قراءة في كتاب

حوار في الإمامة: جذور الاختلاف الطّائفي في الإسلام


ربى حسين ..

يعد كتاب "حوار في الإمامة" بين الشيخ محسن الأراكي والدكتور محمد بن عبدالله المسعري - بقلم الدكتور جودت القزويني، من أهم الكتب في الجدل الشّيعي الوهابي في العصر الحديث. فقد طرح ولأوّل مرّة مبدأ الحوار للوصول إلى جذور الاختلاف الطائفي في الإسلام منذ نشأته الأولى، وقد دار الحوار بين شخصيّتين لهما أهميّة علمية واجتماعيّة معًا.
ما يميز طبيعة هذه الرّسائل أنّ الحوار الصّادر عنها لم يدع إلى الغلبة، غلبة طرف على آخر، كما لم تكن نتائجه تهدف إلى زعزعة أي من الطّرفين، ودعوة أحدهما لتبنّي منهج الآخر، بمقدار عرض وجهات النّظر والدّفاع عنها بالأدلّة العقليّة والمنطقيّة تارة، وبالنّصوص النّقليّة تارة أخرى. وإنما كانت محاولة للرجوع إلى نقل المسلمات وتفسيرها كما وردت ضمن التّراث الّذي خلّفته الكتب المذهبيّة عبر تاريخها الطّويل الحافل بالاختلاف.


 الرّسالة الأولى للشيخ محسن الآراكي
كانت الرّسالة الأولى للشيخ محسن بناءً على طلب الدّكتور محمد المسعري، وقد تطرق في بدايتها إلى الحديث عن رسول البشريّة محمد (ص) وما جاء به من العدل والهدى والنور والرّفاه، معتبرًا أنّ اللّه سبحانه وتعالى نصّبه إمامًا وقائدًا للناس، فجعله أولى بالنّاس من أنفسهم "النّبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم"، ومن هنا وجبت له الطّاعة. ويؤكّد سماحته أنّ الإمامة هي رئاسة عامّة في أمور الدّين والدّنيا، وهذا هو شأن المجتمع الذي يقوم نظامه على أساس من الدّين، وأنّها عهد إلهي يختار الله له من يشاء من عباده الّذين اصطفى، وليست شأنًا بشريًّا أوكل إلى النّاس ليختاروا فيه بأهوائهم فتكون طاعتهم للإمام طاعة لأهوائهم وآرائهم.
وقد اعتبر سماحته أن الإمامة عند الشّيعة منصب إلهي يتعيّن بالنّص، قال سبحانه وتعالى "وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمّهنّ قال إني جاعلك للناس إمامًا قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظّالمين" . وقد دلّت هذه الآية على أنّ منصب الإمامة والولاية في المجتمع عهد إلهي يضعه الله أينما يشاء، والدّليل أنّ إبراهيم طلب ذلك لذرّيته فكان الرّد على استمرار الإمامة من الصالحين من ذرّية إبراهيم وهنا تتجسد الوراثة الرّسالية وليس وراثة الانتماء النّسبي.
وختم قائلًا "هنالك نصوص كثيرة من الكتاب والسّنة دلّت على مصاديق هذه "الكبرى"، وعلى الأشخاص الّذين عيّنهم الله سبحانه أئمّة للناس بعد الرّسول (ص)، وهم رجال مخصوصون من أهل بيت رسول الله (ص)".


رسالة الدّكتور محمد مسعري
يؤكّد الدكتور في بداية رسالته على نقطة التّلاقي بين الطّرفين فيما خصّ نبوة الرسول الأكرم (ص) وما جاء به للبشريّة إلى يوم القيامة. أمّا عن الإمامة فقد كان له رأي مختلف فالإمامة بالنّسبة إليه قضيّة شرعيّة دينيّة وليست قضيّة حسيّة أو عقليّة  كقضايا الهندسة والفيزياء. وقضيّتها هي قضيّة الطّاعة فقط، وليست الإتّباع الّذي يكون اختياريًّا إذا حصل لدى المتّبع القناعة بالمتبوع.
وفيما خصّ الآية الكريمة: "إنّي جاعلك للناس إمامًا"، اعتبر الدكتور المسعري إمامة ابراهيم (ع) كانت قطعًا أمرًا إضافيًّا غير مجرد نبوته ورسالته غير أنّه لم يظهر له أن الإمامة المذكورة في الآية هي بمعنى رئاسة الدّولة، بل الأرجح أنّها قيادة روحيّة ومعنويّة وفكريّة للناس جميعًا إلى يوم القيامة. وأضاف أنّه على فرض التسليم أنّ الإمامة تعني أو تشمل الحكم والسّلطان فليس في الآية ما يدل على أنّها حصر بالنّص الإلهي فقط، وسؤال إبراهيم إيّاه لذرّيته من الله سبحانه وتعالى هو تشوّق ورغبة في تلك المنقبة والتشريف العظيم.


