لقاءات

د. هود العمراني: الإقبال العالمي على دراسة اللغة العربية من غير المتحدثين بها رهيب


نسرين نجم ..

الحديث عن اللغة العربية له نكهة خاصة مليئة بالجمالية والمرونة فكيف إذا كانت مع مهتم باللغة وعاشق لها ومصمم لصور ورسومات تقرّب الآخر من لغتنا العربية وقواعدها وتعززها عند الناطقين بها رغم اختصاصه البعيد عن مجال اللغة العربية، إنه الدكتور هود العمراني طبيب جراحة الفم والأسنان من جامعة لوبلن الطبية - بولندا، والمشرف المؤسس لحساب اليوم العالمي للغة العربية على تويتر، وهو من المشاركين الأساسيين وعلى مدى 4 سنوات متتالية بإلقاء ورقة عمل في مقر منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة - اليونسكو في باريس بمناسبة اليوم العالمي للغة العربية، وكان لنا معه هذا الحوار:


* لغتنا العربية تعيش مرحلة صعود وإقبال على تعلمها:
من عالم الطب إلى عالم النحو واللغة والقواعد جمع بين عالمين متباعدين إلى حدٍّ ما لكن برأي الدكتور هود العمراني: "تبقى اللغة العربية لغتي الأم وولعي بها كان في صباي مع محاولة تعلمي النطق الصحيح للقرآن الكريم. ومنها بدأ حبي في البحث عن الأسماء حتى اشتريت كتابين لمعاني الأسماء العربية. كانت مرحلة الصبا فيها من الشاعرية التي حاولت كتابة الشعر والخواطر لذلك أحببتُ قراءة الشعر وبالذات الجاهلي وديوان الشاعر الكبير: جاسم الصحيح "ظلي خليفتي عليكم". إلى أن امتد الاهتمام لقراءة الدراسات المختصة بعلم اللغة، طبعًا مع المحافظة على تخصصي الأساس كطبيب أسنان الذي جعلني أمارس اللغة العربية لأتمكن من التواصل مع المرضى والإجابة على الأسئلة". وعندما سألناه عن حال اللغة العربية في أيامنا هذه؟ أجاب: "لغتنا العربية تعيش مرحلة صعود وإقبال على تعلّمها. فهناك مبادرات شجاعة لإعادة تطبيق اللغة العربية في الخليج العربي والدول العربية وبعض الدول الأخرى. المراكز البحثية التي أخذت السبل الحديثة لإعادة إظهار اللغة وتحبيب الجيل الجديد لدراستها بات واضحًا على مستوى الشباب في الوطن العربي وخارجه. أنا ضد كل من يقول أن لغتنا تشيخ "مع أن مراحل شيخوخة اللغة طبيعية" إلا أنني ضد هذه النظرة السوداوية. الأرقام التي تبين حجم الاهتمام والمبادرات الكبيرة تبين أننا نسير بتدرج إلى الأعلى".
انطلاقًا مما ذكره الدكتور هود العمراني، أن اللغة العربية في حالة صعود، فأن البعض قد يسأل عن خصائص ومميزات اللغة العربية عن بقية اللغات، يقول: "كأي لغة تمتلك لغتنا العربية خصائص تميزها وأهمها أعتقد هو عملية تشكيل الكلمة الذي يغير المعنى والزمان وذلك باستخدام "الفتح - الضم - الكسر" هذه العلامات تعطي بُعدًا للكلمات والمعاني وفِي نفس الوقت تبين مدى مرونة اللغة في التعبير وفق الحدث".


هذه المرونة في اللغة وجماليتها لماذا لا يتمسك بها الشباب الذين يعتبرون بأن التحدث والكتابة باللغة الأجنبية مظهرًا من مظاهر الحضارة؟ يعتبر الدكتور العمراني بأنه: "لنكن صادقين ... اللغة الإنجليزية بالتحديد هي لغة العلم الحاضر وتعلمها "ليس على سبيل الحصر" مطلوب. لكن الاكتفاء بها يتسبب بحرمان الشخص وضياع هويته في التركيبة الاجتماعية. ظاهرة التحدث باللغة الأجنبية بالاعتقاد أنها حركة حضارية هو اعتقاد ينقصه الاطلاع والفهم. فالتاريخ أثبت أن من يحاول التخلّق بخلق غيره فإنه يعيش غربة حاضرة تعزله عن المجتمع، حتى لو خرج وعاش خارج حدود وطنه. تبقى اللغة الأم لغة لا يمكن تعويضها. سيكتشف الشباب أن هذا الفعل يؤثر على إنتاجهم العام".
فمن هو المسؤول عن حالة الطلاق بين شبابنا والمطالعة بشكل عام؟ يرى الدكتور هود: "ربما حالة عدم المطالعة ارتبطت بسبب نشاط الوسائل البديلة كوسائل التواصل الاجتماعي مع رؤية المجتمع المثقف القارئ "التي رسمها هو للناس" جعلت الكثير من الشباب يحاولون عدم التطبع بها حتى لا يتهمون بالانغلاق في زمن الانفتاح. وجود أشخاص على "سناب شات - مثلًا" يقدمون مواد علمية جاهزة ومختصرة لأسلوب رشيق ربما يجعل الشباب لا يحب المطالعة التي تتسم حاليًّا بمطلب الجدية والمواصلة. ونجد ذلك في النصائح الكثيرة عن كيفية تعويد الأبناء لقراءة كتاب والاستمرار عليه. ربما هذه النصائح مع نبلها ونبل مطلقيها أدت إلى نتيجة عكسية غير مرجوة".


