علمٌ وفكر

الغازات التي نتنسمها


لنتخذ من الأوكسجين مثالًا على التنظيم المحكم إلى غير حد، فالهواء الذي فوق الأرض مكون من الأوكسجين والنيتروجين والأرجون والنيون والكنسيون والكريبتون، وهو يحتوي بخار الماء، وكذا ثاني أوكسيد الكربون بنسبة ثلاثة اجزاء من10.000. والغازات النادرة تظهر نفسها في شكل الألوان الحمراء والزرقاء والخضراء بلافتات الإعلان، أما الأرجون الذي يوجد في الهواء بنسبة 6-10 في 1% فإنه يعطينا النور الساطع الباهر الذي تتقدم به المدينة حيث يستخدم. ويوجد النيتروجين بنسبة 78% تقريبا في الهواء، في حين تحدد نسبة الأوكسجين عادة بـ 21%.
والهواء في جملته يضغط على الأرض بمعدل خمسة عشر رطلًا تقريبًا على البوصة المربعة من السطح بمستوى البحر. والأوكسجين الذي يوجد في الهواء هو جزء من هذا الضغط، وهو بمعدل نحو ثلاثة أرطال على البوصة المربعة. وكل الباقي من الأوكسجين محبوس في شكل مركبات في قشرة الأرض، وهو يكون 8-10 من جميع المياه في العالم. والأوكسجين هو نسمة الحياة لكل الحيوانات التي فوق الأرض، وهو لا يمكن الحصول عليه لهذا الغرض إلا من الهواء.
ولنا الآن أن نسأل: كيف أن هذا العنصر ذا النشاط البالغ من الوجهة الكيميائية، قد أفلت من الاتحاد مع غيره وترك في الجو بنفس النسبة تقريبًا، اللازمة لجميع الكائنات الحية؟ فلو كان الأوكسجين بنسبة 50% مثلا أو أكثر من الهواء بدلاً من 21%، فإن جميع المواد القابلة للاحتراق في العالم تصبح عرضة للاشتعال لدرجة أن أول شرارة من البرق تصيب شجرة لابد أن تلهب الغابة حتى تكاد تنفجر.
ولو أن نسبة الأوكسجين في الهواء قد هبطت إلى 10% أو أقل، فإن الحياة ربما طابقت نفسها عليها في خلال الدهور، ولكن في هذه الحالة كان القليل من عناصر المدنية التي ألفها الإنسان – كالنار مثلاً – يمكن أن تتوافر له. واذا امتص الأوكسجين الطليق، ذلك الجزء الواحد من عدة ملايين من مادة الأرض فإن كل حياة حيوانية تنقرض على الفور.
إن العلاقة العجيبة التي بين الأوكسجين وثاني أوكسيد الكربون فيما يتعلق بالحياة الحيوانية، وعالم النباتات كله قد استرعت أنظار كل العالم المفكر، غير أن أهمية ثاني أوكسيد الكربون لم تدرك بعد من الجميع. ويمكن أن نقول كلمة عابرة بأن ثاني أوكسيد الكربون هو الغاز المألوف في تعبئة ماء الصودا. وهو غاز ثقيل، ولحسن الحظ يعلق بالأرض، ولا يتم فصله إلى أوكسيجين وكربون إلا بصعوبة كبيرة. وأنت إذا أشعلت ناراً، فإن الخشب الذي يتكون غالباً من الأوكسجين والكربون والهيدروجين يتحلل تحت تأثير الحرارة، ويتحد الكربون مع الأوكسجين بشدة، وينتج من ذلك ثاني أوكسيد الكربون. والهيدروجين الذي يطلق يتحد بمثل تلك الشدة مع الأوكسجين فنحصل على بخار الماء. ومعظم الدخان هو كربون غير متحد مع غيره. وحين يتنفس رجل، يستنشق الأوكسجين فيتلقاه الدم، ويوزع في خلال جسمه. وهذا الأوكسجين يحرق طعامه في كل خلية ببطء شديد عند درجة حرارة محددة، ولكن النتيجة هي ثاني أوكسيد الكربون وبخار الماء، ولذا فإنه إذا وصف إنسان بأنه يتنهد كالاتون، ففي ذلك شيء من الحقيقة.. وثاني أوكسيد الكربون يتسلل إلى رئتيه، ويكون غير قابل للتنسم، وهو يلفظ ثاني أوكسيد الكربون في الجو. وكل كائن حيواني حي يمتص الأوكسيجين بهذا الشكل، ويلفظ ثاني أوكسيد الكربون. ثم إن الأوكسجين ضروري للحياة لتأثيره في عناصر أخرى في الدم وفي أجزاء أخرى من الجسم، وبدونه تتوقف عمليات الحياة.
ومن جهة أخرى تعتمد حياة كل نبات، كما هو معروف، على المقادير التي تكاد تكون متناهية الصغر، من ثاني أوكسيد الكربون الموجود في الهواء، والتي يمكن القول بأنها يتنسمها ولكي نوضح هذا التفاعل الكيميائي المركب المختص بالتركيب الضوئي Photosynthetic، بأبسط طريقة ممكنة، نقول إن اوراق الشجر هي رئات، وإن لها القدرة في ضوء الشمس على تجزئة ثاني أوكسيد الكربون العنيد إلى كربون وأوكسيجين. وبتعبير آخر: يلفظ الأوكسجين ويحتفظ بالكربون متحداً مع هيدروجين الماء الذي يستمده النبات من جذوره. وبكيمياء سحرية، تصنع الطبيعة من هذه العناصر سكرا أو سيلولوزا ومواد كيميائية أخرى عديدة وفواكه وأزهاراً. ويغذي النبات نفسه، وينتج فائضا يكفي لتغذية كل حيوان على وجه الأرض. وفي الوقت نفسه، يلفظ النبات الأوكسجين الذي نتنسمه، والذي بدونه تنتهي الحياة بعد خمس دقائق، فدعنا إذن نقدم احترامنا بتواضع، إلى النبات.
وهكذا نجد أن جميع النباتات، والغابات والأعشاب، وكل قطعة من الطحلب، وكل ما يتعلق بحياة الزرع، تبني تكوينها من الكربون والماء على الأخص. والحيوانات تلفظ ثاني اوكسيد الكربون، بينما تلفظ النباتات الأوكسيجين، ولو كانت هذه المقايضة غير قائمة، فإن الحياة الحيوانية أو النباتية كانت تستنفذ في النهاية كل الأوكسجين أو كل ثاني اوكسيد الكربون، تقريباً، ومتى انقلب التوازن تماماً في النباتات أو مات الإنسان، فيلحق به الآخر وشيكاً.

