لقاءات

د. طاهرة اللواتية: مشكلة الإعلام في تحريره

 

نسرين نجم .. 

تحمل ألقابًا متنوعة ما بين إعلامية وكاتبة وناقدة أدبية ومعدّة ومقدمة برامج إذاعية ومديرة تحرير لعدة مجلات في سلطنة عمان إلى جانب شهادة الدكتوراة في علم النفس، لها العديد من الدراسات والمقالات، استطاعت أن تترك بصماتها المميزة أينما حلّت، وهذا ليس بغريب على الدكتورة طاهرة اللواتية التي أجرينا معها هذا الحوار حول العديد من المواضيع والقضايا النفس- اجتماعية والإعلامية:

* عدم تطور النظم الاجتماعية:

التعصب والتطرف والتشدد عناوين أصبحت منتشرة في عقول الشباب، الأمر الذي أثر سلبًا على إنتاج الثقافة والمعرفة في مجتمعاتنا العربية والإسلامية، وهذا ما أكدته الدكتورة طاهرة اللواتية عند عرضها لمشهد بانورامي عن حال مجتمعاتنا العربية فقالت: "المجتمعات العربية سيما الخليجية منها قد حققت تقدمًا على الصعيد المادي والبنية التحتية المادية، لكن بالنسبة للجوانب الاجتماعية لربما حصل انفتاح، وحصل تغيير، وحصل تلاق مع مجتمعات أخرى بسبب التعليم والجامعات والإعلام، والاختلاط مع المجتمعات الأخرى، وبسبب تداول الكتب، وحركة الترجمة، لكن من الناحية الثقافية والاجتماعية أعتقد أن هناك أمراضًا لا نزال نعاني منها مثال تغلب العصبية، فما زالت نظرتنا للأمور عصبية أكثر منها ثقافية واسعة عريضة، أيضًا بعض المجتمعات العربية نظرتها للدين مختلطة بالعصبية للأسف الشديد ومختلطة بضيق النظر للأمور وبالتشدد والتطرف، فبالتالي من السهولة حشو عقل الشباب العربي بالتطرف والتعصب".

وعن القلق والغضب المسيطرين على الإنسان المعاصر تحدثنا الدكتورة طاهرة: "يرتفع منسوب القلق والغضب تجاه النفس وتجاه الآخرين بسبب عدم تطور النظم الاجتماعية وعدم نضوج النظم الثقافية في المجتمع، وهذا له تأثير في التعبير عن النفس والتصرف تجاه الآخرين،  فبعض الدول العربية تمتلك منظومة قوانين جيدة إلا أن هذه القوانين لم تترجم بطريقة فاعلة بحيث نستطيع أن نصل إلى بناء ما يسمى بدول المؤسسات والقانون، ويعود القلق بعدم توفر فرص العمل، البطالة، عدم القدرة على استكمال التعليم، أيضًا له علاقة بتأخر سن الزواج، زيادة معدلات الطلاق، وهذه كلها تؤدي إلى إشكاليات. أما موضوع الجرائم قد يكون له علاقة وقد لا يكون له علاقة لأن الجريمة ليست محصورة بمجتمع دون آخر أو أنها حكر على المجتمعات العربية، ولا توجد لدينا دراسات وإحصائيات تسمح لنا بالقول بأن ارتفاع نسبة الجرائم سببها القلق أو الغضب، فمن يرتكب الجرائم هم أشخاص خارجون عن المجتمع وعن القانون وموجودون في كل المجتمعات، وقد ترتفع نسب الجرائم في العالم الغربي أكثر مما هي في المجتمعات العربية".

