لقاءات

الدكتور مهدي الطاهر: التحدي الأساسي شعور الفرد بالغربة وهو في مجتمعه


نسرين نجم ..

مع ازدياد التطور على كافة الأصعدة ودخول مواقع التواصل الاجتماعي إلى بيوتاتنا شئنا أم أبينا ذلك، إضافة إلى تغيرات كثيرة في المنظومة القيمية الأمر الذي أنتج تحديات عديدة هددت الفرد وأسرته والمجتمع ككل، في ظل ذلك، كيف يمكن مواجهة هذه التحديات والعقبات المجتمعية؟ هذا ما طرحناه في حوارنا مع الدكتور في علم النفس الباحث والكاتب السيد مهدي الطاهر:

* سيطرة العقل الانفعالي في مجتمعاتنا:
يبدأ الدكتور مهدي طاهر الحوار بتقديم صورة بانورامية اجتماعية لواقع مجتمعاتنا العربية والإسلامية فيقول: "أرى أنَّ مجتمعنا العربي والإسلامي تعرض خلال العقود الأخيرة لعدد من المتغيرات الفكرية التي أثرت بصورة مباشرة على البنية المعرفية لفكر المجتمع ومكوناته، كما أثرت سلبًا على أولويات العمل المجتمعي، بل ساهمت في ظهور العقل الانفعالي العدائي التباعدي بدلًا من العقل المنتج العاطفي التقاربي بالأخوة، كما أن ظهور تقنية التواصل المختلفة أثرت سلبًا على هشاشة المادة المعرفية وضياع الكثير من القوة التقاربية بين أفراد المجتمع. مما نتج عنه تكسر وانهيار وظيفة الأسرة وتهشم المجتمع الواحد فأصبح شتاتًا، الأمر الذي ساعد في ظهور جيل يمتاز بسطحية الوعي والانفعالية بسبب مشكلاته النفسية والاجتماعية والتربوية، وعدم شعوره بالمسؤولية، ما جعله يظهر بصورة الفرد المستهلك والمنفعل وغير الفاعل في مسيرة مجتمعه بالمقارنة بالأمم الأخرى في عهد الموهبة والإبداع وصناعة التطور التي دعمت بشكل كبير اقتصاديات المعرفة الثروة غير النافذة، التي تقدمت على الأمم العربية والإسلامية بشكل عام وأصبحت في صدارة قوائم التفوق في مباريات العلوم المنتجة".


