علمٌ وفكر

وجد باحثون مفاتيح الخوف والإقدام في الدماغ


المترجم : أبو طه/ عدنان أحمد الحاجي

تعرف باحثون من كلية الطب في جامعة ستانفورد على مجموعتين متجاورتين من الخلايا العصبية في أدمغة الفئران اللتين  يفسر مستوى نشاطهما عند رؤية تهديد بصري الفرق بين الاستجابة الخجولة والجريئة أو حتى العنيفة.
تقع هذه التكتلات، أو النوى، بالضبط في منتصف الدماغ، وترسل كل منها إشارات إلى منطقة مختلفة من الدماغ، مما يثير سلوكيات معاكسة في مواجهة تهديد بصري (يرى بالعين). من خلال تغيير مستويات التنشيط بشكل انتقائي للنواة، يمكن للباحثين من جعل الفئران تتسمر (تقف في مكانها بلا حركة) أو تختبيء في مخبأ، أو تصر على موقفها (تعاند)  بشكل عدائي، عندما يقترب منها مفترس محاكى (مصطنع).
وقال الدكتور أندرو هوبرمان، أستاذ مساعد في البيولوجيا العصبية وطب العيون، أدمغة الناس ربما تمتلك دائرات circuits  مكافئة. لذا، فإن إيجاد طرق لتحويل التوازن بشكل غير قاطع بين نقاط قوى التأشير signalling في النواتين قبل أو في خضم الحالات التي يدرك الناس أنهم مهددون قد تساعد الأشخاص الذين يعانون من القلق المفرط أو الرهاب أو اضطراب ما بعد الصدمة أن يعيشوا حياة طبيعية أكثر .
"هذا يفتح الباب أمام العمل (البحث) المستقبلي حول كيف نتحول من الشلل والخوف إلى القدرة على مواجهة التحديات بطرق تجعل حياتنا أفضل"، كما قال هوبرمان Huberman ، المؤلف الرئيسي للورقة وهو يشرح النتائج التجريبية. تم نشر الورقة على الإنترنت في ٢ مايو ٢٠١٨  في مجلة نتشر. طالبة الدراسات العليا ليندسي سالاي هي المؤلفة الرئيسيّة للورقة.

حياة الفأر محفوفة بالمخاطر
هناك الكثير من التهديدات الحقيقية في عالم الفأر، وقد تطورت القوارض للتعامل مع تلك التهديدات قدر استطاعتها. على سبيل المثال، تخاف من المفترسات الطائرة، مثل الصقور أو البوم التي تهبط عليها. عندما يدرك أحد الفئران في حقل مفتوح أن هناك طائرًا من أكلة اللحوم  فوقه، يجب أن يتخذ قرارًا في جزء من الثانية إما أن يقف بلا حراك في مكانه (يتسمر)، مما يجعل اكتشافه من قبل المفترس أمراً فيه صعوبة. أو يلجأ إلى مخبأ، لو كان هناك من مخبأ؛ أو يهرب حفاظاً  على حياته.
لمعرفة كيف يتغير نشاط الدماغ في وجه مثل هذا التهديد البصري)، قامت سلاي بمحاكاة مقاربة مفترس يلوح في الأفق باستخدام سيناريو ابتكره منذ بضع سنوات أخصائي الأعصاب ميلس يلماز بلبان، وهو الآن طالب ما بعد الدكتوراه في مختبر هوبرمان، وهو يتكون من غرفة بحجم خزان سمك سعة ٢٠ غالونًا، مع شاشة فيديو تغطي معظم سقفه. يمكن لهذه الشاشة العلوية أن تعرض قرصًا أسود ممتدًا يحاكي طائراً يقترب من فريسته من الجو  .
العملية بالنسبة للفأر هي بمثابة ما تقوم به حين تضرب صدرك. وتقول حسناً دعنا نقاتل .
باحثة عن مناطق في الدماغ التي كانت أكثر نشاطاً في الفئران المعرضة لهذا "المفترس الذي يلوح في الأفق" بالمقارنة مع  الفئران غير المعرضة، حددت سالي بنية هيكل يسمى مهاد خط الوسط الجوفي  أو   vMT.
تتبعت سلاي مدخلات ومخرجات الـ vMT ووجدت أنها تتلقى إشارات ومدخلات حسية من مناطق الدماغ التي تسجل حالات الدماغ الداخلية، كمستويات إثارة. ولكن على النقيض من المدخلات العريضة التي يتلقاها ال vMT، كانت نقاط وجهة مخرجاته انتقائية بشكل ملحوظ. تتبع العلماء هذه المخرجات إلى وجهتين رئيسيتين: اللوزة القاعدية الجانبية basolateral amygdala وقشرة الفص الجبهي الإنسي medial prefrontal cortex. ربط العمل (البحث) السابق اللوزة بمعالجة كشف التهديد والخوف، وقشرة ما قبل الجبهِية الإنسية مرتبطة بوظائف تنفيذية عالية المستوى والقلق.
وكشف البحث الإضافي أن الجهاز العصبي المؤدي إلى اللوزة القاعدية الجانبية ينبثق من مجموعة من الخلايا العصبية في الـ vMT  تسمى بنواة الخنجر xiphoid nucleus. وعلم المحققون أن المسلك الذي يؤدي إلى وقشرة الفص  الجبهي الإنسي، يأتي من تكتل يسمى ب "اتحادية النواة  nucleus reuniens ، التي تغلف النواة الخنجرية بشكل مريح.
بعد ذلك، قام الباحثون بشكل انتقائي بتعديل مجموعات محددة من الخلايا العصبية في أدمغة الفئران حتى يتمكنوا من آثارة (تحفيز)  أو منع التشوير (التأشير signalling)  في هذين الجهازين العصبيين. أدى تحفيز النشاط الخنجري حصريًّا إلى زيادة ميل الفئران بشكل ملحوظ إلى التسمّر (التوقف  عن  الحركة)  في مكان وجود المفترس الطائر المتصور. حصريًّا، تعزيز النشاط في المسلك الجاري من اتحادية النواة nucleus reuniens إلى قشرة الدماغ قبل الجبهية الإنسية في الفئران المعرضة للحافز-المفترس الوشيك الوقوع يزيد بشكل جذري من الاستجابة التي نادراً ما تُرى تحت ظروف مشابهة في الطبيعة أو في تجارب المجال المفتوح السابقة: تمسكت (تسمرت) الفئران بمكانها، في المكان المفتوح في الخارج، محركة أذنابها، وهو فعل يرتبط عادة بالعدوانية في هذه الأنواع species.

