سياحة ثقافية

المنازل التي نزل بها الحسين من مكة حتى كربلاء (2)


10 ـ زبالة: قال الطبري: «حتى إذا انتهى إلى زبالة سقط إليه مقتل أخيه من الرضاعة عبد الله بن يقطر، وكان سرحه إلى مسلم بن عقيل من الطريق وهو لا يدري أنه قد أصيب، فتلقاه خيل الحصين بن نمير بالقادسية فسرح به إلى عبيد الله ابن زياد. فقال: اصعد فوق القصر فالعن الكذاب ابن الكذاب، ثم أنزل حتى أرى فيك رأيي، قال: فصعد، فلما أشرف على الناس قال: أيها الناس، إني رسول الحسين ابن فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم لتنصروه وتوازروه على ابن مرجانة ابن سمية الدعي، فأمر به عبيد الله فألقي من فوق القصر إلى الأرض، فكسرت عظامه، وبقي به رمق، فأتاه رجل يقال له عبد الملك بن عمير اللخمي فذبحه، فلما عيب ذلك عليه قال: إنما أردت أن أريحه.
11 ـ بطن العقبة ، أو عقبة البطن: قال المفيد: «حتى مر ببطن العقبة فنزل عليها فلقيه شيخ من بني عكرمة يقال له عمرو بن لوان فسأله: أين تريد؟ فقال له الحسين عليه السّلام: الكوفة. فقال الشيخ: أنشدك لما انصرفت فوالله ما تقدم إلاّ على الأسنة وحدّ السيوف، وإن هؤلاء الذين بعثوا إليك لو كانوا كفوك مؤونة القتال ووطأوا لك الأشياء فقدمت عليهم كان ذلك رأياً، فأما على هذه الحال التي تذكر فإني لا أرى لك أن تفعل فقال له: يا عبد الله ليس يخفى علي الرأي، وإن الله تعالى لا يغلب على أمره ثم قال: والله لا يدعوني حتى يستخرجوا هذه العلقة من جوفي فإذا فعلوا سلط الله عليهم من يذلهم حتى يكونوا أذل فرق الأمم».
12 ـ شراف 1: «حتى نزل شراف، قال الطبري: فلما كان في السحر أمر فتيانه فاستقوا من الماء فأكثروا، ثم ساروا منها، فرسموا صدر يومهم حتى انتصف النهار، ثم إن رجلا قال: الله أكبر، فقال الحسين: الله أكبر ما كبرت قال: رأيت النخل، فقال له الأسديان: إن هذا المكان ما رأينا به نخلة قط، قالا: فقال لنا الحسين فما تريانه رأى؟ قلنا: نراه رأى هوادي الخيل، فقال: وأنا والله أرى ذلك، فقال الحسين: أما لنا ملجأ نلجأ إليه، نجعله في ظهورنا، ونستقبل القوم من وجه واحد؟ فقلنا له: بلى، هذا ذو حُسُم إلى جنبك، تميل إليه عن يسارك، فإن سبقت القوم إليه فهو كما تريد، قالا: فأخذ إليه ذات اليسار، قالا: وملنا معه فما كان بأسرع من أن طلعت علينا هوادي الخيل، فتبينّاها وعدنا فلما رأونا وقد عدلنا عن الطريق عدلوا إلينا كأن أسنتهم اليعاسيب، وكأن راياتهم أجنحة الطير، قال: فاستبقنا إلى ذي حُسم فسبقناهم إليه».
13 ـ ذو حسم: قال الطبري: «فنزل الحسين، فأمر بأبنيته فضربت، وجاء القوم وهم ألف فارس مع الحر بن يزيد التميمي اليربوعي حتى وقف هو وخيله مقابل الحسين في حرّ الظهيرة والحسين وأصحابه معتمون متقلدو أسيافهم. فقال الحسين لفتيانه: اسقوا القوم وارووهم من الماء ورشفوا الخيل ترشيفاً، فقام فتيانه فرشفوا الخيل ترشيفاً، فقام فتية وسقوا القوم من الماء حتى أرووهم واقبلوا يملأون القصاع والأتوار والطساس من الماء ثم يدنونها من الفرس، فإذا عب فيه ثلاثاً أو أربعاً أو خمساً عزلت عنه وسقوا آخر حتى سقوا الخيل كلها.
قال هشام: حدثني لقيط، عن علي بن الطعان المحاربي: كنت مع الحرّ بن يزيد، فجئت في آخر من جاء من اصحابه، فلما رأى الحسين ما بي وبفرسي من العطش قال: انخ الراوية ـ والراوية عندي السقاء ـ ثم قال: يا ابن أخ، أنخ الجمل فأنخته، فقال: اشرب، فجعلت كلما شربت سال الماء من السقاء، فقال الحسين: اخنث السقاء ـ أي اعطفه ـ قال: فجعلت لا أدري كيف أفعل! قال: فقام الحسين فخنثه، فشربت وسقيت فرسي قال: وكان مجيء الحر بن يزيد ومسيره إلى الحسين من القادسية، وذلك أن عبيد الله بن زياد لما بلغه إقبال الحسين بعث الحصين بن نمير التميمي ـ وكان على شُرطه ـ فأمره أن ينزل القادسية، وأن يضع المسالح فينظم ما بين القطقطانة إلى خفان، وقدم الحر بن يزيد بين يديه في هذه الألف من القادسية فيستقبل حسيناً.