الرّسالة الثّالثة: رد سماحة الشّيخ محسن آراكي
وهذه الرّساله تنقسم إلى فصول ثلاثة ففي الأوّل كان هناك عدّة ملاحظات للشيخ محسن حول المقدّمة فقام بتعريف الدّين على أنّه عقيدة وشريعة، وأنّ دائرة الشّريعة الدّينيّة تتسع بسعة دائرة حقّ الله على عباده. ومن ثمّ أشار إلى الإمامة حسب حدودها المتّفق عليها على أنّها قيادة المجتمع نحو مقاصد الدّين العليا وإرادته على وفق شريعة الله سبحانه وتعالى. ومن ثم حدد دور العقل في المعرفة الدّينيّة، موضحًا أن المقصود بالدّليل العقلي هو البديهيّات العقلية الّتي تنتهي على وفق منهج الاستدلال المنطقي. وأنهى مقدّمته بأنّ الأصل في قضيّة الإمامة هو تعيين من قبل الله تعالى، وقد أقام الأدلّة على ذلك.
في الفصل الثّاني من الكتاب تطرّق سماحته إلى العديد من الأدلّة لتوضيح فكرة الإمامة عند الإثني عشريّة مركّزًا على قضيّة الإمامة الّتي يمكن إثبات ضرورة كونها بالتّعيين بالاستناد إلى بعض القضايا العقليّة اللاحقة للتشريع.
قال تعالى "ربّنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرّسول"، وهنا استغرب سماحته موضوع أنّ الاتّباع يكون اختياريًّا يحصل بقناعة التّابع بالمتبوع. وسأل: هل يجوز للمسلم أن يتّبع أيًّا شاء، وإن كان المتبوع مخالفًا لله ورسوله في سلوكه ورأيه لمجرّد أنه مقتنع به؟ وهل يعذرنا الله سبحانه إذا اتّبعنا من اقتنعنا به، فخالف أمر الله سبحانه؟ وأمّا بالنّسبة لمبحث الإمامة لفت سماحته إلى اعتراض الدكتور على الاستدلال بآية "إنّي جاعلك للناس إمامًا" لإثبات أن الإمامة عهدًا لا يتم إلّا بالنّص من الله سبحانه، وكان ردّه مستندًا على ما يذكره اللّغويّون في معنى الإمامة على أنّها بمعنى الرّئاسة والقيادة والتّقدّم في الأمور. وفي هذا الإطار قال ابن منظور: "والإمام كل من ائتمّ به قوم، كانوا على الصراط المستقيم أو كانو ضالّين". والحاصل أن المتأمّل في آيات الكتاب العزيز يجد بوضوح تأكيد القرآن الكريم على إعطاء الله لإبراهيم وذرّيته الصّالحين منصب الحكم بالإضافة إلى النّبوّة والكتاب.
وقد خصّص الفصل الأخير لذكر الأدلّة المرتبطة بأمر الإمامة والحكم في المجتمع الّذي يختاره الله. وما دلّ على أنّه سبحانه بعث رسله لقيادة النّاس اجتماعيًّا وسياسيًّا، وأمر الناس بطاعتهم: "لقد أرسلنا رسلنا بالبيّنات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم النّاس بالقسط".
وكما عرض آيات للدلالة اللطيفة على أنّ الرّسل لم يبعثوا مبلّغين عن اللّه فحسب بل بعثوا حكامًّا يأمرون فيطاعون. هذه الطّاعة للرسول لابدّ أن تكون طاعة حكم وليس طاعة إبلاغ "وما أرسلنا من رسول إلّا ليطاع بإذن الّله".

والحاصل أن التّأمّل في مجموعة هذه الآيات وأمثالها يهدينا إلى أنّ شأن الإمامة والحكم يشبه شأن النّبوّة في كونها أمرًا إلهيًّا يتم بتعيين من اللّه وليس باختيار النّاس، وهو الّذي يختار للإمامة من يشاء من عباده في قضيّة الإمامة. وإذا كان الله ورسوله قد قضيا في الإمامة قضاء، فليس أمام المسلم إلّا الرضا بقضائهما والتسليم لأمرهما.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد

مواقيت الصلاة