الأذناب الضاربة
وقال هوبرمان إن هذا السلوك "الشجاع" لا لبس فيه، وعالي الصوت. "بوسعك سماع أذنابها تضرب على جانب الغرفة.    بالنسبة للفأر هي بمثابة ما تقوم  به حين تضرب صدرك. وتقول حسناً دعنا نتصارع". كما أن الفئران التي أثيرت فيها اتحادية النواة ركضت أيضًا في المنطقة المفتوحة من الغرفة، وبدلاً من مجرد الجري نحو الأماكن التي تختبئ فيها. ولكن لم يكن ذلك لأن إثارة  اتحادية النواة أدى إلى العصبية (الهيجان). وفي غياب الحيوان المفترس المصطنع الذي يلوح في الأفق، تسمرت نفس الفئران في مكانها.
قد نتمكن قريبًا من "تشغيل" مفتاح الإقدام في الدماغ، ومساعدة الناس على التغلب على أعراض اضطراب ما بعد الصدمة.
وفي تجربة أخرى، أظهر الباحثون أن إثارة اتحادية نواة الفئران مرة أخرى لمدة ٣٠ ثانية قبل عرض "المفترس الذي يلوح في الأفق (الوشيك الوقوع)" أدى إلى نفس الزيادة في جلجلة الذنب والجري في الجزء غير المحمي من الغرفة كما فعلت إثارة (تحفيز)  ال vMT الذي نُفذت بالتزامن مع العرض. يقول هوبرمان إن هذا يشير إلى أن إثارة الخلايا العصبية التي تجري من إتحادية النواة إلى القشرة الدماغية قبل الجبهية يحث على التحول في الحالة الداخلية للدماغ، مما يهيئ الفئران للعمل بجرأة أكبر.
وقد حددت تجربة أخرى الطبيعة المرجحة لهذا التحول الداخلي، وهي: إثارة النظام العصبي اللاإرادي، الذي يبدأ استجابة القتال أو الهروب أو التسمّر في المكان. محفزة  (مثيرة) إما ال vMT ككل أو مجرد زيادة اتحادية النواة من قطر بؤبؤ عين الفئران - وهو ممثل جيد للإثارة اللاإرادية.
على التعرض المتكرر لنماذج  المفترس المحاكى (المصطنع) التي تلوح في الأفق (الوشيكة الوقوع)، أصبحت الفئران معتادة. وتناقصت استجابتها (ردة فعلها - إرسالها ومضات كهربية) العفوية للـ vMT ، وكذلك ردودها السلوكية. وهذا يتساوق مع انخفاض مستويات الإثارة اللاإرادية.
وقال هوبيرمان إن أدمغة البشر تضم هيكلا معادلا للـ vMT. وتكهن أنه في الأشخاص المصابين بالرهاب والقلق المستمر أو اضطراب ما بعد الصدمة، ودائرة كهربية مختلة قد تمنع إشارات الvMT  من الانخفاض مع التعرض المتكرر لحالات مسببة للإجهاد. في تجارب أخرى، تستكشف مجموعته الآن فعالية التقنيات، كالتنفس العميق واسترخاء تثبيت النظر، في ضبط حالات الإثارة للأشخاص الذين يعانون من هذه المشاكل. فكرة  تقليل إشارات ال vMT في مثل هؤلاء الأشخاص، أو تعديل توازن قوة تشوير signalling مما يعادلها من النواة الخنجرية xiphoid واتحادية النواة  في البشر قد تزيد من مرونتهم في التعامل مع الإجهاد.

المصدر:
http://med.stanford.edu/news/all-news/2018/05/scientists-find-fear-courage-switches-in-brain.html

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد

مواقيت الصلاة