من التاريخ

فضل العالِم على العابد


كان في قوم يونس عليه السلام رجلان أحدهما عابد واسمه « تنوخا » والآخر عالِم واسمه « روبيل » وكانا قد آمنا بالنبي يونس عليه السلام وأصبحا من مستشاريه.
فكان العابد يشير على يونس بالدعاء على قومه ، وكان العالِم ينهاه ويقول : لا تدع عليهم فإن الله يستجيب لك.
فلما دعا يونس عليه السلام على قومه بالعذاب واستجاب الله له ، ذهب إلى تنوخا العابد فأخبره بما أوحى الله إليه من نزول العذاب على قومه في اليوم المعين « في شوال يوم الأربعاء في وسط الشهر بعد طلوع الشمس » وقال له : انطلق إليهم وأعلمهم بما أوحى الله إلي من نزول العذاب عليهم.
فقال العابد : دعهم في غمرتهم ومعصيتهم ، حتى يعذبهم الله تعالى ، فقال يونس عليه السلام : بل نلقى روبيل فنشاوره فإنه رجل عالم حكيم من أهل بيت النبوة.
فانطلقا إلى روبيل ، فأخبره يونس عليه السلام بما أوحى الله إليه من نزول العذاب على قومه .. ، فقال له روبيل :
ارجع إلى ربك رجعة نبي حكيم وسله أن يصرف عنهم العذاب فإنه غني عن عذابهم ، وهو يحب الرفق بعباده ، ولعل قومك بعدما سمعت ورأيت من كفرهم وجحودهم يؤمنون يوماً فصابرهم وتأنّهم.
اعترض الرجل العابد على الرجل العالِم ودار نقاش شديد بينهما ، العابد يصر على نزول العذاب ، والعالِم يصر على رفع العذاب ، بعد ذلك قال العالِم للعابد : اسكت فإنك رجل عابد لا علم لك.
ثم قال روبيل للنبي يونس عليه السلام : ارجع إلى الله واسأله أن يصرف عنهم العذاب ، ولعلهم إذا أحسوا بنزول العذاب يتوبوا إلى الله ، فيرحمهم فإنه أرحم الراحمين ، ويكشف عنهم العذاب من بعدما أخبرتهم عن الله أنه ينزل عليهم العذاب يوم كذا وكذا ... فاعترض تنوخا العابد مرة أخرى على روبيل العالم ...
فأبى يونس عليه السلام أن يقبل وصية العالِم ، فانطلق ومعه تنوخا العابد وخرجا من القرية ، وبقي الرجل العالِم في القرية مع قومه ولم يخرج معهم.
لما حان موعد نزول العذاب في شوال ، صاح روبيل العالِم بأعلى صوته إلى القوم وقال : أنا روبيل شَفيق عليكم رحيم بكم وهذا شوال قد دخل عليكم ، وقد أخبركم يونس نبيكم ورسولكم أن الله أوحى إليه أن العذاب ينزل عليكم في وسط شهر شوال بعد طلوع الشمس ، ولن يخلف الله وعده ورسوله فانظروا ما أنتم صانعون.
فأفزعهم كلامه ووقع في قلوبهم الخوف والرعب فأتوا نحو روبيل وقالوا له : ما تشير علينا يا روبيل فإنك رجل عالم حكيم ، فأمرنا بأمرك وأشر علينا برأيك.
فقال لهم روبيل : فإني أرى لكم وأشير عليكم أن تنظروا إذا طلع الفجر من يوم الأربعاء في وسط الشهر ، أن تعزلوا الأطفال عن الأمهات في أسفل الجبل ، وتوقفوا النساء في سفح الجبل ... ، فإذا رأيتم ريحاً صفراء أقبلت من المشرق فعجوا الكبير منكم والصغير بالبكاء والصراخ والتضرع إلى الله والتوبة إليه وارفعوا رؤوسكم إلى السماء وقولوا : ربنا ظلمنا أنفسنا وكذبنا نبينا وتبنا إليك من ذنوبنا وإن لم تغفر لنا ولا ترحمنا لنكونن من الخاسرين المعذبين ، فاقبل توبتنا وارحمنا يا أرحم الراحمين ، فأجمَعَ رأي القوم على هذا.
فلما كان اليوم الموعود بنزول العذاب ، أقبلت ريح صفراء مظلمة لها صرير وحفيف وهدير ، فلما رأوها عجوا بالصراخ والبكاء والتضرع إلى الله وتابوا إليه ، وصرخت الأطفال تطلب أمهاتها ، وعجت سخال البهائم تطلب اللبن ، وعجت الأنعام تطلب المرعى ، فلم يزالوا كذلك وروبيل يسمع صراخهم ويدعو الله بكشف العذاب عنهم.
فاستجاب الله دعاءهم وقبلَ توبتهم وأبعد عنهم العذاب وأنزله على الجبال والصحاري.
فلما رأى قوم يونس عليه السلام أن العذاب قد صرف عنهم هبطوا من رؤوس الجبال إلى منازلهم وضموا إليهم نساءهم وأولادهم وأموالهم وحمدوا الله على ما صرف عنهم.
فلما رجع يونس والعابد إلى القرية ، قال روبيل العالِم إلى تنوخا : أي الرأيين كان أصوب وأحق أن يتبع ، رأيي أو رأيك ؟ فقال له تنوخا : بل رأيك كان أصوب ، ولقد أشرت برأي الحكماء العلماء ، وما أعطاك ربك من الحكمة مع التقوى أفضل من الزهد والعبادة بلا علم ....
عن أبي حمزة ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : عالم ينتفع بعلمه أفضل من سبعين ألف عابد. (1)
وعن معاوية بن عمار قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : رجل راوية لحديثكم يبث ذلك في الناس ويشدده في قلوبهم وقلوب شيعتكم ولعل عابداً من شيعتكم ليست له هذه الرواية أيهما أفضل ؟ قال : الراوية لحديثنا يشد به قلوب شيعتنا أفضل من الف عابد. (2)
____________________________________
1 ـ 2 ـ الكافي : ج 1 ص 33.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد

مواقيت الصلاة