لقاءات

الدكتورة زهراء الموسوي: يجب تهيئة الدرب أمام الأفراد للتكامل الإنساني، للتكامل الديني

 

نسرين نجم .. 

تعتبر الصحة النفسية الدعامة الأساس والركيزة الأولى لصناعة شخصية الإنسان الناضجة والواعية وبالتالي المنتجة والفاعلة، وكلّ ما أوليناها الأهمية المطلوبة كلما أعطتنا أسرًا سليمة وطاقات وكفاءات وعمت الألفة والمودة والرحمة بين أفراد المجتمع. عن الصحة النفسية وأهميتها وعن المؤسسة الزوجية شؤونها وشجونها ومواضيع متنوعة ما بين التربية والترجمة وورش العمل الخاصة بتعزيز الثقافة الزوجية كان لنا هذا الحوار مع الدكتورة والباحثة في علم النفس العيادي، التي لديها العديد من الكتب والأبحاث التي تصب في خانة الصحة النفسية، والتي شغلت منصب عضوة في عدد من الجمعيات العربية منها جمعية علم النفس في الشرق الأوسط، والرابطة الوطنية للأمن الأسري، والشبكة العربية لعلم النفس. إضافة إلى كل ذلك فهي مترجمة من اللغة الفارسية إلى العربية، إنها الدكتورة الكويتية زهراء الموسوي التي أجرينا معها اللقاء:


* الصحة النفسية نعمة مجهولة في بلادنا:
دائمًا عندما نلتقي بأحد نسأل عن الحال والأحوال والصحة هذا على الصعيد الفردي، لكن ماذا عن حال الصحة النفسية في مجتمعاتنا العربية والإسلامية؟ وإلى أي حدّ هناك علاقة وطيدة بها؟ تجيب الدكتورة زهراء الموسوي عن هذا الأمر بالقول: "في العشر سنوات الأخيرة  بذلت جهودًا كبيرة في مجالات الصحة النفسية والاستشارات النفسية وذلك بفضل البرامج التلفزيونية والسوشيل ميديا التي تناولت هذا الموضوع، فأصبح هناك إقبال عليها، على الرغم من وجود الكثير من الأفكار الخاطئة حول الصحة النفسية سيما تلك التي تتعلق بالأمراض النفسية، فعندما أتناول على مواقع التواصل مرض الفصام وعوارضه وكيفية علاجه تجدين أن هناك اعتراضات من قبل البعض وتعليقات بأن هذا جن قد سكنه وعلى أهله أن يأخذوه إلى "رابي" وكذلك الاكتئاب يرون بأن العلاج هو "تلاوة القرآن الكريم" بالطبع قراءة القرآن مهمة ولكنها ليست العلاج، يعني مثلًا دعينا نتصور بأن هناك مريضًا بالزائدة الدودية هل يمكن علاجه بتلاوة آيات من القرآن الكريم ليشفى؟ بالطبع لا وهذا ليس استهانة بالقرآن الكريم لكن لكل شيء مكانه.. لكن للأسف حتى الآن لا يوجد لدى البعض تقبل بأن هناك مرضًا نفسيًّا يجب علاجه ولا علاقة له بأمور التدين ولا علاقة له بأمور الجن والحسد وغيره، ونحن نحاول أن نحارب الجهل في هذه الأمور".

هذا الخوف من مفهوم المرض النفسي أو حتى من عنوان الصحة النفسية يجب التوقف عنده ومعالجته للوصول إلى صحة سليمة معافاة، عن هذا الأمر تقول الدكتورة الموسوي بأن: "أحد الأمور التي ولدت هذا الخوف هو ربط الصحة النفسية بالجانب الديني يعني مثلًا الناس لا تقول لك في حال أصبت بالإنفلونزا بأنك لم تستغفر ربك لذلك أصبت بها، بينما في حال أصيب المرء بالاكتئاب فيقولون بأن سبب ذلك هو قلة الإيمان، عندها الفرد يلجأ إلى إخفاء ما يعانيه خوفًا من وصمة الناس له بأنه قليل الإيمان، وفي جانب آخر لا يتوفر العلاج النفسي بالشكل المطلوب في عالمنا العربي والإسلامي رغم كثرة الجامعات الموجودة وتطورها، لكن أغلب الجامعات لا يوجد فيها اختصاص مثلًا ك "علم النفس الإكلينيكي" أو "الإرشاد النفسي" وإن وجدت فإنها لا تُدرس شهادة الدكتوراة في مجال العلاج النفسي، لذا نحن نشهد نقصًا فاضحًا في هذا المجال الأمر الذي استغله البعض تجاريًّا وأصبحوا يقومون بدورات تحت عناوين مختلفة منها: "البرمجة العصبية" وخلال أسبوع يحصل على شهادة بها فيقوم بتوزيع الاستشارت على الواتساب وفي المطاعم وهذا أمر خطير، الناس ترغب بالتعرف على مجالات علم النفس إلا أن عدم وجود استشاريين أكفاء يزيد من حدّة الأمور تعقيدًا".

