من التاريخ

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ محمد صنقور
عن الكاتب :
عالم دين بحراني ورئيس مركز الهدى للدراسات الإسلامية

أول شهيدٍ يوم الطف (2)


الشيخ محمد صنقور

بقي الكلام فيما أفاده بعض العلماء من أن مسلم كان أول قتيل بين يدي الحسين (ع) بعد الحملة الأولى، وهذا معناه أنه لم يكن أول قتيل استُشهد بن يدي الحسين (ع)، وهذه الدعوى يمكن استظهارها مما سرده محمد بن أبي طالب من تفاصيل سير المعركة بحسب نقل صاحب البحار وكذلك يمكن استظهارها من العرض الذي قدَّمه جمع من المؤرخين كالطبري وابن الأثير لتفاصيل المعركة.
 إلا أن ذلك لا يمكن التعويل عليه بعد التصريح الوارد في زيارة الناحية المقدسة والتي ورد فيها: "... وكنتَ أول من شرى نفسه وأول شهيد من شهداء الله قضى نحبه" فإن هذه الفقرة صريحة في أنَّ مسلم بن عوسجة كان أول شهداء الطف على الإطلاق، فلو كان قد سبقه للشهادة أحد من أصحاب الحسين (ع) لما صحَّ أن يُوصف بأنه أول من شرى نفسه وأنه أولُ شهيدٍ من شهداء الله، فإن هذا الوصف إنما يصدق على من قُتل أولاً وإلا فكلُّ واحدٍ أصحاب الحسين (ع) كان قد شرى نفسه، وكلُّ واحدٍ منهم يصح وصفه بأنَّه من شهداء الله تعالى، فلا خصوصية لمسلم إلا من جهة الأولية ولو كان قد سبقه غيره لكان هو الحقيق بوصف الأولية، فحمل الوصف بالأوليَّة على الأوليَّة بعد الحملة الأولى خلاف ما هو المتفاهم عرفاً من الفقرة الواردة في زيارة الناحية، وكذلك هو خلاف النصوص التأريخية التي أشرنا إليها، فبعضها كان صريحاً والبعض الآخر كان ظاهراً.

 هذا أولاً، وثانياً: فإنَّ النصوص التي استُظهر منها أنَّ مسلم بن عوسجة كان أول الشهداء بعد الحملة الأولى لم تكن صريحة في انَّ العرض لتفاصيل المعركة كان على أساس الترتيب الزماني بنحو الدقة فكان جلُّ اهتمام هذه النصوص هو العرض لتفاصيل ما وقع في المعركة بقطع النظر عن تقدم بعض فصولها على البعض الآخر، ولذلك نجد اختلافاً في ترتيب الوقائع بين هذه النصوص رغم اتحادها في كثيرٍ من المضامين.
 وهذا بخلاف الفقرة الواردة في زيارة الناحية والتي هي متصدِّية للتنصيص على أنَّ مقتل مسلم كان أولاً بالإضافة إلى مجموع الشهداء، وكذلك هو النص الوارد في كتاب البداية والنهاية وهكذا هو ظاهر ما نقلناه عن أبي مخنف وجواهر المطالب لابن الدمشقي.
والمتحصَّل من مجموع ما ذكرناه أنَّ مقتضى التحقيق هو أنَّ أول شهيدٍ من أصحاب الإمام الحسين (ع) يوم عاشوراء هو مسلم بن عوسجة الأسدي.

 وأما أول من استشهد من الهاشمين فهو علي بن الحسين الأكبر (ع) كما أفاد ذلك الكثير من المؤرخين(7) وكذلك يمكن استشعاره مما ورد في زيارة الناحية المخصَّصة للشهداء قال (ع): "السلام عليك يا أول قتيل من نسل خير سليل من سلالة إبراهيم الخليل"(8)، فهذه الفقرة وإن لم تكن صريحة في أن الأكبر هو أول قتيل من الهاشميين وذلك لأنها تحتمل معنيين:
الاحتمال الأول: إنَّ المراد من خير سلسل هو الحسين (ع) وبناء على هذه المعنى يكون المراد من الرواية أنَّ علي الأكبر هو أول قتيلٍ من أولاد الحسين (ع) وهو لا يمنع من أن يكون قد سبقه أحد من الشهداء من أولاد الحسن (ع) أو أولاد عقيل ابن أبي طالب.
 الاحتمال الثاني: إن المراد من خير سليل هو الرسول (ص) وحينئذٍ تكون الرواية مقتضية لاستظهار أنَّ الأكبر هو أول الشهداء من أولاد الرسول (ص) فيكون قد سبَق أولاد الحسن (ع) في الشهادة ولكنها لا تقتضي أن يكون قد سبق أولاد عقيل بن أبي طالب.