وقد اكتشف أخيراً ان وجود ثاني اوكسيد الكربون بمقادير صغيرة، هو أيضاً ضروري لمعظم حياة الحيوان، كما اكتشف أن النباتات تستخدم بعض الاوكسيجين.
ويجب أن يضاف الهيدروجين أيضاً، وإن كنا لا نتنسمه، فبدون الهيدروجين كأن الماء لا يوجد. ونسبة الماء من المادة الحيوانية أو النباتية هي كبيرة لدرجة تدعو إلى الدهشة، ولا غنى عنه مطلقاً.
إن الأوكسجين والهيدروجين وثاني أوكسيد الكربون والكربون – سواء أكانت منعزلة أم على علاقاتها المختلفة – بعضها مع بعض – هي العناصر البيولوجية الرئيسية.
وهي الأساس الذي تقوم عليه الحياة. غير أنه لا توجد مصادفة من بين عدة ملايين، تقضي بأن تكون كلها في وقت واحد وفي كوكب سيار واحد، بتلك النسب الصحيحة اللازمة للحياة! وليس لدى العلم إيضاح لهذه الحقائق.


أما القول بأن ذلك نتيجة المصادفة فهو قول يتحدى العلوم الرياضية!
قال الله تعالى في كتابه الكريم، (سورة النحل): ﴿هُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء لَّكُم مِّنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ* يُنبِتُ لَكُم بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالأَعْنَابَ وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ * وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالْنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالْنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ* وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الأَرْضِ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ * وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُواْ مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُواْ مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلاً لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ * وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ * أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ * وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ اللّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾.

* العلم يدعو للإيمان- بتصرّف-كريسي موريسون

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد

مواقيت الصلاة