انطلاقًا من هذا الجواب ننتقل للحديث عن العلاقة النفس- اجتماعية التي تربط الفرد بمجتمعه وتربطه بأسرته، عنها تحدثنا الدكتورة زهراء الموسوي بالقول: "لو ألقينا نظرة عامة على مفهوم الأسرة في العالم وكيف واجهت تحديات كبيرة، ففي بداية التسعينيات تعرضت الأسرة ومفهوم الزواج لتحديات خطيرة أطلقها أهم نظامين اقتصاديين في العالم "الماركسي والاشتراكي" الذين دعوا إلى الإلحاد وحذف الرب وحتى حذف الزواج، وحتى وصل بهما الأمر إلى تشجيع الزواج المثلي والذي يعتبر تهديدًا كبيرًا لمفهوم الأسرة.. لكن ورغم كل هذه التحديات إلا أن الدول العربية والدول الأسيوية الشرقية هي الدول الوحيدة التي حافظت على موضوع الأسرة، ولله الحمد بأن الأسرة لا تزال مقدسة عند الإنسان العربي، فنحن العرب مقارنة بشعوب آسيا الشرقية ما زلنا محافظين أكثر على صلة الرحم وعلى العلاقات الاجتماعية من ناحية الزيارات المتبادلة ". ... إلا أنه رغم أهمية التواصل الاجتماعي بين الفرد وأسرته وحفاظه على قداسة هذه العلاقة، إلا أن ما نشهده وما تطالعنا به الصحف من ارتفاع لمنسوب العنف ابتداءً من النواة الأساس في بناء المجتمع قصدنا بها "العائلة" يجعلنا نقف عند هذه الظاهرة لنسأل عن الأسباب المؤدية لها وعن الإسعافات الأولية التي يجب تقديمها لكي لا تتأزم الأمور تحدثنا الدكتورة زهراء الموسوي: "موضوع العنف الأسري ليس بموضوع جديد وحتى أن العنف المدرسي أي الضرب كان يعتبر سابقًا من إحدى وسائل التدريس، حتى أن ابن خلدون في مقدمته يتطرق إلى مقدار الضرب المسموح من المعلم بحق التلميذ ويحدده، فإذًا العنف سابقًا كان موجودًا ولم يكن اسمه عنفًا بل كانوا يطلقون عليه "تربية".. ضرب الأهل حتى لأبنائهم كان يدخل ضمن التربية، وحتى ضرب الزوج لزوجته كان موجودًا في الكتب القديمة.. الآن نريد أن نمحو هذا الموضوع لأنه عندما يقوم تلميذ بضرب زميله تقوم الدنيا ولا تقعد نستغرب وهو قد تربى على العنف فمن: "شبّ على الشيء شاب عليه" ويرى بأن هذه الطريقة هي للتعامل مع الآخرين، كذلك فإن البرامج والمسلسلات وحتى أفلام الكرتون مليئة بالعنف وبالرعب خالية من القيم الإنسانية، فيتشرب الطفل هذا السلوك العنفي أو العدائي ويعتبره بأنه الصح لأنه لا يملك القدرة على التميز"..


