لقاءات

جابر الجميعة: الشعر سباقٌ نحو فردوس القصيدة الأعلى وسدرة منتهاها


نسرين نجم ..

الشعر إكسير المشاعر ولغة القلوب وعبره رسائل كثيرة تُكتب منها ما هو متعلق بالإنسانية ومنها ما هو متعلق بنبضات الخافق، أحبّ الشعر وأحبه، فكونا علاقة مليئة بالإبداع وبالكلمات التي تروي ظمأ حياتنا للجمال وللتميز، فشعره أشبه بنسمات صيفية لطيفة، إنه الشاعر جابر الجميعة الذي أجرينا معه هذا الحوار:


* التورط بالشعر:
تعلق الشاعر جابر الجميعة بالشعر كتعلق الطير بالتحليق، كتعلق الرسام بريشته، فهو يعتبر بأنه: "يغلب في أن يقع الشاعر على الشعر ليجد نفسه متورطًا به كتورط غيمةٍ بكرٍ تُشاكس قطرات الماء فما أن تثقل بحملهِا إلا وتهطل بالمطر لتهب الأرض بعض الحياة كذلك هم الشعراء " فالشعر بالنسبة له: "هو عصب الحياة وشريانها والنبع الذي يستقي العالم منهُ فتخضَّر زواياه وتأتلق حوائطه وسقوفه ذات عناء، الشعر هو الفكرة التي هبط بها آدم حين راود حواءهُ عن حُبها فانفتحت له أبواب الأرض وتصالحت به البشرية على هذا الكوكب".
بعض الشعراء عملوا وجاهدوا ليكتسبوا هذه الموهبة وعند البعض الآخر موجودة معهم بالفطرة،  عن هذا يقول الشاعر الجميعة: "في داخلِ كُل إنسانٍ منَّا شاعر لكن القليل من يمكنه إخراجه من سجنه كي يرى النور ويترجم مشاعره بوحًا زُلالًا ، لا شك أن للموهبة دورًا في صقل قدرات الشاعر وأحاسيسه وجعله أمام كونٍ مليء بالدهشة والجمال، وقد يكون للطبيعة الخلابة والبيئة الأدبية والموروث الديني شأنٌ في كون الشعر مكتسبًا وفيه من الإبداع ما يفوق الموهبة صورة وعمقًا أحيانًا، الخلاصة سيّان أن يكون الشاعر موهوبًا بالفطرة أو مكتسبًا فكلاهما شاعر وينحدر لسلالة بني الشعر".
تعددت الأراء حول الشعر الحديث منهم من اعتبر بأنه أفقد الشعر رونقه ومنهم من اعتبر بأنه أضاف جمالية خاصة في الصور، أما موقف الشاعر جابر الجميعة من هذا الموضوع فهو يرى بأن للشعر الحديث: "دورًا هامًّا في إبراز جمالية القصيدة بكل أشكالها بعد أن كانت حكرًا على الشكل العمودي الكلاسيكي ولدينا نماذج شعرية حديثة غاية في الجمال والإبداع، في الوقت الذي كان مستوى الشعر يوشك على الإنحدار برز في الساحة من استطاعوا أن يبتكروا مزيدًا من الصور البلاغية وإعطاء القصيدة حظها الأوفى من الصدارة والتألق". ويعتبر بأن العناصر التي تُنجح القصيدة هي: "المرأة والطبيعة والموسيقى".


* الإحساء وهندسة الشعر:
يُعتبر المكان بالنسبة لأغلبية الشعراء ضروريًا ليستوحوا منه كلماتهم، فنرى البعض منهم يلجأ إلى البحر لتتناغم موجاته مع كلمات الشعر، ومنهم من يشد الرّحال إلى الطبيعة ليستمد منها الجمال والهدوء والسكينة فتفيض على مشاعره أبيات وقصائد، ومنهم كالشاعر جابر الجميعة الذي يعتبر بأنه: "لا يعدو المكان سوى أنه محطة من محطات الشاعر المتعددة في ذاته الملتهبة شعرًا  فأينما هبط وحي القصيدة كُتبت وأينما استُفز الشاعر نزف حبره، فأحيانًا يكتب الشاعر وهو مستلقيًا في منزله أو في صالة الانتظار بالمطار أو في مكتبه بالعمل أو حتى وهو يزاول رياضة المشي، فلا طقوس ولا أمكنة محددة للكتابة فمتى ما استشعر الشاعر خيط القصيدة أمسكه وأحاط به".


