علمٌ وفكر

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ عبدالهادي الفضلي
عن الكاتب :
الشيخ الدكتور عبدالهادي الفضلي، من مواليد العام 1935م بقرية (صبخة العرب) إحدى القرى القريبة من البصرة بالعراق، جمع بين الدراسة التقليدية الحوزوية والدراسة الأكاديمية، فنال البكالوريوس في اللغة العربية والعلوم الإسلامية ثم درجة الدكتوراه في اللغة العربية في النحو والصرف والعروض بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف، له العديد من المؤلفات والمساهمات على الصعيدين الحوزوي والأكاديمي.rnتوفي في العام 2013 بعد صراع طويل مع المرض.

الربا دراسة فقهية قانونية تاريخية مقارنة (4)


الشيخ عبدالهادي الفضلي

والربا ـ كما هو محرم في الشريعة الإسلامية ـ هو محرم في الشرائع الإلهية الأخرى :
ـ ففي التوراة أكثر من نص يحرم الربا، أمثال
* ما جاء في سفر حزقيال: ( والإنسان الذي كان باراً وفعل حقاً وعدلاً لم يأكل على الجبال ولم يرفع عينيه إلى أصنام بيت إسرائيل ولم ينجس امرأة قريبة ولم يقرب امرأة طامثاً ولم يظلم إنساناً بل رد للمديون رهنه ولم يغتصب اغتصاباً بل بذل خبزه للجوعان وكسا العريان ثوباً ولم يعطِ الربا ولم يأخذ مرابحة وكفَّ يده عن الجور وأجرى العدل الحق بين الإنسان والإنسان وسلك في فرائضي وحفظ أحكامي وعمل بالحق فهو بار ) .
* ما جاء في سفر اللاويين: ( وإذا افتقر أخوك وقصر يده عنك فأعضدته غريباً أو مستوطناً فيعيش معك لا تأخذ منه ربا ) .
* ما جاء في إنجيل لوقا: ( وإن أقرضتم الذين ترجون أن تستردوا منهم فأي فضل لكم، فإن الخطاة أيضاً يقرضون الخطاة لكي يستردوا منهم المثل، بل أحبوا أعداءكم وأحسنوا وأقرضوا وأنتم لا ترجون شيئاً فيكون أجركم عظيماً، وتكونوا بني العلى فإنه منعم على غير الشاكرين والأشرار ) .
وقد فسر بعض اليهود النص المتقدم: ( وإذا افتقر أخوك وقصر يده عنك فأعضدته غريباً أو مستوطناً فيعيش معك لا تأخذ منه ربا)، والنص الآخر الذي يقول: (لأخيك لا تقرض بربا) حصر تحريم الربا بين اليهودي واليهودي، أما بين اليهودي وغير اليهودي فجائز .

ومن غير شك أن هذا لا يتأتى لأنه يتعارض وما جاء في النص الأول من النصوص المذكورة في أعلاه القائل ( وأجرى العدل الحق بين الإنسان والإنسان ) .
فإن يحمل أنه جاء من باب التوكيد على حرمة ربا اليهودي لليهودي من دون نظر إلى حرمته مع غير اليهودي، وإلا فهو ـ من غير ريب ـ من النصوص المحرّفة .
ويدل على ذلك أن القرآن الكريم رد عليهم في آية النساء المتقدمة ﴿ فَبِظُلْمٍ مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَن سَبِيلِ اللّهِ كَثِيرًا * وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُواْ عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا ﴾  .
هذا هو حكم الربا في التشريعات الدينية، الحرمة المغلظة، ولكنه يختلف عنه في التقنينات المدنية فقد أبيح فيها .
وفرّق بعضها فيه بين الفاحش منه فلا يجوز، والقليل منه فإنه يجوز، ولئلا يقع الفحش التزموا بلزوم تحديد سعر الفائدة من قبل الدولة .
ومن هذا ما جاء في (موسوعات القوانين والأنظمة الأردنية) ـ 2 / 838 ـ تحت عنوان (نظام المرابحة): « المادة 1 ـ اعتباراً من تاريخ نشر هذا النظام تعين 9% فائدة سنوية حداً أعظم لكل أنواع المداينات العادية والتجارية .
المادة 2 ـ إن مقاولات الفائدة التي عقدت على حساب 12% قبل تاريخ نشر هذا النظام هي مرعية ومعتبرة إلى يوم إعلان هذا النظام .
المادة 3 ـ إذا تبين وقوع مقاولة على فائدة زائدة عن حدها النظامي إما صراحة في السند بين الدائن والمديون أو بثبوت ضمها إلى رأس المال فيصير تنزيل مقدار الفائدة السنوية إلى 9% .
المادة 4 ـ فائدة الديون مهما مر عليها من السنين فلا يجب أن تتجاوز مقدار رأس المال، وجميع الحكام ممنوعون من الحكم بالفائدة التي تتجاوز رأس المال » .
وانظر من الموسوعات المذكورة الصفحة 117 من الجزء الثالث، تحت عنوان ( قانون الربا الفاحش ) .

