من التاريخ

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ محمد صنقور
عن الكاتب :
عالم دين بحراني ورئيس مركز الهدى للدراسات الإسلامية

بحيرا الراهب ولقاؤه بالنبي (ص)

 

الشيخ محمد صنقور .. 

بحيرا الراهب يُوصف بأنَّه كان من علماء النصارى وكان موجوداً في الفترة التي سبقت المبعث النبوي بما يقرب من ثلاثين سنة، وكان منقطعاً في صومعةٍ له في منطقةٍ يُقال لها "بصرى" من أرض الشام، وقد وصفه ابنُ عساكر في تاريخ دمشق انَّه أعلم أهل النصرانية(1) في زمانه، وذكر ابنُ سعد في الطبقات الكبرى اأَّه "كان راهباً وكان من علماء النصارى ويكونون في تلك الصومعة التي في بصرى يتوارثونها عن كتابٍ يدرسونه"(2) ولعلَّ مراده أنَّ الاختصاص بتلك الصومعة لا يستحقه إلا مَن أتقن ذلك الكتاب، وقد أفاد ابنُ عساكر في تاريخ مدينة دمشق ما يظهر منه هذا المعنى، وأفاد انَّ هذا الكتاب يتوارثونه كابراً عن كابر(3).
ولم نجد -فيما وقفنا عليه من كتب التأريخ والسيرة النبوية- تفصيلاً لترجمة بحيرا الراهب، وكلُّ ما تذكره كتبُ التاريخ والسيرة وكذلك الروايات الواردة عن أهل البيت (ع) عن هذا الرجل أنه الْتقى بالنبيِّ محمدٍ (ص) في صباه قبل المبعث بثمانية وعشرين سنة بناءً على أنَّه بُعث وهو ابن أربعين سنة وأنَّه التقاه وعمره الشريف اثنتا عشرة سنة أو أنَّه (ص) التقاه قبل المبعث بإحدى وثلاثين سنة بناءً على ما قيل من أنَّ اللقاء كان وعمره الشريف تسع سنوات، وكان لقاءً عابراً حيث كان في سفرٍ مع عمِّه أبي طالب للتجارة إلى الشام. وكانت قريش تنزلُ قريباً من صومعة ذلك الراهب، فاتَّفق لهذا الراهب أنْ رأى النبيَّ (ص) ورأى فيه بعض أماراتِ النبوَّة فأخبر بذلك عمَّه أبا طالب وحذَّره من اليهود ومن قريش، وأخبره بأنَّ لهذا الصبيِّ شأناً عظيماً.
وقد أوردت كتبُ الأحاديث من طرق العامة رواياتٍ عديدة في تفاصيل ذلك اللقاء إلا أنَّ أكثرها غير ثابت بل إنَّ بعضها غير قابل للتصديق مثل أنَّ أبا طالب (ع) أرسل النبيَّ (ص) بعد تحذير الراهب مع أبي بكر وبلال والحال أنَّهما كانا أصغر سناً منه، فمن غير المعقول أنْ يُجازف أبو طالب بإرساله معهما في تلك الفلاة الشاسعة المليئة بالأخطار وهو إنَّما أراد إرجاعه إلى مكة بحسب هذه النقولات خشيةً على حياته بعد تحذير الراهب بحيرا، فكيف يُرسلُه مع مَن هو أصغر منه سناً لحمايته!
نعم المقدار الذي يُمكن قبوله أنَّ بحيرا الراهب صادف أنْ رأي النبيَّ (ص) في قافلة قريش وهم في طريقهم إلى الشام فرأى منه بعض أمارات النبوَّة مثل اسمه واسم أبيه، وسأل عن بعض أحواله فتبيَّن له أنَّ ذلك مطابقٌ للوصف الذي وصفت به كتبهم النبيَّ الذي يُبعث في آخر الزمان، كما أنَّه التفت إلى الغمامة التي كانت تُظلِّلُ النبيَّ (ص) أينما ذهب، ورآه نائماً عند شجرةٍ كثيرةِ الهوام دون أن يمسَّه منها أذى كما في بعض الروايات، ولعلَّ ذلك هو ما دفعه إلى أنْ يطلب من أبي طالب أنْ يكشف له عن ظهر النبيِّ (ص) فوجد بين كتفيه خاتمَ النبوَّة.
ثم إنَّ أمرَ هذا الراهب قد انتهى عند هذا الحد، فلم يثبت أنَّه التقى بالنبيِّ (ص) مرةً أخرى كما أنَّه لم يثبت أنَّه بقي على قيد الحياة إلى حين المبعث النبوي، على أنَّ سفرات النبيِّ (ص) إلى الشام قبل البعثة لم تتجاوز المرَّتين، الأولى كانت مع عمِّه أبي طالب، وفيها اتفق لقاؤه ببحيرا الراهب، وكان عمره اثنتي عشرة سنة، وفي بعض النقولات إنَّ عمره لم يتجاوز التاسعة، وأما السفر الثاني فكان حين خرج بأموال خديجة مضارباً بها.
وأما ما قيل إنَّه خرج مع أبي بكر وعمره الشريف عشرون سنة فأمرٌ لم يثبت عندنا كما أنَّه غير ثابتٍ عند المحققين من علماء السنَّة أيضاً.

____________________________________
1- تاريخ مدينة دمشق -ابن عساكر- ج 3 ص 10.
2- الطبقات الكبرى -محمد بن سعد- ج 1 ص 153.
3- تاريخ مدينة دمشق -ابن عساكر- ج 3 ص 10.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد

مواقيت الصلاة