* الثقافة والتوعية والتربية والحب:
لدى الدكتورة زهراء الموسوي كتاب حول سيكولوجية الحب، تطرقت فيه إلى مفهوم الحب والأفكار الخاطئة حوله، وإلى الكثير من التساؤلات التي طرحت إشكالية وجود الحب، تجاوب عن هذا الموضوع حتى في ورش عملها المتعلقة بالتثقيف حول الحياة الزوجية وعن هذا الأمر تقول: "موضوع الدورات الثقافية هو جديد، لكن للأسف هناك بعض الأصوات الرافضة لهذا الموضوع تحت عنوان كل ما هو جديد مضر لا وبل يعتبرونها ترفًا، ولكن موضوع التثقيف في الحياة الزوجية ليس جديدًا، لكن لفترة طويلة انطمست هذه الأمور وأصبح الحديث عنها من المحرمات، فيتزوج الشريكان دون أي تثقيف من قبل الأهل، وللأسف يحصلون على التثقيف من خلال الإعلام بأشكاله المتنوعة والتي في الكثير من الأحيان تعطي مفاهيم خاطئة، ونحن نركز في الدورات وورش العمل على أساليب التعامل بين الزوجين انطلاقًا من التوصيات التي تركها لنا الرسول الأكرم (ص) والأئمة الأطهار (ع)، لذلك من الضروري جدًّا أن تكون هذه الثقافة موجودة، لأنه للأسف ثقافة القراءة غير موجودة إضافة إلى غياب المعرفة بهذه المواضيع عند الكثير من الأهالي، إلى جانب أن الأدوار قد تغيرت بين الشريكين بسبب دخول المرأة ميدان العمل لذلك تثقيف الأزواج أمر ضروري".

وهنا نطرح الإشكالية التي وضعت حولها الكثير من التساؤلات والأبحاث والدراسات والتي تتعلق بمدى التوافق ما بين الدين وعلم النفس سيما أن البعض يعتبر بأنه لا يوجد توافق بينهما، إلا أن للدكتورة الموسوي رأيًا خاصًّا: "مقولة بأن علم النفس يتعارض مع الإسلام مقولة خاطئة، معظم النظريات النفسية تتوافق مع الإسلام ولا يوجد تعارض إلا في النظرة إلى موضوع "المثلية".. فعلم النفس يساعد الإنسان على التوازن وعلى النضج ويساعده على التكامل على التخلص من الشوائب التي تمنع من التكامل الديني مع الله سبحانه وتعالى، نحن عندما نعالج الاكتئاب لأن الإسلام لا يريد المؤمن بأن يكون مكتئبًا محبطًا قلقًا، نحن عندما نساعده على التخلص من هذه الحالات ليتحول إلى مؤمن نشط إلى مؤمن يستطيع تأدية عباداته لأن بعض المرضى مثال المصابين بالوسواس الديني لا يستطيعون ممارسة العبادة بطريقة صحيحة، فعلم النفس يساعد على إزالة العوائق والمشاكل النفسية التي تعيق العلاقة السليمة مع الله عزّ وجلّ".

وبالحديث أيضًا عن مؤلفات الدكتورة الموسوي نصل إلى كتاب هام يتعلق بالإلفة الزوجية، هذا العنوان الذي دفعنا لنطرح علامة استفهام حول وجوده في ظل الضغوطات المعاشة اليومية. تجيب عن هذا التساؤل بقولها: "الناس تعتقد بأن الضغوطات والتوترات تمنع الإلفة بين الزوجين، ولكن على العكس ما نحتاجه في الضغوط هو الإلفة، ففي حال تواجدها بين الشريكين يصبح تحمل الضغوطات أسهل بكثير، وهذا يتم عندما يخرج الإنسان من إطار الأنانية، أساسًا إحدى أهداف الزواج هو خروج الإنسان من الإطار الضيق للأنانية والذهاب للتعامل مع الآخر والتكامل معه وهذا ما دعا إليه الإسلام، لذلك من الضروري التركيز على ذواتنا لنخرج منها الأنانية وعندها تحصل الإلفة".... ولإن التربية هي الشغل الشاغل للناس كان لا بدّ من الإضاءة على كتابها التربوي "حياة أفضل مع تربية متسامية"، فعلى الرغم من أن الكثير من التهم تُلقى على أسلوب التربية وبأنها السبب في إفساد الجيل الناشئ، والبعض يعتبر علاج هذا الأمر يحصل عند اعتماد مفهوم "التربية الذكية". تجيبنا انطلاقًا من كتابها عن ماهية التربية السليمة وشروطها: "بداية الكتاب هو مجموعة من القصص التربوية من حياة رسول الله (ص)، وفي نهاية كل قصة هناك حديث عن التربية المتسامية المأخوذة من حياة الرسول الأكرم (ص)، فالرسول كان يركز كثيرًا على التربية... وبكل صراحة أكثرية المراجعات أو الاستشارات النفسية التي تأتي إلى عيادتي إن كان لمشاكل زوجية أو اضطرابات نفسية أو سلوكية أصلها يعود إلى التربية.. إما بسبب التربية الخاطئة أو الكلمات الخاطئة... فالتربية موضوع جد مهم وهو أساس سلوكيات الإنسان، مهما حاول الإنسان أن يتعلم أمورًا جديدة إلا أنه لا يستطيع التحرر التام من آثار التربية".....

