لقاءات

ميثم السلطان: أسلط الضوء على نقاط أجدها مهمة لنكون أكثر وعيًا بالحسين

 

نسرين نجم .. 

رسومات بسيطة وساخرة موضوعة بطريقة فنية تختزل أوجاع وأفراح وآلالام وأمال الناس فيها مزجٌ بين الخيال والواقع، تُظهر عيوب المجتمع بأسلوب نقدي ممتع. فنٌّ من أهم فروع الفنون التشكيلية ويعتبر بأنه لغة عالمية، إنه الفن الكاريكاتوري، هذا الفن الذي خاض غماره وبمهارة وابتكار الأستاذ ميثم السلطان، فأبدع بوضع الإصبع على الجرح بمرونة، وهو ليس بأمر سهل بل يتطلب الذكاء والموهبة، لذا كان لنا هذا الحوار معه:


* كل فن قادر على خدمة قضية عاشوراء:

بدأ ميثم السلطان مشواره في الفن الكاريكاتوري انطلاقًا من تأثره بالرسومات التي كان يرسمها شقيقه: "الرسم بدأ عندي منذ الصغر، حيث كنت متأثرًا  بأحد أخوتي الكبار وكنت أشاهده يرسم، ما جعلني أميل لهذا الفن منذ عمر صغير فمارسته كهواية ولم أركز عليه بشكل قوي حتى أنه لم يتلقفني أحد (باستثناء تفضيل أساتذة الرسم لي ومحاولتهم مشاركتي في بعض الأنشطة في فترة الأبتدائي)، حين كبرت في السن بدأت أبحث عن هوايات جديدة، وبدأت الهوايات تتزاحم فتراجع الرسم لدي على حساب هوايات أخرى (الخواطر، القصة القصيرة، الشعر،التصميم) وبقي الرسم في مرحلة الظل ما أثر كثيرًا على ممارستي له، حتى أدركت أهمية اختياري لهواية واحدة بين الهوايات أتخصص بها وأبدع فيها وكان اختياري للكاريكاتير. حيث بدأت رحلتي مع الكاريكاتير مبكرًا لاهتمامي به وحبي له لكني خضته على فترات متقطعة بسبب عدم وجود رسامي كاريكاتير في المجتمع وامتلاء الساحة بباقي الفنون من تصميم وشعر وقصة.. فأردت أن أملأ هذا الفراغ  وبدأت الرحلة في هذا الفن  بشكل يومي  لمدة تقارب ال٤ سنوات وصولًا إلى يومنا هذا . وهو ما جعلني أطور أدواتي وأفكاري فيه وأفهمه بشكل أفضل."


بعد أن عرّفنا على انطلاقته في هذا الفن الزاخر بالرسائل المبطنة، انتقلنا للحديث عن كيفية استثمار الكاريكاتور في خدمة الثقافة الحسينية فقال: "بداية عظم الله أجوركم جميعًا بذكرى استشهاد أبي عبدالله الحسين عليه السلام، باعتقادي كل الفنون قادرة على خدمة هذه القضية الخالدة كلّ فن في مجاله وبما يتناسب مع أدواته، فن الكاريكاتير هو فن نقد ساخر يسخر من ما يراه الفنان من ظواهر وتصرفات ويضخمها، لذلك كان هناك تخوف في البداية من درجة تقبل الناس له في الشأن الديني وهو شأن حساس، والشأن الحسيني هو أكثر حساسية، أستخدم  فن الكاريكاتير كأداة في معالجة بعض الظواهر الخاطئة أو التصرفات غير الصحيحة، وتسليط الضوء على نقاط أجدها مهمة لكي نكون أكثر وعيًا بالحسين وأكثر التفاتًا له ولنهضته المباركة. وما زلت أعاني من حساسية البعض مع ما يطرحه فن الكاريكاتير لأنه يركز على الأمور السلبية كونه فنًّا نقديًّا."
لدى الأستاذ ميثم السلطان اهتمام بتثقيف وتوعية المجتمع دينيًّا وثقافيًّا وانطلاقًا من فنه سألناه، إلى أي حد هناك مسؤولية تحتاج إلى خلفية ثقافية عالية بخاصة إذا كنا نتحدث عن عاشوراء وبعيدًا عن المبالغات والمزايدات؟ فأجاب: "بالطبع هناك من سوف يزايد عليك في حبه للحسين ورفضه ما تطرح باعتباره يمسه بشكل أو بأخر، لذلك يحتاج الفنان إلى أن يمتلك ثقافة رسالية تدرك هدف الرسالة المطروح ومداها بحيث لا تكون مجرد اعتباط. وتوفيقات أبي عبدالله كثيرة علينا في طرح المناسب وما يلامس الناس، والممارسة المستمرة للفن تجعل من الفنان قادرًا على هضم الكاريكاتير كــ"فن" واستخدامه بشكل رسالي وهادف وإن كان بملامسة الجانب السلبي."