 كما هو معروف فقد تعرضت منظومتنا القيمية لاضطرابات وإلى خلخلة، فهل بالإمكان إصلاحها أم نحتاج إلى منظومة جديدة تواكب العصر؟ عن هذا السؤال يجيب الدكتور: "نعم بالإمكان، فالمنهج جاهز. المشكلة في التطبيق، وبالاعتماد على تكاملية المنظومة التربوية الإسلامية الكاملة دون تفتيت بحيث تشمل جميع مرتكزات المجتمع، الأسرة، والمسجد، والمدرسة، ووسائل الإعلام  (منظومة المعتقدات - منظومة الأحكام - منظومة الآداب - منظومة الأخلاق) بحيث يتبناها النظام التربوي والتعليمي الرسمي والمجتمعي، والتي يمكن من خلالها خلق بنية كاملة تسهم في نمو فردي ومجتمعي سليم، مبنية على رؤية بنيوية شاملة تسير  التكاملية والتقدم والمسؤولية والإنتاجية  (وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا)".
أما إذا ما كان يرى بأن مجتمعاتنا لا تزال منقادة للأعراف والعادات والتقاليد التي تتعارض مع التطور والفكر والإنسانية فيرى الدكتور مهدي طاهر: "في زمن العولمة تمكنت المجتمعات التي انفتحت على العالم الافتراضي من التخلص من الكثير من خصوصيتها إن كانت قيمًا أو تقاليد أو أعرافًا، وبذلك يسهل الاستفادة من أوامر الشريعة في تعبئة تلك الفراغات وإعادة بنائها ضمن قولبة الإبداع والتفكر وتنمية الألباب، ماليزيا نموذجًا لذلك والعديد من الدول التي كانت تتصف بالجمود والتشمع".
وعندما نتحدث عن المجتمعات لابدّ من أن نتطرق إلى النواة الأساسية لها ألا وهي الأسرة التي أقيمت الكثير من المؤتمرات والندوات حول شؤونها وشجونها وكتب عنها الآف المقالات والأبحاث والدراسات وبقي سؤال واحد يشغل بال الكثيرين من المهتمين. هل الأسرة العربية تمر بحالة تشرذم وتفكك وضياع؟ يوافق الدكتور مهدي الطاهر على حال الأسرة العربية ويؤكد ذلك بقوله: "إن تفتت الأسرة بسبب المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والتربوية والسياسية باختلاف نسبيتها في تلك المجتمعات العربية والإسلامية، وبنيتها القيمية، أصبحت متفككة نووية تتحمل مشاكلها دون سند أو خبرة فيما باتت تعاني من مشكلات عديدة منها الطلاق بنسب عالية في بعض البلاد العربية والإسلامية تصل إلى 25% وهي نسبة عالية، في وقت يحتاج الأطفال والشباب لأسرة دافئة ودودة تتمكن حمايتهم من الكثير من التهديدات التي تحيط بهم".
هذه الحال التي آلت إليها أسرنا دفعتنا إلى السؤال. هل استقال الأهل من مهامهم في هذه المؤسسة؟ فكان جوابه:  "عندما تكون الأسرة مبنية على الوعي والمحبة والمسؤولية، هذه الأسس هي التي تجعل الآباء يدركون دورهم ومسؤولياتهم مع تقدم عمر الأبناء وتغير حاجاتهم وأولوياتهم مما يعني تحقيق العناية اللازمة والرعاية المناسبة والاهتمام المستمر وغرس القيم الإيجابية وسمات الشخصية السوية، مما تساهم في إنتاج وإعداد شاب سوي وزوج إيجابي وموظف متعاون منتج وحتى شيخوخته متكيفة وفاعلة"


* التربية الذكية واستراتيجيتها:
في الآونة الأخيرة كثر الحديث عن التربية الذكية. للتعرف عليها أكثر وعلى ماهية الخطوات التي يجب اتباعها من قبل الأهل لتطبيقها يرى الدكتور مهدي الطاهر: "المقصود بالتربية الذكية أو الواعية هي التربية المبنية على آليات واضحة تتناسب والموقف وسن الأبناء، مما تسهم في حل المشكلات اليومية أو العمرية دون خلق مشاكل أخرى أو تفاقم السلوك المشكلة.

استراتيجيات التربية الذكية:
تحديد السلوك المشكلة: لماذا نعتبر هذا السلوك مشكلة؟ (معايير – ظروف).
تحليل المشكلة: (فهم تام للمشكلة قبل البحث عن حلول) يساعد في تحديد الأسباب.
وضع حلول ممكنة: حل أو عدة حلول للمشكلة (رسوب أو تأخر صباحي) أكثر الطرق فاعلية – جدوى – إمكانية..
اختيار المميزات المناسبة، اختيار العقوبات المناسبة.
إعداد جداول للمعززات والعقوبات.
البدء بتطبيق الخطة العلاجية باستخدام الحلول والعقوبات.
 تقييم الحلول: تحديد الحلول الأفضل والبدائل المناسبة -تطوير الحلول – تغيير الحلول. تقييم المخاطر..
تنفيذ الحل الذي تم اختياره: خطة تصف الإجراءات المطلوبة لتحقيق الهدف مع تحديد الزمن والمصادر".
أي تربية وتأهيل للفرد تحتاج إلى قدوة ونموذج أعلى يتماهى به الإنسان ويساعده على تعزيز نقاط القوة لديه ليتمتع بصحة نفسية سليمة، لذا سألنا الدكتور مهدي عن ضرورة اختيار القدوة الصح وكيف يمكن غرسها من قبل الأهل؟ فأجاب: "القدوة النموذج الكامل الذي يُسّهل على الجيل الاقتداء به والوصول إليه، فالإنسان بطبعه يحتاج للنموذج ويتأثر به ويأخذ منه بشكل آلي خصوصًا من قبل الأطفال، لذا الأنبياء والرسل والأئمة هم النموذج الواضح وغير المتناقض والمنسجم مع كل السابقين من سلسلة الأنوار الطاهرة. وللقدوة أهمية تسد حاجة ضرورية تربوية ونفسية في سير نمو الأفراد، تؤثر عليهم سلبًا وإيجابًا حسب نوع النموذج وطبيعة السلوك الذي يمارسه.


