قراءة في كتاب

تاريخ النّياحة على الإمام الحسين (ع)

 

ربى حسين .. 

وما قضيّة سبط النّبي الطّاهر الحسين بن علي عليه السّلام، إلّا قيام الحق في وجه الباطل، ودعوة لتحقيق العدل مكان الظّلم، ليبقى النّداء تطبيق الإسلام الصّحيح عوضًا عن جاهليّة الجهلاء، واستقرار الحكومة الإلهيّة التي نادى بها الرّسول الأكرم (ص) بدلًا من الحكومة الطّائشة المتحكمة على رقاب المسلمين، وإزالة للبدع المحدّثة باسم الإسلام... وبالأخير الإصلاح في أمّة جدّه محمد (ص).
هكذا قدّم  لكتاب "تاريخ النّياحة" للأستاذ المرحوم السّيد صالح الشهرستاني، الّذي استعرض تاريخ ذكرى استشهاد سيد الأباة بأسلوب جامع لأطراف الموضوع المستخرج من مختلف المصادر القديمة والحديثة. وقد أجاد الشّيخ نبيل علوان في إعادة طبعه محقّقًا، وإحيائه بعد أن كان منسيًّا في زوايا الخمول.


النّبي وآله أوّل من بكوا الحسين

اتّفقت كتب الحديث والرّواية سواء كانت من مؤلّفات الشّيعة أو من مصنّفات إخواننا السّنة على أنّ جبرائيل قد أوحى إلى النّبي (ص) بنبأ مقتل الإمام الشّهيد الحسين (ع) ومكان اسشهاده.
وكان الإمام أبو الشّهداء، علي بن أبي طالب (ع) قد بكى ابنه سيّد الشّهداء الحسين (ع)، وقد جاء في الصّفحة "65" من كتاب "إقناع اللّائم" للعلّامة الأمين ما نصّه: روى الصدوق في الأمالي بسنده عن ابن عباس قال: "كنت مع أمير المؤمنين علي في خروجه إلى صفين، فلما نزل نينوى، وهي بشط الفرات، قال بأعلى صوته: يا ابن عباس أتعرف هذا الموضع؟ قلت له: ما أعرفه يا أمير المؤمنين، فقال: لو عرفته كمعرفتي لم تكن تجوزه حتى تبكي كبكائي، قال: فبكى كثيراً حتى اخضلت لحيته وسالت الدموع على صدره، وبكينا معه وهو يقول: آه آه، مالي ولآل أبي سفيان، صبراً يا أبا عبد الله، فقد لقى أبوك مثل الذي تلقى منهم". 
قال العلّامة السيد الأمين العاملي: "قالت سكينة: فلما كان اليوم الرابع من مقامنا رأيت في المنام وذكرت منامًا طويلا تقول في آخره: ورأيت امرأة راكبة في هودج ويدها موضوعة على رأسها، فسألت عنها فقيل لي: هذه فاطمة بنت محمد أم أبيك... فوقفت بين يديها أبكي وأقول: يا أمتاه جحدوا والله حقنا، يا أمتاه بددوا والله شملنا، يا أمتاه استباحوا والله حريمنا، يا أمتاه قتلوا والله الحسين أبانا، فقالت لي: كفي صوتك يا سكينة، فقد قطعت نياط قلبي هذا قميص أبيك الحسين عليه السلام لا يفارقني حتى ألقى الله".
كما أنّ الرّوايات تؤكّد حتّى أن الإمام الحسين(ع) نعى نفسه وبكى آله بعد أن تنبّأ بمقتله في يوم 9 محرّم سنة 61 هجري.