إلا أن للأحساء كمكان ركنًا خاصًّا في قلب الشاعر جابر الجميعة وهو من تغنى بطبيعتها وكتب لها العديد من الأشعار، انطلاقًا من هذا سألناه، كيف استطاعت الأحساء أن تهندس مشاعركم تجاهها شعريًا؟ فيقول: "الأحساء كما يعرفها الكثيرون فهي أكبر واحة في المملكة وهي أشبه بسجادةٍ خضراء تستعمرها ممالك النخل وأشجار الليمون والتين ومزارع الأرز الأحسائي المشهور بسمرته وتُدير رحاها مئات الينابيع والعيون العذبة التي تُضفي عليها مزيدًا من الروعة والشاعرية فكونك مولودٌ بالأحساء فلك أن تتوقع أن تكون شاعرًا وتُعد الأحساء من أكبر مناجم الشعر والشعراء بالمملكة، ولا أزال أتذكر المقولة الجملية لصديقنا الشاعر السيد محمد رضا السلمان حيث يقول : (لا أستغرب أن يكون الأحسائيُ شاعرًا ما أستغربهُ أن لا يكون شاعرًا)، فكُل شيء هنا يُحرضك للشعر ويشي لك بالنشوة والدخول في بئر القصيدة حتى أنك لا تكاد تشهق أنفاسك إلا وتطلقها قصائد وشعرًا، ولا ننسى دور وأهمية الأندية الأدبية في إظهار الشِعر الأحسائي بصورته العالمية الراقية والمُشرفة وعلى رأسهم:  نادي الأحساء الأدبي الثقافي وجمعية الفنون الشعبية، و(منتدى الينابيع الهجرية) تحت مظلةٍ كريمة ومعطاءة من عرَّابه ومؤسسه الأستاذ الشاعر ناجي الحرز الذي تتلمذ في بستانه الكثير من شعراء الأحساء واستحموا في نبعه الصافي المتدفق عذوبةً وجمالًا فمنهم أُمراء الشعر ووزرائه وحملة عرشه".


* الشعر نافذة تُطل بها على العالم الأرقى:
"إن الشعر نافذة نُطل بها للعالم الأرقى" عبارة رددها دائمًا شاعرنا الجميعة فسألناه على أي عالم استطاع أن يُطل من خلال الشعر؟ فيقول: "كشعراء نحن معجونون بطين الدهشة وماء الحُب والجمال، فالشعر نافذتنا الوحيدة التي نُطل بها دومًا على العالم فنُمسك بأجملهِ لنُخفي بعضًا من مآسيهِ وعذاباته، والشعر هو حكايانا في ألف ليلة وليلة وسباقٌ نحو فردوس القصيدة الأعلى وسدرة منتهاها". وعن نوع الشعر الذي ينجذب إليه قلمه قال: "كل أنواع الشعر مُحببة إليّ استماعًا أما كتابةً فتغلب قصائدي للشكل العمودي وقليلًا من التفعيلي والحُر".
فهل يعتبر الجميعة الشعر لغة تختصر المسافة بين القلوب؟ يقول: "نعم فالشِعر هو البُراق الذي نستطيع من خلاله أن نعرج لسماوات القلوب والإقامة الجبرية بها ردحًا من الزمن دون أن نخدش جدرانها مقدار ذرة"، وحول ما إذا كان يؤمن  بمقولة أن الشعر يولد من رحم الآلام؟ يراها صحيحة ولكن: "يقيني بأنَّ الشعر يولد بالحُب ويموت بالحقد والكراهية".
الملفت أنه خلال سنوات قليلة نلاحظ توجه الجيل الناشئ نحو الشعر فمنهم من تميز وأبدع ومنهم ما زال على الدرجة الأولى من سُلم الشعر الطويل، عن رأيه بالجيل الشاب من الشعراء ونصائحه لهم يقول: "الشعراء الشباب في عالمنا العربي جميلون جدًا فلدينا من الأصدقاء الشعراء الشباب ما يبعث لك بالدهشة ويُجبرك للتصفيق وقوفًا لما تجده من شاعرية وعبقرية متناهية ولوسائل التواصل الاجتماعية الفضل على إبرازهم لنا وجعلنا نقف على تجاربهم، أما بالنسبة لنصائحي لهم فأنا أحوج منهم لها وتجربتي الشعرية القاصرة تضعني في خانة من يحتاج للنصح، سأكتفي بالدعاء لي ولهم".
أما بالنسبة لمشاريعه الحالية والمستقبلية: "لا جديد سوى أنني ما زلتُ أحتطب وأجمع حطب القصيدة من غاباتها وأتمنى قريبًا أن تجتمع هذه الحُزَم المتناثرة هنا وهناك حتى يليق بأن يُقال عنها ديوان".