وتشرح الدكتورة طاهرة اللواتية عن الغضب وأسبابه وكيف يمكن علاجه سيما أنه لديها الكثير من الندوات وورش العمل التي تدرب فيها على كيفية ضبط وإدارة الغضب فتقول: "الغضب أولًا له علاقة بطبائع الإنسان وبتنشئته في الطفولة، وأعتقد بحسب خبرتي في هذا المجال أنه موجود كقوة عند كل الأفراد ولأي مجتمع انتموا، وعلى كل فرد أن يتعلم كيفية إدارة هذه القوة الغضبية وضبطها هذا من جانب، وهناك غضب آخر تجاه ما يحصل في المجتمع والغضب تجاه العوائق الموجودة في المجتمع، وهو موجود في مجتمعاتنا العربية، فيوجد أناس لم يستطيعوا تكوين ذواتهم من ناحية الوظيفة والعمل المستقر وبناء أسرة أو لم يستطيعوا تعليم أبنائهم تعليمًا جيدًا، ونحن نعرف أن الحروب في بعض الدول العربية والهجمة الغربية القاسية على دولنا تمنعها من تأمين وإشباع حاجات أفرادها من الأمن والأمان وتوفير الأساسيات". وهذا الأمر دفعنا لسؤالها عن أهمية تطبيق التصالح مع الذات وهل أن شباب اليوم لديهم أو بالأحرى يطبقون هذا المفهوم ترى الدكتورة اللواتية بأن: "شباب اليوم يحتاجون بأن تؤمن لهم أساسيات الحياة المستقرة ليصلوا إلى التصالح مع الذات، فإذا حصلوا على حاجياتهم الأساسية (التعليم، الصحة، العمل، وبناء الأسرة، وأن يكون فاعلًا في المجتمع) عندها نتحدث عن هذا المفهوم، لكن من جهة أخرى لا بدّ من الإشارة إلى انتشار نزعة التطرف والتشدد في بعض مجتمعاتنا العربية، وذلك من خلال الإعلام الخارجي الموجه وبعض الإعلام الداخلي الموجه فهذا التطرف وهذا التعصب أصبحا مرضين منتشرين في بعض مجتمعاتنا وبالتالي لا يسمحان لا بالتصالح مع الذات ولا مع الآخرين".


* المرأة ظالمة أم مظلومة:

وبالانتقال إلى موضوع آخر يتعلق بالمرأة العربية وبخضوعها للسلطة الذكورية تقول الدكتورة اللواتية: "أعتقد أن هذا الأمر متفاوت من مجتمع عربي إلى آخر، فنحن نرى أن في بعض الدول العربية منسوب السلطة الذكورية مرتفع وفي بعضها أقل، وهذا له علاقة بعدم فهم المنظومة الدينية والمنظومة الإسلامية ودور المرأة ودور الرجل ودوري الأم والأب، إضافة إلى العادات والتقاليد التي سادت في فترات ما قبل انتشار التعليم في بعض المجتمعات العربية وللأسف توطنت السلطة الذكورية في هذه المجتمعات، وأعتقد أن هذا الموضوع مع الحراك الثقافي والاجتماعي والقراءات السليمة في الدين قد يكون في طريقه إلى الزوال، أما بالنسبة للمرأة وحول إذا ما كانت تستلذ بلعب دور الضحية فهذا الموضوع بحاجة للدراسة للتأكد منه".

إلى جانب أنشطتها المتنوعة الاجتماعية والتربوية تعتبر الدكتورة طاهرة اللواتية من الإعلاميات الرساليات الراقيات لذا توجهنا لها بالسؤال عن حال العمل الإعلامي، فهل يعتبر الإعلام في أيامنا الحالية نقمة؟ ترى الدكتورة: "الإعلام كعلم وآداب ليس نقمة بل إضافة ولكن للأسف استخدم الإعلام في السنوات الأخيرة من قبل الغرب كعامل تجييش لأجل أن يقود التطرف والتعصب والتفرقة، وأن يطبل لبعض الشخصيات، وأن يساير الغرائز الحيوانية، فالإعلام أداة مثل أية أداة إذا أحسنا استخدامها يمكنه أن يكون السلطة الرابعة، أما إذا أسأنا استخدامها فسيحصل تمامًا كما حصل في الربيع العربي، حيث كان للإعلام أثار تدميرية، نحن نحتاج إلى تحرير الإعلام من قوى الشر كي يبقى سلطة رابعة نافعة ومفيدة".

