مقالات

الجزاء، والرحمة الواسعة

 

الإمام الخميني قدس سره .. 

يعترض بعض أصحاب النّفوس الضّعيفة غير المطمئنَّة على ما ورد في الأحاديث الشريفة من الجزاء العظيم يوم القيامة على أمورٍ جزئيّة بسيطة، والسبب في هذا الاعتراض هو غفلتنا عن أنَّ "شيئاً مّا" إذا كان عندنا تافهاً وبسيطاً، فليس ذلك دليلاً على أنَّ صورته الغيبيّة الملكوتيّة أيضاً بسيطة وتافهة؛ إذ من الممكن أن يكون -بظاهره- شيئاً متواضعاً، إلا أن باطنه وملكوته في منتهى الجلال والعظمة.

 إنَّ الهيكل المقدَّس لرسول الله صلى الله عليه وآله والشّكل الخارجي لجسم الرَّسول الأكرم المعظَّم صلى الله عليه وآله، هو من الكائنات الصغيرة في هذا العالم، ولكنَّ روحه المقدَّسة كانت تحيط بالمُلك والملكوت، وهو صلى الله عليه وآله واسطةٌ لإيجاد السّماوات والأرضين، فالحُكم على صغر الصُّورة الباطنيّة الملكوتيّة لشيء، يتفرّع على العلم بعالم الملكوت، وبواطن الأشياء، ولا يحقّ لِأمثالنا إصدار مثل هذا الحُكم. لا بدَّ لنا من الانتباه لكلمات علماء عالم الآخرة أي الأنبياء والأولياء عليهم السلام، والإذعان لِما يقولون.

إنَّ ذلك العالم قائمٌ على التّفضُّل وبسط رحمة الحقّ اللّامتناهية، ومن المعلوم أنَّه لا حدود لِتفضّل الحقّ المُتعال، وأنَّه لَفي منتهى الجهل استبعاد تفضّل ذي الجود المطلق، وذي الرّحمة اللّامحدودة.
إنَّ النِّعم التي منحها سبحانه لعباده والتي تبعث على عجز العقول عن إحصاء مفرداتها، بل على العجز عن إحصاء كلّيّاتها، هذه النِّعم كانت من دون طلب واستحقاق، فما هو المانع أن يتلطَّف الحقّ سبحانه على عباده، انطلاقاً من تفضّله البَحْت، ومن دون أيِّ سبب، أضعافاً مضاعفة من الأجر والمثوبة؟

 وهل نستطيع أن نستبعد الجزاء الكثير والعظيم  في عالَمٍ فيه ﴿.. ما تشتهيه الأنفس وتلذّ الأعين..﴾ الزخرف:71 كلّ ذلك موضوعٌ تحت تصرُّف إرادة الإنسان، رغم عدم وجود حدٍّ محدودٍ لمشتهيات الإنسان؟

 إنَّ الله سبحانه قد خلق عالم الآخرة، وخلق إرادة الإنسان بصورةٍ لو أراد الإنسان شيئاً لتحقَّق ذلك الشّيء بنفس إرادته. فلا استبعاد لمكافأة كثيرة وجزاء عظيم في ذلك العالم على أعمال (هي بظاهرها) بسيطة وجزئيّة. 

إنّ عظمة الجزاء لا ترتبط بمقارنة الجزاء بالعمل، بل هي مرتبطةٌ بشيءٍ آخر هو الرَّحمة الإلهيّة الواسعة – ولذلك لا يبقى مجالٌ لاستبعاد هذا الجزاء العظيم على عملٍ صغير، فضلاً عن رفضه.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد

مواقيت الصلاة