للقصيدةِ
أسوارها فاقتحمها
كأُنثى تمَّنعُ من قُبلةٍ
سوف تشطحُ في بادئ الشِعرِ
كَّرر هجومك
قُدَّ لها طرفاً من قميص
ستأتيك طيَّعةً كالمَلَك
للقصيدةِ محرابها
فانتبذ شُرفةً كي تُهذب ألفاظها
واستعذ حين تكتُبَ في الحُبِ
كُن راهباً لا يمَّل التصوف
وكُن عبدَ قلبك
لاشيء إلاك يسجدُ لك
للقصيدةِ ما لا يُضمُ
فلا تبتئس حين تخطفُ قلبك سيدةً
لا تُجيد العناق
ستركن وحدكَ بين الجدار
وبين الممر
فلا أنتَ أنت ! ولا هيَ لك
في القصيدةِ ما يُشبهُ العربيُ
إذا اختار وجهتهُ في البراري
وفيها من الطعمِ ما لم تكن تشتهي
وفيها من الوقتِ ما أهمل العاشقين
وما أهملك
في القصيدةِ أضعاف ما للمساكين
حين يطوفون هذي الشوارع
يجمعون الغبار
يطرزونهُ فوق أثوابهم
فيأتوك كي يسكبوه عليك
وأنت وقوفاً على منزلك
للقصيدةِ كفان من رقةٍ
وأنت تُداعب صدر الحروف
وتسكب قلبك فيها
فتذوي رويداً رويداً ..
فتنظر ثانيةً .. كي ترى شكلها
في المرايا
ثُم تنظر ثالثةً
لن تجد أحداً يفهمك
لن تجد أحداً يسألك .
........
‏يُعلمنا الصحو أن القصيدة
محفوفةٌ بالمخاطرِ فاختصر مفرداتك
حتى يفيئَ الكلام
يُعلمنا الصمت
كيف نؤطر براوزها بالهدوء
ونتركها كي تنام
‏يُعلمنا البوح أن الأساطير مُحتالةٌ
فانتقم لو أردت السلام
وخذها على هجعةٍ في الظلام
يُعلمنا الشِعر
كيف تحط القصيدة فوق الغمام
.......
‏لقلبي
للهوى القُدسيِ
إنْ مرت وإنْ مرا
وإنْ لم يَفتحِ النجوى
ولكن قلبهُ أدرى
كمَن في كُلِ يومٍ يُتقنُ الأخطاء
لكن لم يَجدِ عُذرا
...........
‏تشوقتُ
حتى ابيْضَ شوقاً فؤاديا
وهل في زحامِ الحُبِ
مَن لي مُناديا
حناياي يا ذا البُعد
ذوَّبن مُهجتي
وشتتنَ ما يخفى
وما كانَ باديا
..........

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد

مواقيت الصلاة