 فالرواية على كلا الاحتمالين لا تدلُّ بنفسها على أنَّ الأكبر (ع) كان أول شهيدٍ من بني هاشم إلا أنْ يُضم إليها عدم نقل أحدٍ من المؤرخين هذه المنقبة لغيره من الهاشمين ممن استُشهد يوم الطف، نعم ورد في بعض النصوص التأريخية المتصدية لاستعراض تفاصيل المعركة يوم الطف ما يظهر منه تأخر مقتل علي الأكبر عن مقتل عبد الله بن مسلم بن عقيل إلا أنَّ ذلك ينبغي أن لا ينافي ما ذكره أكثر المؤرخين لعين ما ذكرناه فيما يرتبط بمسلم بن عوسجة.
 وعلى أيِّ تقدير فإنه يكفي لإثبات أنَّ الأكبر كان أول الشهداء من بني هاشم تكاثر النقل لذلك عن المؤرخين من الفريقين ولم نقف على من ذكر غير ذلك بنحو التنصيص.
 نعم ورد في كتاب مقاتل الطالبيين أنَّ عليَّ الأكبر (ع) هو أول من قُتل في الواقعة(9)، وهذا النص لا ينافي ما ذكره المؤرخون من أنَّه اول شهداء بني هاشم ولكنه ينافي ما نصَّ عليه المؤرخون من أنَّ أول الشهداء على الإطلاق كان مسلم بن عوسجة، وعليه لا يصُّح التعويل على ما أفاده أبو الفرج في مقاتل الطالبيين وذلك لتوافق النصوص رغم اختلافها على أنَّ الأكبر (ع) لم يكن أول قتيلٍ يوم الطف. فلعلَّ مقصود أبي الفرج الأصفهاني هو ما عليه سائر المؤرخين من أنَّ الأكبر هو أول الشهداء من الهاشميين، ويمكن تأييد ذلك بأنه كان بصدد التوثيق لمقاتل الطالبيين دون غيرهم، وبذلك صحَّ له أن يقول إنَّ علي الأكبر هو أول الشهداء في واقعة كربلاء، أي أنه أول الشهداء من الطالبيين في واقعة كربلاء.

وأما آخر من استُشهد من أصحاب الإمام الحسين (ع) فهو سويد بن عمرو بن أبي المطاع الخثعمي، نصَّ على ذلك أبو مخنف في مقتل الحسين (ع) قال: "كان آخر من بقي مع الحسين (ع) من أصحابه سويد بن عمرو بن أبي المطاع الخثعمي..."(10)، وقال: "... كان صُرع فأُثخن فوقع بين القتلى مثخناً فسمعهم يقولون: قُتل الحسين فوجد فاقةً فإذا معه سكين وقد أُخذ سيفه فقاتلهم بسكينه ساعةً ثم انه قتله عروة بن بطار التغلبي وزيد بن رقاد الجنبي وكان آخر قتيل"(11).
ونص على ذلك أيضاً الكثير من المؤرخين من الفريقين مثل ابن طاووس في اللهوف وابن نما في كتابه مثير الأحزان والطبري في تاريخه وابن الأثير في كتابه الكامل في التاريخ وغيرهم(12).
 وهل كان العباس بن علي (ع) هو آخر من استُشهد من الهاشميين؟ الظاهر أنه لم يكن كذلك نعم هو من أواخر من قُتل من الهاشميين ولعلَّه آخر المقاتلين من بني هاشم إذ إنَّ المنصوص عليه أنَّ من استُشهد بعده من الهاشميين هو عبد الله بن الحسن بن علي وهو غلام لم يُراهق نعم ثمة نصوص يظهر منها أن غير عبد الله بن الحسن (ع) قُتل أيضاً بعد العباس بن علي (ع)(13)، وأما ما نقل عن الشعبي في تذكرة الخواص من أنَّ العباس بن علي هو أول من قتل من الهاشميين فهو قول شاذ لا يُعبأ به.
 ـــــــــــــــــــــــــــــ
7- الكامل في التاريخ: ج4/73، الأخبار الطوال للدينوري: 256، تاريخ الطبري: ج4/340، البداية والنهاية لابن كثير: ج8/200.
8- إقبال الأعمال لابن طاووس: ج3/76، المزار للشهيد الأول: 151، المزار لابن المشهدي: 491.
9- مقاتل الطالبيين لأبي الفرج الأصفهاني: 52.
10- مقتل الحسين (ع) -أبو مخنف الأزدي- ص 160.
11- مقتل الحسين (ع) لأبي مخنف الأزدي: 155، 160، 201.
12- اللهوف لأبن طاووس: 66، مثير الأحزان لإبن نما الحلّي: 49، الكامل في التاريخ لابن الأثير: ج4/74، تاريخ الطبري: ج4/339.
13- الإرشاد للشيخ المفيد: ج2/109.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد

مواقيت الصلاة