وهي ترى بأن: "الإعلام ليس بحاجة إلى تطوير فهو موجود في كل جامعاتنا وهو يُدرس وله أساتذته، لكن مشكلة الإعلام هي في تحريره، لإنه أصبح أداة في من يرغب بصناعة الشرق الأوسط الجديد، أصبح أداة لمن يريدون أن يشيعوا التفرقة والتمزق في المجتمعات الإسلامية والعربية، وهو أداة لمن يريدوا أن يشيعوا الفساد لدى شبابنا، فيجب أن يحرر الإعلام من هذه الأفكار ومن هؤلاء الأفراد الذين يعملون على توجيه الإعلام لأهداف ومصالح تدميرية".

وحول قضايا الشعر والأدب كون الدكتورة اللواتية من المتذوقات والمهتمات بهذين المجالين وحول رأيها بالإصدارات الأدبية والشعرية لشبابنا تقول: "هي نعمة وليس بنقمة لأن تطور الأدب له علاقة بتطور ذائقة الفرد، الشعر والأدب من الفنون التي نعتز بها في مجتمعاتنا ونحفز شبابنا على خوضها  ليكتبوا ويؤلفوا وينشروا. ورغم أن البعض يعتبر بأن هناك  بعض الكتّاب أو بعض الأدباء الذين يكتبون خارج السرب ويكتبون ضد العقيدة وضد نظم وقيم المجتمع فلا بدّ من تجاهلهم فهم فئة قليلة ويجب عدم تسليط الضوء عليهم. ولكن بشكل عام نحتاج إلى تطوير الأداب وإلى الأخذ بأيدي الأدباء والشعراء والشباب والهيئات والجهات التي تشجع الأدب والشعر لأن الاهتمام بهما هو دليل صحة المجتمعات". أما بالنسبة لرأيها بعلاقة الشباب بالثقافة وهل هي علاقة طلاق أم تلاق فتقول: "نحن كمجتمعات عربية هناك تهمة جاهزة بأن شبابنا لا يقرأون وحاليًا مع وسائل التواصل الاجتماعي قد يُهمل الكتاب، إلا أن وسائل التواصل الاجتماعي تصبح نعمة عندما تنشر الكتب والعلوم، وهنا نحن بحاجة إلى تشجيع الناشئة على القراءة عبر الهيئات والجمعيات، ومؤسسات تهتم بتشجيع الناشئة على القراءة، فإذا أحب الناشئة القراءة ستصبح جزءًا من حياتهم وتصبح منظومتهم اليومية ولا يستطيعون الاستغناء عنها".

وبالانتقال للحديث عن طموح الدكتورة طاهرة اللواتية تقول: "أعتقد الطموح مرتبط بتطور مجتمعاتنا بأن تصبح أفضل كي تصبح دول المؤسسات والقانون، بأن ينتهي التطرف في المجتمعات العربية وبأن يتم الاهتمام بالعلوم أكثر وتشجع على البحث العلمي، بأن نقضي على البطالة، وبأن يحقق الشباب ذواتهم وتطور مجالات العمل، وأن نستطيع مواجهة أعدائنا الذين يعملون على تدمير مجتمعاتنا العربية، هذه هي طموحاتي" أما بالنسبة لمشاريعها الحالية  والمستقبلية: "حاليًا أنا أعكف على عمل إذاعي سيطلق قريبًا بعنوان: "البيت الكبير" وهو عنوان متصل بالفرد والبيت والمجتمع، وأيضًا هناك قراءات ودراسات نقدية أعمل عليها".

وفي الختام توجهت بكلمة للجيل الناشئ بالقول: "أعتقد أننا في حاجة لنهتم بهذا الجيل، أن نوفر له حاجياته، وأن نعزز عنده القراءة، ونوفر له أطرًا ثقافية أوسع لكي يقضي وقت فراغه بطريقة مفيدة ومثمرة، وأن نوفر له الجمعيات العلمية والبحث العلمي، وأن نوفر له الانفتاح على العالم بالطريقة الصحيحة، وأن نوفر له قراءات دينية تتناسب مع أعماره بعيدة عن التعصب والتطرف، وأن نعطيهم فهمًا دينيًا إسلاميًا صحيحًا، وأن نساعده على المرونة في التفكير، وأن نصنع له مجتمعًا آمنًا من ناحية العلاقات والصداقات ".

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد

مواقيت الصلاة