لكي ننجح في غرس القيم علينا إيجاد النماذج السوية الحية والفاعلة أو تذكيرهم بسير حياة العظماء التي تعد نماذج نرغب تمثيل سلوكهم لدى أبنائنا عند بناء القيم مثل الصبر والإحسان والكرم والإخلاص والإباء والمحبة والإخاء والتضحية وغيرها من القيم".
بالانتقال للحديث عن مواقع التواصل الاجتماعي سألناه عن رأيه إذا ما كان يوافق بأن هذه الوسائل قد هدمت عقول الناشئة أم أن هؤلاء لم يحسنوا استخدامها فانقلبت عليهم. يرى الدكتور مهدي الطاهر: "وسائل التواصل الاجتماعي هي وسيلة تحمل التضاد السلبي والإيجابي في التأثير، يمكن للمربين أو المستخدمين حسن الاستفادة منها فهي نعمة مهمة وُفِّق هذا الجيل في الحصول عليها ولا بد أن يستفيد منها في المعرفة والتواصل الاجتماعي التفاعلي المفيد الذي لم يحظ به الآخرين ممن سبقنا.
بينما مع الأسف مع ضعف وعي المربين وتمكن الأبناء من الوصول إليها واستخدامها بدون قيود أو شروط عجل البعض في الوقوع في الانحراف والتشتت الفكري والتربوي والاجتماعي وبَعُد عن الآداب والأخلاق السوية".
أما عن أهمية تربية الأبناء على الدين لتحصينهم وكيف يمكن أن نمتن علاقتهم مع الباري عز وجل دون إكراه؟ يرى بأن: "الدين حاجة ضرورية لكل فرد كما تشير له الدراسات الحديثة، لذا إن الإنسان يبحث عن الدين فكيف وهو وفق لأن يكون في مجتمع يعتقد بالدين الكامل، لذا علينا جميعًا أن نمارس الدين في الحياة والمعاملة ونُعد أنفسنا لأن نكون القدوة الممارسين للدين دون تحجيمهم في ممارسات ضيقة لا تحمل روح الدين كمن يؤدي الصلاة ولا يتقيد بتروكات الصلاة، وهكذا بقية العبادات والمعاملات، ما الدين إلا الحُب في المعاملة والأخوة والعلاقات الزوجية والوالدية والأسرية والمجتمعية".
وعن أبرز التحديات التي يواجهها شبابنا وسبل مواجهتها يحدثنا الدكتور الطاهر بالقول: "التحدي الأساسي شعور الفرد بالغربة الفكرية والاجتماعية والنفسية وهو في مجتمعه، وما يعانيه من تناقضات بين الفكر والتطبيق  في الأقوال والأفعال وهو ما يؤثر سلبًا على البنية الفكرية والقيمية لشبابنا ومع الانفتاح على ما يصله بتقنية المعلومات المختلفة التي تساهم في الانبهار والتبعية، التي تساهم في إضعاف تمسكه بمعتقداته أو التزامه بها بشكل سطحي مما تعيق بناء مجتمع مسلم متكامل مبدع ومنتج".
وبكلمة أخيرة للجيل الناشئ وللشباب يقول: "الاعتناء بالمنظومة الأسرية هي في غاية الأهمية وهي التي يمكن للمجتمع العربي والإسلامي ممارستها من خلال رفع مستوى والوعي والمسؤولية والالتزام ومستوى المحبة والتعاطف مع جميع أفراد الأسرة، محاولة تربوية ونفسية بهدف انجذاب الأبناء لداخل الأسرة، ورفع مستوى الاطمئنان فيها، فتتوقع زيادة الطاعة والتعاون والتبعية، بالمقابل يقل الهروب خارج المنزل نفسيًا واجتماعيًا وتربويًا".

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد

مواقيت الصلاة