النّياحة بعد دفن أجساد الشّهداء

وتحت هذا الفصل أشار الكاتب إلى أنّ بني أسد هم أوّل من قدموا إلى كربلاء، بعد أن رحل ابن سعد فصلّوا على الجثث الطّاهرة ودفنوها. وفي حديث لرواية روتها كتب المقتل: "إنّ نياحة الّذين قاموا بدفن أجساد الشّهداء كانت عظيمة حين الدّفن وبعده".
كما لفت الكاتب إلى أنّ أهل الكوفة بكوا على الحسين وأهله فكان ردّ الإمام زين العابدين "أتنوحون وتبكون من أجلنا، فمن الّذي قتلنا"؟
وقد كان في مقدّمة هؤلاء الشّيعة الّذين رثوا وناحو على الإمام (ع) عبيد اللّه بن الحر الجعفي. كما أنّ هنالك رواية تقول: إنّ سلمان بن قتّة كان أوّل من زار هذه القبور وناح عليها.


موقف الأموييّين من النّياحة على الحسين(ع)
يؤكّد الكاتب تحت هذا العنوان أنّ الملوك الأموييّن بذلوا جهدهم لعزل ذكر الحسين عن ذهنيّة المسلمين، وذلك بفصل النّاس عن زيارة قبره الطّاهر ومنعهم عن إقامة العزاء والنّوح عليه، وأحاطوا البقعة الّتي ضمّت جثمان الشّهيد (ع) في كربلاء بحراسة شديدة.
إلّا أن هذا القمع لم يدم، وما دخلت سنة 65 هجريّة حتّى تفاقمت حركة التّوابين في الكوفة فأخذوا يطالبون بدم الحسين (ع)، وينادون بنداء "يا لثارات الحسين" وصاروا يشترون السّلاح طالبين التّوبة. وعندما بلغ هؤلاء في بعض انطلاقاتهم قبر الحسين (ع)  صاحوا صيحة واحدة بالعويل والبكاء، وأقاموا عنده يومًا وليلة يبكون ويتضرّعون، قائلين: "اللّهم إنا نشهدك أننا على دينهم وسبيلهم وأعداء قاتليهم وأولياء محبّيهم".


بكاء الأئمّة على الحسين(ع) 

وضمن هذا الفصل من الكتاب ذكر الكاتب أنّ عددًا من الرّوايات ذكرت بكاء وحزن الإمام الرابع علي بن الحسين زين العابدين وسيد الساجدين(ع) مدة أربعين سنة عاشها بعد استشهاد والده المظلوم، وبكاء الإمام الصادق (ع) لمصيبة جده الشهيد واستنشاده الشعر في رثائه. وكذا الإمام الكاظم (ع) الذي كان لا يرى ضاحكاً إذا أقبل شهر محرم الحرام، وكان يرى كئيباً حزيناً في العشرة أيام الأولى من هذا الشهر. وهكذا الإمام الرضا (ع) وغيرهم من الأئمة.


تأثير النّياحة على الأقطار العالميّة

وفي الفصل الأخير من الكتاب لفت الكاتب إلى أنّ  جاذبية الحسين (ع) وصحبه، امتدّت من حضرة الحائر إلى تخوم الهند وأعماق العجم، وما وراء الترك والديلم وإلى أقصى من مصر والجزيرة والمغرب الأقصى يرددون ذكرى فاجعته بمر الساعات والأيام، ويقيمون مأتمه في رثائه ومواكب عزائه، ويجدون في إحياء قضيته في عامة الأنام، ويمثلون واقعته في مر الأعوام.
وكلما توسع المذهب الشيعي في العراق أو سائر البلدان العربية والإسلامية، وخفت وطأة السلطات المعادية له، كلّما اشتد الموالون لآل الرسول (ص) بإقامة ذلك العزاء وتلك النياحة، تحت اسم الرثاء أو النياحة خاصة في مشاهد الأئمة الأطهار (ع). وكما أثبت التاريخ أن جذور هذه النياحات والمآتم كانت في العراق ثم اتسع نطاقها وامتدت إلى الشعوب والأمم الأخرى، كمصر على عهد الفاطميين، وإيران على عهد الصفويين، وسوريا والموصل ولبنان على عهد الحمدانيين، والمغرب الأفريقي على عهد العلويين والإدريسيين، والهند على عهد كثير من راجات الشيعة وملوكهم.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد

مواقيت الصلاة