علمٌ وفكر

التدبير والهداية


الشيخ محمد رضا المظفر

وتقريبه هو أن من تأمل في النظام العالمي يرى ـ مضافًا إلى النظم والتناسب الموجود فيه ـ أنه تحت تدبير شاعر حكيم بحيث يهدي كلّ موجود إلى وظائفه بالهداية التكوينية والغريزية، فالنحل والنمل وغيرهما من الحيوانات البرية والبحرية تعرف وظائفها من بناء محلها ومسكنها وذهابها إلى موطن ارتزاقها وإيابها إلى مأواها وغير ذلك مما يطول الكلام، وهذه الوظائف دقيقة جدًّا بحيث إذا تأملناها نجدها عجيبة جدًّا.
يكفيك كيفية ارتزاق النحل عن الزهر وعودها إلى محلها وتبنية المسدسات، حتى تملأها بالعسل، وكيفية تنظيم اجتماعاتها بالمقررات اللازمة وغيرها، فهذه الأمور كلّها تحت تدبير وهداية ومن وراء ذلك هو تدبير أمورها على نحو يحصل للإنسان ما يلزمه في تعيشه وحياته، وهذا المدد غير المرئي على الدوام لا يختص بالحيوانات، بل يهدي كلّ شيء إلى وظائفه، كما أشار إليه في القرآن الكريم قال: (رَبُّنَا الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى) (١) (وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدى) (٢) (ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ)(٣).
وهكذا الفعل والانفعال الحاصل في بدن الإنسان يهتدي بهذه الهداية، وعليك بالتأمل حول دفاع البدن نحو الجراثيم والميكروبات الخارجية المهاجمة التي أرادت تخريب البدن، وغير ذلك من الأمور العجيبة جدًّا.
هذا مضافًا إلى ما رأيناه في أمورنا من مبدأ الولادة إلى آخر عمرنا من التدبيرات الخفية التي يجدها كل أحد في تعيشه الشخصية لو تأمل حولها حق التأمل من تقدير الرزق وتهيئة أسبابه وتقدير الأزواج وتهيئة مقدماته وبعض المنامات وغير ذلك من الأمور كإمداد الحق وإبطال الباطل طيلة التاريخ.
ثم إن التدبير والهداية سيما إذا كان مستمرًّا وشائعًا ليس إلّا أثر الشاعر العالم فالعالم تحت تدبير عالم شاعر وحيث إن ذلك أثر عظيم فلا يسانخ إلّا للواجب المتعالي. وإن أبيت عن ذلك فهو لا محالة ينتهي إلى الواجب بالبراهين السابقة أو يكون من منبهات الفطرة التوحيدية، فالعالم تحت تدبير الله تعالى الحكيم المتعال.
______________
(١) طه : ٥٠.
(٢) الاعلى : ٣.
(٣) يونس : ٣.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد

مواقيت الصلاة