لقاءات

سيد حسن الساري: الفن يعيش في صراع وتصادم


ربى حسين ..

دخل الفن التّشكيلي من بابه الأوسع، وحصد العديد من الجوائز في فترات مبكرة؛ ما عنى له كثيراً، وحمّله الاهتمام الجاد للتطلع نحو الارتقاء، في ظل تسارع الحركة التشكيلية العالمية وتسابقها. وكذلك الدوران في نطاق يعيد نفسه أو يقارب بكثير استعادة المواد المطروحة سابقًا التي تناولها الغرب أولًا ثم انتقلت إلى الشرق.
المدرب سيد حسن الساري، فنان تشكيلي وخطاط بحريني تجاوزت مسيرته الخمسة عشر عامًا سائرًا في دروب الفن التّشكيلي والخط العربي. شغل منصب رئيس نادي الفنون الجميلة بجامعة البحرين سنة 2006، وكان مدير العلاقات العامة ومنظم المعارض بجمعية البحرين للفن المعاصر بين العامين 2007 و2013.


 كان السّاري شغوفاً برسم الطبيعة، وهو يعتبر أنّ لغته الفنية مزيج من وعيه للفنّ الغربي والفن البحريني الأصيل، اللّذين صاغ منهما أسلوباً خاصاً. يقع محترفه في الدور الثاني من عمارة "مركز صاحبات الأعمال والمهن" في قرية الجسرة في مملكة البحرين، ولا تزيد مساحته على خمسة وثلاثين متراً مربعاً، يضاف إليه مخزن يحتوي على عشرات اللوحات.


 _ تعتبر العوامل المؤدية لتوجه الفنان هي التأثيرات المحيطة به بشكل رئيس، وعليه يتوجه الفنّانون لرسم البيئة والبدء بها كطريق نحو المدارس الأخرى.
 وعن تجربة السّاري بين التّقليد والانفتاح حدّثنا قائلًا: "الفنان أكثر شيء يتعامل به هو الإحساس الذي يكون الصورة الطاغية للفنان عندما يتعامل مع اللوحة". ممكن أن يكون التقليد أقرب إلى الدراسة  وليس التقليد المتعارف الذي يرتبط  بالسلبية أو بشيء غير جيد. فهناك تقليد نقل الشيء من شيء جاهز من أجل الدراسة والتطوير.


_ يعتبر التأثر والتّأثير ميزة لخليفة اللّه في أرضه. وقد استطاع ضيفنا الكريم استثمار هذه المسألة في توسيع باكورة إبداعاته الفنيّة:
أحيانا يكون الشخص هو المدرس لنفسه، تتكون خبرته من خلال الممارسة والمطالعة أو اقتباس من تجارب الآخرين لنطورها ونعدّل عليها. وهذا يحتاج ممارسة واستمرارية. وإذا كانت الأعمال بالنسبة للفنان أعمالًا محدودة فهنا صعب أن يقلد أو يبتكر، ولن يوجد هذا إلا بالاستمرار. عندها يجب أن يعمل بشكل شبه يومي على الأقل ليتطور. ولتتكون عنده هذه الصورة بالتأثر من خلال النقل أو تقليد أعمال الآخرين. وهذا التأثر مع مرور السنوات سيمزج مع شعور الشخص وستتكون شخصيته من خلال هذه الممارسة على مدى السنوات وعلى مدى الممارسة المستمرة.


ويقول الساري: "والفنانون يتأثرون بالشيء الذي فيه مشاعر". وهذه لوحة الفنان غويا لوحة "إعدام الثوار" مرتبطة بالثّورة وقد أرّخت برسمة، وهكذا كل سنة فالفن العاشورائي يتجدّد ويؤرخ له جانب روحي إيماني، والأعمال المقدّمة ضمن هذا الإطار دخلت عليها حداثة وتغيير في الطّرح لإرسال الرّساله للمتلقي بشكل جديد.


