مقالات

وصية المُحدّث القُمّي لخُطباء المنبر الحسينيّ


الشيخ عبّاس القمّيّ

ينبغي لأهل المنبر وقرّاء التعزية مراعاة بضعة أمور حتّى يصيروا ممّن عظّم شعائر الله تعالى، ووُفِّق لهداية عباده. وفي طليعة هذه الأمور:
* الإخلاص واجتناب الرياء: أي أن يقصد بوعظه وجهَ الله تعالى، وامتثالَ أمره، وإصلاحَ نفسه، وإرشادَ عباده إلى معالم دينه، ولا يقصد بذلك عرَضَ الدنيا، فيصير مصداقاً لقوله تعالى: ﴿قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا﴾ الكهف:103-104.
ومرتبةُ الإخلاص عظيمةُ المقدار، كثيرةُ الأخطار، دقيقةُ المعنى، صعبةُ المرتقى، يحتاج طالبُها إلى نظرٍ دقيق ومجاهدةٍ تامّة، وينبغي أن يعمل بما يقول.
- رُوي عن النبيّ صلّى الله عليه وآله، قال: «إنَّ أَخْوَفَ ما أخافُ عليكُم الشِّركُ الأصغَرُ،
قيل: وما الشِّركُ الأصغر؟
قال: الرِّياء، يقولُ اللهُ، عَزَّ وَجَلَّ، يومَ القِيامَةِ إذا جازَى العِبادَ بِأَعْمالِهِمْ: اذْهَبُوا إلى الَّذينَ كُنْتُمْ تُراؤونَ فِي الدُّنْيا، هَلْ تَجِدونَ عِنْدَهُمْ ثَوابَ أَعْمالِكُمْ؟».
- وقال الصادق عليه السلام لعبّاد بن كثير البصري في المسجد: «وَيلكَ يا عَبّادُ، إيّاكَ والرِّياءَ، فإنَّهُ مَنْ عَمِلَ لِغَيرِ اللهِ وَكَلَهُ اللهُ إلى مَنْ عَمِلَ لَهُ».
* الصِّدق: وذلك باجتناب الكذب والافتراء على الله تعالى وعلى حُججه وعلى العلماء، ولا يخلط الحديث، ولا يُدَلِّس...
- رُوي عن أبي جعفر الباقر عليه السلام، قال: «إِنَّ اللهَ عَزَّ وجَلَّ جَعَلَ لِلشَّرِّ أَقْفَالاً، وجَعَلَ مَفَاتِيحَ تِلْكَ الأَقْفَالِ الشَّرَابَ، والْكَذِبُ شَرٌّ مِنَ الشَّرَابِ».
- وعن الإمام الصادق عليه السلام: «لَا تَنْظُرُوا إِلَى طُولِ رُكُوعِ الرَّجُلِ وسُجُودِه، فَإِنَّ ذَلِكَ شَيْءٌ اعْتَادَه، فَلَوْ تَرَكَهُ اسْتَوْحَشَ لِذَلِكَ، ولَكِنِ انْظُرُوا إِلَى صِدْقِ حَدِيثِه وأَدَاءِ أَمَانَتِه».
* اجتنابُ الغناء: عن أبي بصير، قال: «كنتُ عند أبي عبد الله (الصادق) عليه السلام، فقال له رجل: بأبي أنتَ وأمّي، إنّي أدْخُلُ كَنيفاً لي. ولي جِيران، وعندهم جَوارٍ يَتَغَنِّينَ ويَضْرِبْنَ بِالعُودِ، فربّما أطَلْتُ الجُلوسَ استماعاً مِنِّي لَهُنّ.
فقال: لا تَفْعَلْ.
فقال الرجلُ: واللهِ ما آتِيهُ بِرِجلي، وَإنّما هو سَماعٌ أسْمَعُه بِأُذُني.
فقال عليه السلام: تَاللهِ أَنْتَ، أَما سَمِعْتَ اللهَ يَقولُ: ﴿..إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا﴾؟ (الإسراء:36)
فقال: بَلى والله، لكأنّي لم أسمَعْ بهذه الآية من كتابِ اللهِ من عَجَميٍّ ولا عَرَبِيٍّ، إنّي لا أعُودُ إنْ شاءَ اللهُ، وإنّي أستغفرُ الله.
فقال له الإمام الصادق عليه السلام: قُمْ فَاغْتَسِلْ وَصَلِّ ما بَدا لكَ، فإنّكَ كُنْتَ مُقيماً على أمْرٍ عَظيمٍ، ما كانَ أسْوَأَ حالَكَ لو مُتَّ على ذلِكَ، احْمدِ اللهَ وسَلْهُ التَوبةَ مِنْ كُلِّ ما يَكْرَه، فَإنّه لا يَكْرَهُ إلَّا القَبيحَ، والقَبيحُ دَعْهُ لأهْلِهِ؛ فإنَّ لكُلٍّ أَهلاً».

