مقالات

الإمام الهادي (عليه السلام): حول إمامته وبعض معاجزه


إن إمامة الهادي (عليه السلام) مليئة بالإعجاز والكرامات، التي ظهرت على يديه، لحفظ الإسلام، وخط الولاية، فهو رغم صغر سنه استطاع أن يقلق سلاطين عصره، وأن يثبت قدرته الفائقة بوجه جورهم وجبروتهم.
فقد بدأ ولايته أيام المعتصم، الذي قتل أباه الإمام الجواد (عليه السلام)، وأراد المعتصم أن يؤثر على حياة الإمام الهادي (عليه السلام)، فعهد إلى عمر بن الفرج، وأمره أن يذهب إلى المدينة، ويختار له مؤدبًا بنفسه، على أن يكون المؤدب معروفًا بالانحراف، والبغض لأهل البيت لعله يربيه على بغضهم. فاختار الجنيدي لهذه المهمة، بإرشاد من والي المدينة حينها، وعهد إليه أن يمنع الشيعة من زيارته والاتصال به، وكان الجنيدي شديد البغض للعلويين، فقبل المهمة بعد أن عين له راتبًا شهريًّا.
وكانت النتيجة أن أصبح الجنيدي من أتباع الإمام ومواليه، فقد التقى به أحدهم مرة، وهو محمد بن جعفر، وقال له: ما حال هذا الصبي الذي تؤدبه؟ . فأنكر الجنيدي ذلك، وراح يقول: أتقول هذا الصبي ولا تقول هذا الشيخ؟... إلى أن قال: ثم إنه يملي أبوابًا أستفيده منه، فيظن الناس أني أعلمه، وأنا والله أتعلم منه .
والتقاه مرة أخرى فسأله: ما حال هذا الصبي؟. فأنكر الجنيدي ذلك، وقال: دع عنك هذا القول، والله تعالى لهو خير أهل الأرض، وأفضل من برأه الله تعالى إلخ...الحديث[1] .
وهو الذي عاصر أعتى عتاة بني العباس، وهو المتوكل، وأشدهم بغضا لعلي وأبنائه (عليهم السلام) ولشيعتهم، وبلغ من حقده وحنقه عليهم، أنه كان إذا بلغه أن أحدًا يتولى عليًّا (عليه السلام) وأهله قصده بالدم والمال. وقد بلغت به الجرأة والكراهة لهم أنه أمر بهدم قبر الإمام الحسين (عليه السلام)، وهدم ما حوله من المنازل والدور، وأن يبذر ويسقى موضع قبره، وأن يمنع الناس من إتيانه[2].


معجزاته وإخباره بالغيب:
ونظراً لأهمية الموقف، وقطعا لكل شك في قدرته وإمامته (عليه السلام)، عند عامة الناس، قد ظهرت على يديه الشريفتين كثير من المعجزات والكرامات، التي تبين علو مقامه (عليه السلام) وجدارته بالموقع الذي يشغله.
فقد بدأ ولايته الشريفة بإخبار إعجازي عن وفاة أبيه الإمام الجواد (عليه السلام)، فقد كان في المدينة المنورة، وكان الإمام الجواد في بغداد، فجاء مرعوبًا حتى جلس في حجر أم أبيها بنت موسى، فقالت له: مالك؟ فقال لها: مات أبي والله الساعة.
فقالت له: لا تقل هذا.
قال: هو والله ما أقول لك.
قالت: فكتبنا ذلك، فجاءت وفاة أبي جعفر (عليه السلام) في ذلك اليوم[3].
ومن ذلك ما أخبر به خيران الأسباطي، قال: قدمت على أبي الحسن علي بن محمد (عليهما السلام)، فقال لي: ما خبر الواثق عندك؟ قلت: جعلت فداك تركته في عافية، أنا من أقرب الناس به عهدًا، عهدي به منذ عشرة أيام. فقال لي: إن أهل المدينة يقولون أنه قد مات. فقلت أنا أقرب الناس عهدًا به. فقال: إن الناس يقولون إنه مات. فلما قال لي أن الناس يقولون، علمت أنه يعني نفسه. ثم قال لي: ما فعل جعفر؟ قلت تركته أسوأ الناس حالًا في السجن. قال فقال لي: أما إنه صاحب الأمر. ثم قال: ما فعل الزيات؟ قلت: الناس معه والأمر أمره. فقال: إنه شؤم عليه. قال ثم إنه سكت، وقال لي: لا بد أن تجري مقادير الله وأحكامه، يا خيران مات الواثق، وقد قعد جعفر المتوكل، وقد قتل ابن الزيات. قلت: متى، جعلت فداك؟ فقال: بعد خروجك بستة أيام[4].
ومن معجزاته (عليه السلام) أنه لما أشخصه المتوكل إلى سامراء، ذكر صالح بن سعيد، فقال: دخلت على أبي الحسن (عليه السلام) يوم وروده بسر من رأى، فقلت له: جعلت فداك، في كل الأمور أرادوا إطفاء نورك، هذا أنزلوك هذا الخان الأشنع، خان الصعاليك، فقال: ها هنا أنت يا ابن سعيد، ثم أومأ بيده، فإذا أنا بروضات آنقات، وأنهار جاريات، وجنات بينها خيرات عطرات، وولدان كأنهم اللؤلؤ المكنون، فحار بصري وكثر عجبي، فقال لي: حيث كنا فهذا لنا يا ابن سعيد، لسنا في خان الصعاليك[5].
ومن الملاحظ أن مختلف معجزاته وكراماته (عليه السلام)، كانت تكتسي طابعًا دعويًّا واجتماعيًّا، يتبين من خلالها أنه أراد (عليه السلام) تثبيت قلوب المؤمنين، وهداية المخالفين، ورد كيد المتربصين به شرًّا، كما يظهر ذلك من ملاحظة ما ذكره المؤرخون منها.
 ـــــــــــ
* الشيخ حاتم إسماعيل
" شبكة المعارف الإسلامية"
[1] أعلام الهداية، ج12، ص80-81
[2] الكامل في التاريخ، ابن الأثير، ج7، ص55
[3] كشف الغمة في معرفة الأئمة، الاربلي، ج4، ص22، تحقيق علي الفاضلي، مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت، 1426هـ
[4] الإرشاد، الشيخ المفيد، ص329
[5] مناقب آل أبي طالب، ابن شهر أشوب، ج4، ص442

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد

مواقيت الصلاة