجل؟ فإن الناس إنما يعرفون النهي عنها ولا يعرفون التحريم لها.
فقال له الإمام: بل هي محرمة في كتاب اللّه، يا أمير المؤمنين.
قال: في أى موضع هي محرمة في كتاب اللّه، يا أبا الحسن؟.
فقال: في قول اللّه عز وجل: ﴿قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق﴾ (1).
قال (ع): أما ما ظهر فهو الزنى المعلن ونصب الرايات التي كانت ترفعها الفواجر للفواحش في الجاهلية وأما ما بطن فيعني ما نكح من الآباء، كان الناس قبل البعثة إذا كان للرجل زوجة ومات عنها، تزوجها ابنه من بعده إذا لم تكن أمه.
 قال: وأما الإثم فإنها الخمرة بعينها وقد قال تعالى في موضع آخر: ﴿يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما اثم كبير ومنافع للناس، وإثمهما أكبر من نفعهما﴾ (2).
 فالتفت المهدى إلى علي بن يقطين - وكان حاضر المجلس ومن وزرائه - وقال: يا على، هذه واللّه فتوى هاشمية منكم أهل البيت فما صبر المهدي أن قال: صدقت يا رافضي وكان يعرف منه الولاء لآل البيت (3).
وبهذه المقارنة الدقيقة بين آيتين قرآنيتين يعرف التحريم صريحًا في كتاب اللّه الأمر الذي أعجب المهدى العباسي واستعظم هذا التنبه الرقيق والذكاء المرهف الذي حظي به البيت الهاشمي الرفيع.
وهكذا روي عن الحسن تفسير ﴿الاثم﴾ في الآية ﴿بالخمر﴾ (4).
 قال العلامة المجلسي: المراد بالاثم ما يوجبه، وحاصل الاستدلال أنه تعالى حكم في تلك الآية بكون ما يوجب الإثم محرمًا، وحكم في الآية الأخرى بكون الخمر والميسر مما يوجب الإثم، فثبت بمقتضاهما تحريمهما (5).
والكناية بالإثم عن الخمر، لأنها أم الخبائث وراس كل إثم (6)، كان قد شاع ذلك الوقت وقبله وتعارف استعماله أنشد الأخفش:
شربت الإثم حتى ضل عقلي كذاك الإثم تذهب بالعقول.
وقال آخر:
نهانا رسول اللّه أن نقرب الخنا وان نشرب الإثم الذي يوجب الوزرا (7).
وأيضًا قال قائلهم في مجلس أبي العباس:
 نشرب الإثم بالصواع جهارا وترى المسك بيننا مستعارا (8).
وقد صرح الجوهري بوروده في اللغة، قال: وقد تسمى الخمر إثما ثم أنشد البيت الأول كذلك عدها الفيروزآبادي أحد معانيه.
 وأما إنكار جماعة أن يكون الإثم اسمًا للخمر، فهو إنما يعني الإطلاق الحقيقي دون المجاز والاستعارة، فكل معصية إثم، غير أن الخمر لشدة تأثيمها سميت إثما، لأنها رأس المثم وأصلها وأساسها، كما نبهنا وإلى هذا يرجع كلام ابن سيده، قال: وعندي أنه إنما سماها إثما، لأن شربها إثم فهو من اللإطلاق الشائع الدائر على الألسن، وضعًا ثانويًّا عرفيًّا بكثرة الاستعمال نعم ليس من الوضع اللغوي الأصل.
وإلى هذا المعنى أيضا يرجع إنكار ابن الانباري أبي بكر النحوي أن يكون الإثم من اسماء الخمر (9) لا إنكار استعماله فيها مجازًا شائعًا قال الزبيدي: وقد أنكر ابن الانباري تسمية الخمر إثمًا، وجعله من المجاز، وأطال في رد كونه حقيقة (10) قلت: وهو كذلك بالنظر إلى أصل اللغة.
 وانكره ابن العربي قال: ﴿لا حجة فيما أنشده الأخفش، لأنه لو قال: شربت الذنب أو شربت الوزر لكان كذلك، ولم يوجب أن يكون الذنب أو الورز اسمًا من أسماء الخمر، كذلك الإثم قال: والذي أوجب التكلم بمثل هذا الجهل باللغة وبطريق الأدلة في المعاني﴾.
لكن الفارق أن العرب استعملت ﴿الاثم﴾ في الخمر وتعارف استعماله في عرفهم، حتى خص به على اثر الشياع أما ﴿الذنب﴾ و﴿الوزر﴾ فلم يتعارف استعمالهما في ذلك ولو تعارف لكان كذلك.
قال القرطبي - في رده: أنه مروي عن الحسن، وذكره الجوهري مستشهدًا بما أنشده الأخفش، وهكذا أنشده الهروي في غريبيه، على أن الخمر: الأثم قال: فلا يبعد أن يكون الإثم يقع على جميع المعاصي وعلى الخمر أيضًا لغة، فلا تناقض (11).
 
1- الاعراف / 33.
2- البقرة / 219.
3- الكافي الشريف، ج6، ص 406.
4- مجمع البيان للطبرسي، ج4، ص 414.
5- مرآة العقول بشرح الكافي، ج22، ص 264.
6- اخرج الكليني باسناده الى ابي عبد اللّه، قال: قال رسول اللّه (ع) ﴿﴿ان الخمر راس كل اثم﴾﴾ ﴿الكافي الشريف، ج6، ص 403﴾.
7- مجمع البيان، ج4، ص 414. والخنا: الفحش من الكلام واستعير لكل امرقبيح وقد كنى بالاثم عن الخمر فانها، اذ لوكان بمعنى الوزر لم يكن يوجب الوزر، ولم يصح تعلق الشرب به.
8- ذكره ابن سيده ﴿ابن منظور لسان العرب﴾. والصواع: انا يشرب فيه ومستعار: متدأول، اي نتعأوره بايدينا نشتمه.
9- لسان العرب لابن منظور، ج12، ص 7.
10- تاج العروس بشرح القاموس، ج8، ص 179.
11- تفسير القرطبي، ج7، ص 201.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد

مواقيت الصلاة