*شؤون وشجون الكاريكاتور في العالم العربي:

رغم أهمية هذا الفن إلا أنه وكما هو ملاحظ لم يأخذ حقه بالطريقة الصحيحة في عالمنا العربي، عن هذه النقطة يتحدث أستاذ ميثم فيقول: "فن الكاريكاتير فن حديث على مستوى العالم لم يتجاوز عمره 300 سنة تقريبًا وحديث جدًا  في العالم العربي، حيث لا يتجاوز عمره ال٦٠ عامًا وهذا سبب كاف لعدم فهم الكاريكاتير بشكل حقيقي وصحيح حيث يتم الاعتراض على كثير من الأفكار والرسومات، وفهمها بصورة غير تلك التي بنيت عليها أو تهدف إليها، وأعتقد أن هذا جزء من عمل الفنان: "التوعية" وجعل الجمهور يستوعب ويهضم الفن بعيدًا عن أي التباس أو غموض، وجزء كبير من هذا تحمل ردات فعل الجمهور وهجومهم ونقدهم الحاد".  ومثل هكذا عمل يتطلب توفر دقة الملاحظة عند الرسام الكاريكاتوري وهذا ما يؤكد عيله الفنان ميثم السلطان بقوله: "توفر دقة الملاحظة مهمة جدًا، لأنها توفر له مادة خام لفكرة ورسمة جديدة والقيام بالمقارنات والتضخيم كما أنها تمنحه القدرة على تحويل مواقف عادية لرسمة كاريكاتيرة مضحكة."

فهل اللجوء إلى الرسم الكاريكاتوري هو هروب من المواجهة الحقيقية؟ يجيب: "لا أعتقد ذلك على العكس، النقد هو أكثر سلاح نواجه به الحقيقة، ويُعرف بأن النقد الساخر أكثر أنواع النقد قوة وتأثيرًا وشعبية، والكاريكاتير عبارة عن فن ساخر. فالفنون بشكل عام أشكال مختلفة لمواجهة حقيقة واحدة". وحول ما إذا كان يسعى إلى صناعة شخصية كاريكاتورية ثابتة لها هذا الحضور القوي كشخصية حنظلة؟ يقول: "أعتقد بأن هذا شيء يحصل كنتيجة لأي فنان مع الممارسة ونضوج أفكاره وخاماته، معظم الفنانين تكونت لهم شخصيات ثابتة فيما بعد ولم يبدأوا بها. وهي هدف أي فنان أن تخلد له شخصية تبقى حية بعد أن يموت فتكون أمتدادًا له ولعمله."
بالنسبة إلى أكثر المواضيع التي تجذبه، وما هي الشروط التي يجب أن تتوفر فيها لتتم معالجتها؟ يرى بأن: "المواضيع الساخنة وذات الخلاف الشديد تكون مادة جيدة  للتناول والطرح، وذلك لوجود وجهات نظر مختلفة ولا وجود لشروط محددة في أي مادة لتناولها ومعالجتها فباب الكاريكاتير مفتوح لأي شيء."


ولمن يرغب بأن يكون رسامًا كاريكاتوريًّا سيما عند الناشئة هناك بعض النصائح التي ذكرها ليكون ناجحًا وهي: 
" أولًا: عليه بالمتابعة أي متابعة أكثر من فنان مع التوجيه والإرشاد.
ثانيًا: الممارسة لتطويع قدرته على الرسم  وتشكيل الأفكار، لذا عليه بالممارسة اليومية على أقل تقدير.
ثالثًا: التقليد حيث يبدأ مشواره بتقليد فنان موجود في الساحة حتى يقوى عوده ويصبح له طابع فني خاص به.
وفن الكاريكاتير ينقسم لفكرة ورسمة، فلو كانت لديه أفكار يمكنه نقلها إلى فنان ليرسمها ولو كانت لديه موهبة بلا أفكار فعليه أن يستعين بشخص ذي أفكار تصلح للكاريكاتير."
وعن أهم الصعوبات التي تواجهه في عالم الفن الكاريكاتيري يقول: "عدم تفرغي لهذا الفن ووجود أنشطة تزاحمه، بدءًا من عملي البعيد عن المجال وإرتباطات العائلة والمشاغل الاجتماعية والتطوعية، إضافة إلى عدم وجود معاهد وأماكن تدرس هذا الفن بحيث يسمح للشخص بتطوير وصقل أدواته، وهناك أيضًا رد فعل الناس السلبي الحاد منه في أحيان يجعلك تشعر بأثر نفسي مزعج، كذلك وجود خطوط حمراء تمنع الفنان من ممارسة حريته في طرح المواضيع بلا حدود".
في الختام تحدث عن أنشطته الحالية والمستقبلية: "حاليًّا أنا مشغول بنشاط تطوعي يهتم بتحفيز عملية القراءة  في المجتمع، وأحاول الرسم بشكل يومي ومشاهدة الرساميين الآخرين، كذلك  لدي خطة عمل لكتاب يتناول رسم الكاريكاتير من منظور خاص وإصدار نشرة أسبوعية تُعنى بهذا الفن الجميل".

مواقيت الصلاة