* أن لا يغرّ المجرمين، ولا يقول ما يتجرّأ به الفاسقون:  فإنّ الفقيه كلّ الفقيه مَن لم يُقنِط الناسَ من رحمة الله، ولم يُؤيسهم من رَوح الله، ولم يُؤمِنْهم مكرَ الله تبارك وتعالى.
* أن لا يصغّر المعاصي في الأنظار: ففي وصايا النبيّ صلّى الله عليه وآله، لابن مسعود: «لَا تُحَقِّرَنَّ ذَنْباً ولا تُصَغِّرَنَّهُ، واجْتَنِبِ الكَبائِرَ، فَإنَّ العَبْدَ إذا نَظَرَ، يَومَ القِيامَةِ، إلى ذُنُوبِهِ دَمعَتْ عَيناهُ قَيْحاً وَدَماً، يقولُ اللهُ تَعالى: ﴿يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا..﴾ (آل عمران:30)».
* أن لا يفسِّر آيات القرآن برأيه: فقد صحّ عن النبيّ صلّى الله عليه وآله، وعن الأئمّة القائمين مقامه عليهم السلام، أنّ تفسير القرآن لا يجوز إلّا بالأثر الصحيح، والنصّ الصحيح.
* أن لا يذكر للأخبار المعاني الفاسدة الباطلة: ولا يتصرّف فيها التصرّفات الباردة كما شاع وذاع في عصرنا، أعاذنا الله تعالى.
* أن لا يذكر ما يُنقص الأنبياء العظام والأوصياء الكرام، إذا أراد رفعَ مقامات الأئمّة عليهم السلام.
* أن لا يذكر الشُّبهات في مسائل أصول الدين: إذا لم يقدر أن يرفعها من الأذهان بأحسن بيان، ولا يخرّب أساس أصول دين المسلمين.

* أن يستعمل الرّفقَ واللِّين: والرفق أصلٌ عظيمٌ في جميع الأمور، وكان في آخر وصيّة الخضر لموسى عليهما السلام: «لا تُعَيِّرَنَّ أحداً بِذَنْبٍ، وإِنَّ أَحَبَّ الأمورِ إلى اللهِ عَزَّ وجَلَّ ثلاثةٌ: القَصْدُ فِي الجِدَةِ، والعَفْوُ في المَقْدِرَة، والرِّفْقُ بِعِبادِ الله، وما رَفَقَ أَحَدٌ بِأحَدٍ في الدُّنيا إلَّا رَفَقَ اللهُ عزَّ وجَلَّ بِه يَوْمَ القِيامَةِ». (الجِدَة، بالدّال المخفّفة، السّعةُ والرَّغَد)
* أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر: قال النبيّ صلّى الله عليه وآله: «إِذَا ظَهَرَتِ الْبِدَعُ فِي أُمَّتِي فَلْيُظْهِرِ الْعَالِمُ عِلْمَه، وإلَّا فَعَلَيْه لَعْنَةُ الله والمَلائكةِ والنّاسِ أجْمَعِين».
- وقال صلّى الله عليه وآله: «لا يَزالُ النّاسُ بِخَيْرٍ ما أمَروا بِالمَعروفِ ونَهَوا عَنِ المُنكَرِ وتَعاوَنوا عَلَى البِرِّ وَالتَّقوى، فَإِذا لَم يَفعَلوا ذلِكَ نُزِعَت مِنهُمُ البَرَكاتُ، وسُلِّطَ بَعضُهُمْ عَلى بَعض، ولَم يَكُن لَهُم ناصِرٌ فِي الأَرضِ ولا فِي السَّماءِ».
- وعن الرضا عليه السلام: «كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: إِذَا أُمَّتِي تَوَاكَلَتِ الأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ والنَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ، فَلْيَأْذَنُوا بِوِقَاعٍ مِنَ الله تَعَالَى».
بيان: تَواكلتْ: أي اتّكل كلّ واحدٍ على الآخر ووَكَل الأمر إليه. والوِقاع: النازلة الشديدة أو الحرب
* أن لا يقول ما يُشعِر بذلّة أبي عبد الله الحسين وأهل بيته المكرمين عليهم السّلام: فإنّه كان سيّد أهل الإباء والحميّة، الذي علّم الناس الموتَ تحت ظلال السيوف اختياراً على الدَّنِيّة، ونادى برفيع صوته يومَ عاشوراء: «أَلا وَإِنَّ الدَّعِيَّ ابْنَ الدَّعِيِّ قَدْ رَكَزَ بَيْنَ اثنَتَيْنِ؛ بَيْنَ السِّلَّةِ وَالذِّلَّةِ، وهَيْهاتَ مِنَّا الذِّلَّةُ! يأْبَى اللهُ ذلِكَ لَنا وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ..».

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد

مواقيت الصلاة