علمٌ وفكر

العنف مسألة نسبية وليس مسألة كمية كما بينه باحثون


المترجم: عدنان أحمد الحاجي ..

لقد تَنَاقش علماء الأنثروبولوجيا على مدى عقود فيما إذا كان البشر الذين يعيشون في المجتمعات القبلية منذ آلاف السنين هم أكثر أو أقل عنفاً من مجتمعات اليوم. يتساءل باحثون من جامعة نوتردام عما إذا كانت مسألة عنف أقل أو أكثر  هي مسألة خاطئة - ماذا لو كان الأمر يتعلق بالمستوى النسبي؟
في ورقة جديدة نشرت في مجلة وقائع الأكاديمية الوطنية للعلوم، راهول أوكا، أستاذ الأنثروبولوجيا المساعد ومارك غوليتكو، أستاذ الأنثروبولوجيا المساعد وسوزان شيريدان، الأستاذة المشاركة في الأنثروبولوجيا؛ وأغسطين فونتس ومارك كيسل من جامعة ولاية أبالاشيان ونام  كيم من جامعة ويسكونسن ماديسون، قدموا بيانات تبين أن حجم المجتمع السكاني هو ما يدفع بحجم "مجموعة الحرب"، أو عدد  الناس في سن القتال الذين يدافعون عنه. وتظهر أيضاً أن حجم مجموعة الحرب هو ما يحدد عدد الضحايا في الصراع.

وعلى وجه التحديد، أظهر الباحثون أنه كلما كان المجتمع السكاني كبيراً كلما كان حجم جماعة الحرب أصغر، نسبيًّا، وهو ما يعني عدداً أقل من الضحايا في الصراع.
وبدلًا من ذلك، وجد الباحثون أن المجتمعات اليوم ليست بالضرورة أكثر أو أقل عنفاً من المجتمعات السابقة. وقال أوكا إن هذه النسب مدفوعة بقانون التحجيم العميق deep scaling law الذي يسترشد به التنظيم الاجتماعي. "المجتمعات الصغيرة الحجم لديها نسبة عالية من سكانها ضالعين في الحرب". "وقد تكون الوفيات بالفعل ٤٠ إلى ٥٠ في المائة من المجموعة، وبالتأكيد فإن النسبة الأعلى من أولئك الذين يقاتلون يُقتلون.

ولكن عندما نذهب من المجتمعات الصغيرة نسبياً إلى دول وصراعات كبرى بين الإمبراطوريات أو الدول، نادراً ما تتجاوز الوفيات نسبة واحد في المائة من مجموع السكان. وعليه لو كان لديك ١٠٠ شخص يقاتلون، يمكن أن  يُقتل  ٦٠ شخصاً منهم سواء أكانوا  مقاتلين أو غير مقاتلين. هذا يعادل  ٥٠ في المئة منهم. ولكن لو كان لديك ٣ ملايين شخص يقاتلون فقد يُقتل مائة ألف شخص منهم، وهو في الواقع أقل بكثير، من الناحية النسبية، من المجتمع الصغير. ويرى الكثيرون أن المجتمعات الكبيرة المعاصرة أقل عنفاً من المجتمعات الصغيرة في الماضي، مما يعزز الفكرة القائلة بأن الحياة قبل الدولة كانت سيئة، ووحشية وقصيرة ".

جمع أوكا وزملاؤه بيانات عن حجم السكان ومجموعة الحرب من ٢٩٥ مجتمعًا وعلى حجم مجموعة الحرب وعدد الضحايا المرتبط بالنزاعات من ٤٣٠ نزاعًا تاريخيًّا يعود إلى ٢٥٠٠ قبل الميلاد. وقد رسموا البيانات المتاحة عن حجم السكان وحجم مجموعة الحرب، وضحايا النزاعات.
"لقد استنبطنا أولاً قوانين التحجيمscaling laws  التي من شأنها أن تفسر هذه الاتجاهات. ثم جمعنا البيانات "،كما  قال أوكا. "ويا  للمفاجأة السارة جدًّا جدًّا بالنسبة لنا، لكل من حجم السكان وحجم الجيش، وحجم الجيش وضحايا  الصراع ، وجدنا أن  قوانين التحجيم توضح  التوزيع بشكل جميل".
نظر الباحثون إلى التحجيم scaling ، وليس إلى النسب المئوية أو النسب، على أنه (التحجيم) انعكاس لحقائق الحرب. كلما ازداد حجم السكان وتشكلت المجتمعات إلى دول، قال أوكا، أصبح الجيش أصغر نسبياً، وأكثر ذكاءً وأكثر تخصصاً. فالمجتمع الصغير يمكن أن يكون ٤٠٪ من سكانه ملتزمين بالقتال، على سبيل المثال، ولكن "من المستحيل اقتصادياً على مستوى الدولة أن نقول إن ١٠ ملايين شخص لديهم جيش قوامه ٤ ملايين شخص"حسبما ذكر أكا. "إنه أمر لا يمكن تصوره لوجستياً".
وقال أوكا إن فكرة استخدام حجم مجموعة الحرب والضحايا الناجمة عن النزاع على أنها نسب من جموع السكان بشكل عام لتحديد ما إذا كانت بعض المجتمعات اكثر عنفاً من غيرها ليست جديدة بالنسبة لعلماء الانثروبولوجيا.

ومع ذلك، فإن هذه الدراسة هي الأولى من نوعها التي تقدم مجموعة بيانات موسعة ناظرة إلى المجتمعات في أماكن وأزمنة مختلفة، في وقت السلم والحرب، وتدرس العلاقة بين السكان وعدد الأشخاص في الجيش أو مجموعة الحرب، وبين عدد الأشخاص في الحرب والوفيات التي تحدث أثناء الحرب.
وقال غوليتكو "إن قوانين التحجيم  هذه توفر وسيلة لمقارنة الحروب عبر جميع المستويات السكانية والمنظمات الاجتماعية والاقتصادية". "ومن الجدير بالملاحظة أن المستوى النسبي للاستثمار وحجم الصراعات لم يتغير كثيراً بعد احتساب الزيادات في عدد السكان بمرور الوقت. وبعبارة أخرى، قد لا يكون هناك عنف الآن أو أكثر مما كان عليه الحال في الماضي ".
وقال أوكا "إن القوانين عميقة النطاق هذه تصف حجم جماعات الحرب، ومن ثم عدد الأشخاص الذين قتلوا فى الحروب". "لا يتأثر أي من المتغيرات بنوع المجتمع أو المؤسسات. هذه عمليات تنظيمية عميقة يتعين معالجتها ونحن نواصل محاولة الحد من الاستثمار في الصراع وبناء السلام ".
https://news.nd.edu/news/violence-a-matter-of-scale-not-quantity-researchers-show/

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد

مواقيت الصلاة