 _ في رسوماته خصوصيّة وحداثة مبتكرة قلّ ما نراها في الوسط الخليجي، فماذا عن  إدخال عناصر إلى اللوحات المختلفة؟
الممارس للفن كلما يعمل سيتولد عنده الشغف وسيظل مستمرًّا في التطوير والتحديث لإيجاد سمة خاصة به تميزه. فممكن أن يمر بمرحلة يتأثر فتنطبع شخصيته بطابع معين، يتوسع بحيث أنه يضيف للفن. "طبعا، استخدمنا خامات متعددة لإضفاء خصوصية في الأعمال الفنية التي عملنا عليها مثل الطباعة، الحرف العربي، المكس ميديا، وبعض الأشكال الهندسية فخرجنا عن المألوف التي هي مجرد حركة الفرشاة  لإيجاد عناصر مساعدة في اللوحة تكون بديلة عن اللون كالكولاج والأقمشة وغيرها من الألوان التي يمكن أن نستخدمها في الأعمال الفنية".


_ وعن المدرسة الفنيّة الّتي تنتمي إليها أعماله:
 "لا نقدر أن نشير إلى أنها سوف تنسب إلى مدرسة معينة باعتبار أن المدارس في السنوات الأخيرة قد تداخلت بحيث أن الثيمة الموجودة في مدرسة معينة ما عادت خاصة بهذه المدرسة أو هذا التوجه، بل غدت توجهات متشعبة. ومن الممكن مزج ثلاث أو أربع مدارس بأسلوب واحد فيطلع الفنان بصورة مغايرة لعمله.


_ الفن مرآه تعكس ما في شخصيّة الفنان وما في داخله
كل إنسان في داخله طفل  يشاغبه سواء كان هذا الطفل في سن مبكر أو متأخر. فأي شخص سوف يمر بالعناصر الموجودة بتفاعل الحياة وسوف يتلمسها ويجربها. فمراحل الاكتشاف هذه تولد تكوين شخصيته وتوجهاته. فبعض الأشخاص يكون توجههم بالتجارة أو في لعب الكرة  أو بأمور فنية متعددة أخرى. فهذا يتكون من خلال شخصية الطفل في المراحل الأولى. ويضيف: "من الصعب أن يكون هناك تحديد مباشر للمرحلة الزمنية التي يكتشف فيها الشخص نفسه. فالموجود تنقلات طارئة في المجال الفني في مرحلة معينة أو فترة زمنية يكون هناك تنقلات ففي مرحلة العاشرة والثالثة عشرة وقبل دخول المدرسة يكون هناك نقلة غير واضحة ويكون هناك تجارب في المراحل المدرسيّة المختلفة.


_ الخط العربي غزا الكثير من اللّوحات الفنيّة في الآونة الأخيرة نظرًا لخلفيّته الثقافية والرّمزيّة، وطواعيّته في أنماط رسمه المختلفة.
وقد اعتبر السّيد حسن ساري أنّ الخط العربي يرتبط  بالثيمة الإسلامية والفن الإسلامي بشكل مباشر. وهو يمارس بوجهه الكلاسيكي في تركيا بخاصة المنبع الرّئيسي لهذا الاهتمام. وقد قام الخطّاطون بقولبته لتطويعه بأشكال هندسيّة مختلفة، والانطلاق منها للمدارس الحديثة. وقد حافظ هذا الخط على استعماله لا سيما في لافتات عاشوراء في شهر محرم في البحرين. وكما أشار إلى أنه في ملتقى الخط العربي في البحرين يتبرّعون كل سنه لكتابة هذه اللافتات في القرى المختلفة، فتبرز بها القوة والرّصانه لهذا الخط ويبرز الحرف العربي بطريقة جديدة.


وفي النّهاية كانت للضيف الكريم كلمة عن الواقع الفني الرّاهن: "الفن اليوم يعيش في صراع وتصادم، وتوجهات جديدة، هو أقرب ما يكون إلى مخاض. هذه العبثيّة الموجودة بشكل كبير، ونقل الصّورة من الفنون الغربيّة إلى وطننا العربي بهذه العشوائيّة هي غير مدروسة. بعض من يتعاملون بهذا الفن هم هواة، يأخذون الشيء من آخره في ظل تداخل الفنون مع بعضها كالفنون التركيبيّة. هذه السّاحة بحاجة إلى دراية وثقافة أوسع قبل الخوض بهذا المجال. والموجود اليوم هو تخبّط كبير بدأ منذ عشر سنوات وازداد أكثر في السّنوات الثلاث الأخيرة من قبل من ليس لهم علاقة بالفن لا من قريب ولا من بعيد.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد

مواقيت الصلاة