* دور ومسؤولية علماء اللغة العربية:
نلاحظ بأن ترجمة الكتب الأجنبية للعربية نشطة، فماذا عن ترجمة الكتب العربية لبقية اللغات؟ وما الذي قد يمنع من ذلك؟ يجيب الدكتور العمراني: "الذي يمنع هو خطأ قديم ولا يزال مستمرًا وهو عدم التنسيق بين المراكز ومجمعات اللغة العربية في الوطن العربي. وعندما تلاحظ الموضوع فإنك ترى إما التنسيق البسيط أو البدء بمشاريع ترجمية منفصلة عن الأخرى. أغلب المشاريع الحالية تهتم بترجمة المحتوى العالمي إلى العربية. مع وجود بعض الجهود المبعثرة لترجمة المحتوى العربي إلى غيره الأجنبي. هذه النقطة مؤلمة".
هذه الجهود المبعثرة تدفعنا لسؤال الدكتور هود عن دور وزارات الثقافة والتربية في دولنا العربية والإسلامية؟ يعتبر بأنه: "يمكن تقسيم الهموم على مستوى الوزارات تباعًا للدول العربية ومستوى تطبيق القرار السيادي فيها. فنجد في بعض الدول مطالبات بتطبيق مواد تدعم اللغة العربية لكن لا يتم ذلك لطبيعة تركيبة المجتمع المتأثر بعوامل تاريخية سابقة "كالاستعمار". أقول ذلك لأنني ومن موقع العمل على تويتر "حساب اليوم العالمي للغة العربية" فإن مستوى الشكوى والتذمر من حال اللغة وأداء بعض الوزارات متغير بتغير الدولة. ولا يمكن الخروج بصورة واحدة هنا". أما كيف يمكن تعزيز ثقافة اللغة العربية وقواعدها عند الناشئة؟ فيرى بأن: "المشكلة هنا في علماء اللغة الذين يتشددون في تطبيقاتها، ويتناحرون فيما بينهم حول قواعد اللغة. تعزيز ثقافة اللغة العربية يحتاج لمنظومة حديثة تحاكي أسلوب الصورة وتحفز الجيل عبر المسابقات. وقد لاحظتُ تجاوب الجمهور "على تويتر مثلًا" وذلك عندما ننشر صورة تحتوي على شرح لإحدى قواعد اللغة، فإن تطبيقاتها تكون واضحة وذات تفاعلية كبيرة. إذن فإن استخدام الطرق الحديثة دون تشدد "عدم التشدد الذي لا يخل باللغة أعنيه" هو الحل في نظري".


أما بالنسبة لمشاريعه فهي متنوعة ضمن مجال اللغة وأهمها: "متابعة العمل التطوعي خدمة للغة العربية، حيث بدأت قبل عام بتصميم عدة نماذج "لمترادفات بعض الكلمات العربية ك:  أسماء الأسد، أسماء الثلج، درجات الحب، أسماء الناقة، أسماء الكريم، أسماء اللبن، أسماء العقل، وغيرها من النماذج الذي تجاوز ال 20 نموذجًا. وكذلك النية موجودة لتأليف كتاب في طب الأسنان باللغة العربية يكون موجهًا لعامة الناس ويحتوي مادة علمية سهلة مطعمة ببعض الصور ونماذج "الإنفوغراف".
وفي ختام الحوار كانت له هذه الكلمة المليئة بالحرص والتحفيز على لغتنا العربية  للشباب: "أستطيع التأكيد على أن المنطقة العربية واللغة العربية باتا منطقة خصبة للدراسات والتطبيقات العالمية. الإقبال العالمي على دراسة اللغة العربية من غير المتحدثين بها رهيب جدًّا، نعم تختلف خلفيات الدراسة ومنها لأجل دخول السوق الاقتصادية والأخرى لأجل قراءة تاريخ المنطقة وتطبيقاته. لكن هذا يُبين مدى اهتمام الغير بالعربية التي فيها من الجمالية والمرونة ما جعلها تواصل كل هذا الحضور. في كل عام نحتفي باللغة العربية في 18 من ديسمبر. وفِي كل عام ألاحظ التفاعل الرهيب على مستوى العالم والذي ينبئ بجيل يسعى للترجمة ومعرفة الجديد وتعريف العالم بلغته الأم وجمالياتها بعيدًا عن جلد الذات الذي كان حاضرًا بقوة قبل حوالي 10 سنوات من الآن".

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد

مواقيت الصلاة