علمٌ وفكر

لماذا يحتاج المجتمع إلى معرفة علمية أكثر بالقيم الإنسانية؟

 

المترجم: أبو طه/ عدنان أحمد الحاجي .. 

عندما نتحدث عن "القيم الإنسانية" فإننا ننزع إلى أن نعني المثاليات المجردة. أشياء كالحرية والمساواة والأمن والتقاليد والسلام.
فالسياسيون يذكرون القيم في كل وقت، في حين تدعي جميع أنواع الشركات أنها تضع "القيم الأساسية" في صميم أي نشاط من أنشطة أعمالها، وهذا  منطقي تمامًا، لأن القيم لها علاقة بكل ما نقوم به. إنها تساعدنا على اختيار الوظائف وشركاء الحياة والبيوت والمنتجات الاستهلاكية والأيديولوجيات الأشمل التي بها نعيش لكن النقاش العام غالبًا ما يركز على التهديدات المتصورة للقيم المختلفة - في حين نادرًا ما تُدرك مشكلة فهم القيم نفسها بشكل حقيقي.
ماذا يعني، على سبيل المثال، للإرهاب أن يهدد  قيم "الحرية"، إلاّ لتدابير الدفاع الوطني من أجل أن تعزز قيمة "الأمن"؟ ماذا يعني أن تهدد الحرب "السلام"، إلاّ أن تعزز "الديمقراطية"؟ ماذا يعني التنقيب عن النفط في القطب الشمالي إلا أن يهدد"البيئة"، إلاّ أن يعزز "الثروة".
كل هذه القيم مألوفة. ولكنها وسائط رمزية لأفكار وافتراضات محسوسة كثيرة، والتي غالبًا ما يكون الناس غير قادرين أو غير راغبين في التعبير عنها.
وهناك تعقيد آخر يأتي من الناس الذين يفسرون القيم بطرق مختلفة. ولا يمكننا أبدًا أن نعرف على وجه التحديد ما الذي يعنيه الناس بالقيم المختلفة التي يقولون إنهم يحملونها. على سبيل المثال، قد نتفق مع صديق أن "المساواة" مهمة جدًّا، ولكن قد يكون لدينا أفكار مختلفة حول ماذا تعني المساواة في المواقف الحقيقة في الواقع المعاشي. .
قد نتصور نفس الـمُثل على المستوى المجرد (تكافؤ الفرص مقابل  النتائج، على سبيل المثال)، ولكن تفسيرنا لتطبيق  المثُل سوف يختلف.
انظر إلى العاصفة الأخيرة التي أثيرت على انتشار التحرش الجنسي في هوليوود (والمجتمع عموماً). يرى البعض أن الادعاءات ضد أشخاص مثل هارفي وينشتاين تشير إلى عدم المساواة الحندرية على نطاق واسع. ويرى آخرون أنها ادعاءات سلوك فرد مفترس. يركز التفسير الأول على المساواة، في حين يركز الثاني على سوء السلوك الفردي.
لأن دراسة القيم  شيء صعب  - إذ لا يمكنك النظر إليها تحت المجهر - بحثي الذي أقوم به اتخذ  نهجًا  مستندًا إلى الملاحظة والتجربة (empirical) لمعالجة هذه القضية، ناظراً  فيما يفكر  فيه الناس ويقومون به فعلاً. وبهذه الطريقة يمكننا أن نستنتج وجود قيم من أراء الناس وسلوكياتهم.
أحد العوامل الهامة التي تحدد ما إذا كان الناس يتصرفون بحسب قيمهم هو ما إذا كانوا قد فكروا فيها مؤخرًا. إن الشخص الذي أمضى وقتًا في التفكير في حماية البيئة هو أكثر احتمالًا من أن يقوم بإعادة تدوير نفايات الورق من الذي كان مشغولًا بتوفير المال.
غير أن الوعي بالقيمة لا يكفي. ولكن يتعين على الشخص أيضًا أن يقرر ما إذا كانت القيمة تتناسب مع الحالة.  في الدول الصناعية الغنية، إعادة التدوير هي مثال سائد على السلوك المؤيد للبيئة. ولكن التصرفات الأخرى هي على الأقل جيدة للبيئة، ولكن لم  يُنظر فيها كثيراً.

رؤية قيّمة
على سبيل المثال، يمكننا المساعدة على حماية البيئة بشكل كبير من خلال تجنب السفر الجوي ومن خلال الغذاء النباتي. ولكن هذه أشياء لا تحضر إلى الذهن عندما يُطلب من الناس أن يضعوا قائمة بالسلوكيات الصديقة للبيئة.
وهذا أمر مهم لأن الكثير يعتمد على الأمثلة الملموسة التي نستخدمها للقيم. في بحثنا، أشرنا إلى الأمثلة الملموسة على أنها "تجسيدات للقيم". ومن المرجح أن يظهر الناس قيمة في آرائهم المتعلقة بالوضع وفي سلوكهم إذا كانوا قد فكروا مؤخرًا في أمثلة ملموسة نموذجية مشتركة لقيمة ما وليس لقيمة نادرة ولكنها صحيحة أيضًا.
الأمثلة الشائعة "تناسب" قيمة معينة بشكل  أكثر وضوحًا وتحديدًا، ويمكن أن تكون بمثابة تذكير بالقيمة أقوى من الأمثلة النادرة. كما رأينا، إعادة التدوير هي مناسِبة وسهلة وواضحة لحماية البيئة، في حين أن تصبح نباتي التغذية يمكن اعتباره مناسباً بشكل واضح لقيم أخرى، كالصحة أو معاملة الحيوانات. دورها في البيئة قد يصبح غير واضح..
هذا النوع من عدم الوضوح يأتي من الفصل بين المعنى المجرد للقيم والطرق المتنوعة التي يطبق بها الناس تلك القيم. وفي العمل على معالجة المشاكل البيئية والاجتماعية، نتغاضى عن الروابط بين القيم وتجسيدات القيم على مسؤليتنا.
إن تحسين معرفتنا بالروابط سيساعدنا على فهم أفضل لدور القيم في حياتنا النفسية والحياة الاجتماعية - وحيثما تتلاءم مع الشخصية  والأخلاق والثقافة الإنسانية.


المصدر
https://www.google.com/amp/s/theconversation.com/amp/why-society-needs-a-more-scientific-understanding-of-human-

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد

مواقيت الصلاة