14 ـ البيضة: قال الطبري: «قال أبو مخنف: عن عقبة بن أبي العيزار أن الحسين خطب أصحابه وأصحاب الحر بالبيضة، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس إن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قال: من رأى سلطاناً جائراً مستحلا لحرم الله ناكثاً لعهد الله مخالفاً لسنة رسول الله يعمل في عباد الله بالأثم والعدوان، فلم يغير عليه بفعل ولا قول، كان حقاً على الله أن يدخله مدخله، ألا وان هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان، وتركوا طاعة الرحمان، وأظهروا الفساد، وعطلوا الحدود، واستأثروا بالفيء وأحلوا حرام الله وحرموا حلاله، وأنا أحق من غيري، قد اتتني كتبكم، وقدمت علي رسلكم ببيعتكم أنكم لا تسلموني ولا تخذلوني، فإن تممتم على بيعتكم تصيبوا رشدكم، فأنا الحسين بن علي وابن فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، نفسي مع أنفسكم، وأهلي مع أهليكم، فلكم في اسوة. وان لم تفعلوا ونقضتم عهدكم وخلعتم بيعتي من أعناقكم، فلعمري ما هي لكم بنكر، لقد فعلتموها بأبي وأخي وابن عمي مسلم، والمغرور من اغتر بكم، فحظكم أخطأتم، ونصيبكم ضيعتم، ومن نكث فانما ينكث على نفسه، وسيغني الله عنكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته».
15 ـ عذيب الهجانات 3: قال الطبري: «حتى انتهوا إلى عذيب الهجانات وكان بها هجائن النعمان ترعى هنالك، فاذاهم بأربعة نفر قد أقبلوا من الكوفة على رواحلهم، يجنبون فرساً لنافع بن هلال يقال له الكامل، ومعهم دليلهم الطرماح بن عدي على فرسه. وهو يقول:
يا ناقتي لا تذعري من زجري * وشمري قبل طلوع الفجر
بخير رُكبان وخير سفر * حتى تحلى بكريم النجر
الماجد الحر رحيب الصدر *** أتى به الله لخير أمر
ثمّت ابقاه بقاء الدهر
قال: فلما انتهوا إلى الحسين أنشدوه هذه الأبيات، فقال: أما والله اني لأرجو أن يكون خيراً ما أراد الله بنا، قتلنا أم ظفرنا، قال: وأقبل إليهم الحر بن يزيد فقال: إن هؤلاء النفر الذين من أهل الكوفة ليسوا ممن أقبل معك. وأنا حابسهم أو رادّهم، فقال: له الحسين: لأمنعنهم مما أمنع منه نفسي، إنما هؤلاء أنصاري وأعواني، وقد كنت أعطيتني ألا تعرض لي بشيء حتى يأتيك كتاب من ابن زياد، فقال: أجل لكن لم يأتوا معك، قال: هم أصحابي وهم بمنزلة من جاء معي، فإن تممت على ما كان بيني وبينك وإلا ناجزتك قال: فكف عنهم الحر، قال: ثم قال لهم الحسين: أخبروني خبر الناس وراءكم، فقال له مجمع بن عبدالله العائذي، وهو أحد النفر الأربعة الذين جاؤوه: أما أشراف الناس فقد أعظمت رشوتهم وملئت غرائرهم، يستمال ودهم ويستخلص به نصيحتهم، فهم ألب واحدٌ عليك، وأما سائر الناس بعد، فإن أفئدتهم تهوي إليك، وسيوفهم غداً مشهورة عليك، قال: أخبروني، هل لكم علم برسولي إليكم، قالوا: من هو؟ قال: قيس بن مسهر الصيداوي، فقالوا: نعم، أخذه الحصين بن نمير فبعث به إلى ابن زياد فأمره ابن زياد أن يلعنك ويلعن أباك، فصلى عليك وعلى أبيك ولعن ابن زياد وأباه ودعا إلى نصرتك وأخبرهم بقدومك، فأمر به ابن زياد فألقي من طمار القصر. فترقرقت عينا حُسين ولم يملك دمعه، ثم قال: (فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً) اللهم اجعل لنا ولهم الجنة نزلا، واجمع بيننا وبينهم في مستقر من رحمتك ورغائب مذخور ثوابك.

ــــــــــــــــــــــ
1 شراف بفتح أوله، وآخره فاء وثانيه مخفف، من شراف الى واقصة ميلان معجم البلدان ج3 ص331 ومراصد الاطلاع ج2 ص788 وقد مرّ سلام الله عليه في طريقه إلى شراف بالواقصة والقرعاء والمغيثة.
2  البيضة بالكسر: ما بين واقصة إلى العذيب. (مراصد الاطلاع ج1 ص244).
3  عذيب الهجانات: تصغير العذب وهو الماء الطيب... بينه وبين القادسية أربعة اميال، من منازل حاج الكوفة. (معجم البلدان ج4 ص92).

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد

مواقيت الصلاة