موضوع الربا
أعني بهذا العنوان المعاملات المالية التي يجري فيها الربا، وتكون موضوعاً له، تطبق عليها أحكامه وتترتب آثاره .
وقد اختلفوا فيها على قولين :
ـ قول: إن الربا لا يجري ولا يتحقق إلا في البيع خاصة .
ـ و آخر: إن الربا يثبت في كل معاملة .
قال السيد العاملي في (مفتاح الكرامة) بعد أن ذكر تعريفي الربا القائمين على هذا الخلاف، وهما :
ـ إن الربا شرعاً هو بيع أحد المتماثلين المقدرين بالكيل أو الوزن في عهد صاحب الشرع ـ عليه الصلاة والسلام ـ أو في العادة، بالآخر مع زيادة في أحدهما حقيقة أو حكماً .
أو اقتراض أحدهما مع الزيادة وإن لم يكونا مقدرين بهما إذا لم يكن باذل الزيادة حربياً، ولم يكن المتعاقدان والداً مع ولده ولا زوجاً مع زوجته .
ـ إن الربا شرعاً هو زيادة أحد العوضين المتماثلين المقدرين بالكيل أو الوزن ـ في عهد صاحب الشرع صلى الله عليه وآله وسلم أو في العادة ـ بالآخر مع زيادة في أحدهما حقيقة أو حكماً .

قال (ره): « وهذا التعريف (يعني التعريف الثاني) يناسب ما حكي عن الأكثر، حكاه المقدس الأردبيلي في آياته، وقد حكى عن السيد والشيخ والقاضي وابن المتوج وفخر المحققين من أنه يثبت في كل معاوضة ولا يختص بالبيع، وهو خيرة الشهيدين في صلح الدروس والمسالك والروضة وغصب الأولين وأبي العباس في صلح المهذب والمقتصر، والفخر في صلح الإيضاح، والصالح القطيفي والمحقق الثاني والفاضل الميسي والمقدس الأردبيلي وغيرهم، وهو صريح الشرائع في باب الغصب وظاهرها في باب الصلح، لكن ظاهرها في المقام وصريح السرائر في باب الغصب، والمختلف في الباب المذكور، وظاهر غصب المبسوط والشرائع والتحرير والتذكرة في موضع منها على ما فهمه منهم الشهيد في الدروس لا على ما فهمه الشهيد الثاني، وصريح الإرشاد والكتاب في المقام، والمختلف في باب الصلح أنه إنما يثبت في البيع، وهو ظاهر أصحاب التعريف الأول، ولهم عبارات في باب الصلح ظاهرة في ذلك كقولهم (لو صالح على المؤجل بإسقاط بعضه حالاً صح)، وقولهم (لو أتلف عليه ثوباً قيمته عشرة فصالحه بأزيد أو أنقص صح عند المشهور، وهذا يؤدي إلى الربا ) .
وقد يظهر ذلك ـ أي اختصاصه بالبيع ـ من المبسوط والخلاف والمراسم والوسيلة ومجمع البيان وغيرها .
وما نسبوه إلى الشيخ من ثبوته في كل معاوضة فلعله مبني على ما يختاره في الصلح من أنه بيع، والمصنف في باب الغصب والصلح من الكتاب والتذكرة تردد ظاهر، والفخر في غصب الإيضاح التردد أيضاً .

وأما ثبوته في القرض فقد صرح به الأكثرون وإن لم يكن مقدراً بالكيل والوزن » .
ثم قال : « حجة القائلين بالتخصيص: أنه حرام بالكتاب والسنة و الإجماع، ولا شك في تحقق ذلك في البيع لأنه المتبادر من الإطلاق .
وكذا القرض .
وأما غيرهما فلا يعلم جريانها فيه فيبقى على أصل الإباحة المؤيد بظواهر الآيات والأخبار الدالة على حصول الإباحة بالتراضي، وعلى حصر المحرمات وليس هذا منها، وأن الناس مسلطون على أموالهم، خرج البيع والقرض وبقي الباقي .
وحجة القائلين بالعموم لكل معاوضة: إطلاق الكتاب والسنة، ومنها الصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة، ففي صحيحة أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام: قال ( الحنطة والشعير رأساً برأس لا يزداد واحد منهما على الآخر، وفيه الدقيق بالحنطة والسويق بالدقيق مثلاً بمثل لا بأس به) ونحوه آخر، وفيه (كان علي عليه السلام يكره أن يستبدل وسقين من تمر المدينة بوسق من تمر خيبر) وفيه (عن رجل استبدل قوصرتين فيهما بسر مطبوخ بقوصرة فيها مشقق، فقال: هذا مكروه، فقال أبو بصير: لم يكره؟ فقال: كان علي بن أبي طالب عليه السلام يكره أن يستبدل وسقاً من تمر المدينة بوسقين من تمر خيبر، ولم يكن علي عليه السلام يكره الحلال)، وخبر عبد الرحمن بن الحجاج: قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: أيجوز قفيز من حنطة بقفيزين من شعير؟ قال: لا يجوز إلاّ مثلاً بمثل، ثم قال: إن الشعير من الحنطة ) ، وصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام: الفضة بالفضة مثلاً بمثل ليس فيها زيادة ولا نقصان الزائد والمستزيد في النار » .
ولا بد من الإشارة هنا إلى خلاف المولى الأردبيلي في الزيادة الحكمية حيث لم يعدها من الربا .
وعليه فذكرها ضمن التعريف مبنائي يرجع إلى رأي المعرِّف في المسألة .

وبالموازنة بين أدلة الطرفين، وعمدتها الروايات في المقام، وهي بين صريحة في البيع والقرض وظاهرة فيهما تفيد أن موضوع الربا هو البيع والقرض .

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد

مواقيت الصلاة