من التاريخ

في حديث ذي القرنين عليه السلام (2)


قطب الدين الراوندي

وبإسناده عن محمد بن أورمة، حدّثنا محمد بن خالد، عمّن ذكره، عن أبي جعفر صلوات الله عليه، قال: حجّ ذو القرنين في ستمائة ألف فارس، فلمّا دخل الحرم شيعه بعض أصحابه إلى البيت، فلمّا انصرف قال: رأيت رجلاً ما رأيت أكثر نوراً ووجهاً منه، قالوا: ذاك إبراهيم خليل الرّحمن صلوات الله عليه، قال: أسرجوا  فأسرجوا ستمائة دابة في مقدار ما يسرج دابة واحدة، قال: ثم قال ذو القرنين: لا بل نمشي إلى خليل الرّحمن، فمشى ومشى معه بعده أصحابه النقباء.
قال إبراهيم عليه السلام: بم قطعت الدّهر؟ قال: بأحد عشر كلمة: وهي سبحان من هو باق لا يفنى، سبحان من هو عالم لا ينسى، سبحان من هو حافظ لا يسقط، سبحان من هو بصير لا يرتاب، سبحان من هو قيّوم لا ينام، سبحان من هو ملك لا يرام، سبحان من هو عزيز لا يضام، سبحان من هو محتجب لا يرى، سبحان من هو واسع لا يتكلّف، سبحان من هو قائم لا يلهو، سبحان من هو دائم لا يسهو.

وعن ابن بابويه، حدثنا محمد بن علي ما جيلويه، عن عمّه محمد بن أبي القاسم، حدّثنا محمد بن عليّ الكوفيّ، عن شريف بن سابق التّفليسي، عن أسود بن رزين القاضي قال: دخلت على أبي الحسن الأوّل عليه السلام ولم يكن رآني قطّ، فقال من أهل السدّ أنت، فقلت من أهل الباب، فقال الثانية: من أهل السّد أنت، قلت: من أهل الباب، قال: من أهل السّد، قلت: نعم ذاك السّد  الّذي عمله ذو القرنين.
وروي عن عبدالله بن سليمان، وكان رجل قرأ الكتب: أن ذا القرنين كان رجلاً من أهل الإسكندريّة، وأمّه عجوز من عجائزهم، ليس لها ولد غيره يقال له: إسكندروس، وكان له أدب وخلق وعفة من وقت صباه إلى أن بلغ رجلاً، وكان رآى في المنام أنه دنا من الشمس فأخذ بقرنها في شرقها وغربها، فلمّا قصّ رؤياه على قومه سمّوه ذا القرنين، فلمّا رآى هذه الرّؤية بعدت همّته وعلا صوته وعزّ في قومه .

فكان أوّل ما اجتمع عليه أمره أن قال: أسلمت لله عزّ وجلّ، ثمّ دعا قومه إلى الإسلام، فأسلموا هيبة له، وانطلق ذو القرنين حتّى أمعن في البلاد يؤم المغرب حتّى انتهى إلى الجبل الّذي هو محيط بالأرض، فإذا هو بملك قابض على الجبل، وهو يقول: سبحان ربّي من أوّل الدّنيا إلى آخرها، سبحان ربّي من موشع كفّي إلى عرش ربّي، سبحان ربّي من منتهى الظّلمة إلى النّور. فلمّا سمع ذلك ذو القرنين خرّ ساجدًا، فلمّا رفع رأسه قال له الملك: كيف قويت يابن آدم على مبلغ هذا الموضع؟ ولم يبلغه أحد من ولد آدم قبلك قال: قوّاني الله على ذلك .
فقال الملك: إنّي موكّل بهذا الجبل، ولولا هذا الجبل لا نكفأت الأرض بأهلها، رأس هذا الجبل ملتصق بسماء الدّنيا، وأسفله في الأرض السّابعة السّفلى، وهو محيط بها كالحقلة، وليس على وجه الأرض مدينة إلا ولها عرق إلى هذا الجبل، فإذا أراد الله تعالى أن يزلزل مدينة أوحى إليّ، فحرّكت العرق الّذي إليها .
فلمّا أراد ذو القرنين الرجوع قال: لملك أوصين قال: لا يهمّنك رزق غد، ولا تؤخر عمل اليوم لغد، ولا تحزن على ما فاتك وعليك بالرّفق، ولا تكن جباراً متكبراً .
ثم إنّ ذا القرنين عطف على أصحابه، ثم عطف بهم نحو المشرق يستقري ما بينه وبين المشرق من الأمم، فيفعل بهم مثل ما فعل بأمم المغرب من العدل، فبينما هو يسير إذ وقع على الأمّة المحاكمة من قوم موسى صلوات الله عليه الّذين يهدون بالحق وبه يعدلون، فوجد أمّة عادلة فقال لهم: أخبروني إنّي درت الدّنيا فلم أر مثلكم ما بال قبور موتاكم على أبواب بيوتكم؟ ولا نتخادع ولا يغتاب بعضنا بعضاً .

قال: فأخبروني لم ليس فيكم مسكين ولا فقير؟ قالوا: من قبل أنّا نقتسم بالسّوية .
قال: فما بالكم ليس فيكم فظ ولا غليظ؟ قالوا: من قبل الذّلّ والتّواضع .
قال: فلم جعلكم الله أطول النّاس أعماراً؟ قالوا: من قبل أنّا نتعاطى بالحقّ ونحكم بالعدل .
قال: فما بالكم لا تقحطون؟ قالوا : من قبل أنّا لا نغفل عن الاستغفار .
قال: فما بالكم لا تحردون؟ قالوا: من قبل أنّا وطّنا أنفسنا على البلاء وحرصنا عليه فعزّينا أنفسنا .
قال: فما بالكم لا تصيبكم الآفات؟ قالوا: من قبل أنّا لا نتوكّل على غير الله تعالى ولا نستمطر بالأنواء والنّجوم .
قال: فحدّثوني أهكذا وجدتم آبائكم يفعلون؟ قالوا: وجدنا آبائنا يرحمون مسكينهم، ويواسون فقيرهم، ويعفون عمّن ظلمهم، ويحسنون إلى من أساء إليهم، ويستغفرون لمن سبّهم، ويصلون أرحامهم، ويؤدّون أمانتهم، ويصدقون ولا يكذبون، فأصلح الله بذلك أمره .

فأقام عندهم ذو القرنين حتّى قبض، ولم يكن له فيهم عمر، وكان قد بلغ السّن وأدرك الكبر، وكان عدّة ما سار في البلاد إلى يوم سار في البلاد إلى يوم قبضه الله تعالى خمسمائة عام.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد

مواقيت الصلاة