إلى جانب كلّ هذا لدى الدكتورة زهراء الموسوي العديد من الكتب والمقالات المترجمة.. عن سبب اختيارها لهذا المجال فهو عملًا "بقول الرسول الأكرم (ص) بأن "الحكمة هي ضالة المؤمن فحيث وجدها فهو أحق بها" فلا يجب أن نكتفي بأفكارنا وبآرائنا وبإنتاجنا، فإذا كان هناك إنتاجات أخرى باللغات الفارسية أو الفرنسية أو الإنكليزية يجب أن نستفيد منها، ولم تتطور الأمة الإسلامية إلا عندما تفتحت على علوم الأمم والحضارات الأخرى وبدأت في ترجمة العلوم والتي استطاعت أن تدخل في الثقافة الإسلامية، بدايات العلوم التي دخلت إلى ثقافتنا كانت من الدولة الفارسية وإذا راجعنا التراث الإسلامي وجدنا بأن أغلب المؤلفين والعلماء والفلاسفة كانوا إما من بلاد فارس أو من الأندلس أو من العراق أو من بلاد الشام، لذا يجب أن لا نكتفي بأنفسنا، فالله سبحانه وتعالى حين يقول: "وبشر عبادي الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه"، هذا يعني أن الإنسان المؤمن يستمع إلى جميع الأقوال ويتبع أحسن القول، لذلك يجب أن نأخذ الحكمة أينما وجدناها كما أمرنا بذلك الرسول (ص)"... .ورغم أهمية الترجمة إلا أننا نجد بأن هناك قلة قليلة من السيدات العربيات قد دخلن مجال الترجمة وحول هذه النقطة تقول: "عمومًا في مجالات الكتابة والتأليف العلمي هناك قلة بالنساء اللواتي خضن هذا الغمار، وحتى قلة منهن دخلن في الفكر الديني والفلسفة ونفس الموضوع يطبق على الترجمة، لذلك أتمنى على النساء أن يتجهن إلى المجالات العلمية والمعرفية".

أما عن طموح الدكتورة زهراء الموسوي فتقول: "بالنسبة لطموحي فهو كبير جدًّا، لكن أهم ما أطمح إليه هو تعزيز مفهوم الصحة النفسية في مجتمعاتنا العربية لأنه أساس للتطور والتقدم، ويمكن أن نحصل على هذا الأمر عندما يتغير الفرد لأنه لن تتغير المجتمعات ما لم يحصل التغيير على الصعيد الفردي، لذلك هدفي هو تربية أفراد صالحين يستطيعون أن يغيروا المجتمعات نحو الأفضل، يجب أن نهيء الدرب أمام الأفراد للتكامل الإنساني، للتكامل الديني.". وعن مشاريعها المستقبلية تخبرنا: "مشروعي الحالي هو تأسيس أكاديمية الأسرة مع مجموعة من الأشقاء العرب، هذه الأكاديمية ستكون في كندا وهي تهتم بالشباب المسلم في الدول الأجنبية، لأن هؤلاء يواجهون الكثير من الصعوبات من ناحية المحافظة على الهوية الدينية المسلمة والعربية، ولا يستطيعون الاندماج رغم رغبتهم بالاندماج الذي لن يكون لصالحهم".

وفي كلمة أخيرة للجيل الناشئ وللمقبلين على الزواج: "نحن نحتاج إلى المعرفة وللأسف الجيل الناشئ تركيزهم فقط على الاستمتاع واللذة كمحورين أساسين فقط لحياتهم وهذا أمر سيكلفهم كثيرًا، أما بالنسبة للمقبلين على الزواج أرجو من الشباب أن يثقفوا أنفسهم في موضوع الزواج عبر قراءة كتب، المشاركة في دورات، مراجعات واستشارات، أن يقوموا بالفحص النفسي قبل الزواج أي الاختبارات الشخصية لكلا الشريكين، بمعنى كيف يمكن أن يتعاملا مع بعضهما البعض في ظل وجود خلافات واختلافات فيما بينهما"...

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد

مواقيت الصلاة