علمٌ وفكر

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ عبدالهادي الفضلي
عن الكاتب :
الشيخ الدكتور عبدالهادي الفضلي، من مواليد العام 1935م بقرية (صبخة العرب) إحدى القرى القريبة من البصرة بالعراق، جمع بين الدراسة التقليدية الحوزوية والدراسة الأكاديمية، فنال البكالوريوس في اللغة العربية والعلوم الإسلامية ثم درجة الدكتوراه في اللغة العربية في النحو والصرف والعروض بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف، له العديد من المؤلفات والمساهمات على الصعيدين الحوزوي والأكاديمي.rnتوفي في العام 2013 بعد صراع طويل مع المرض.

نقد وتعريف (الوضع)


الشيخ عبد الهادي الفضلي ..

لعلماء أصول الفقه في مجال اللغة وفي حدود ما يرتبط بطبيعة بحوثهم الأصولية تجارب ذات أصالة وعمق، كشفوا فيها عن واقع بعض المصطلحات والمفاهيم اللغوية ضمن منهج علمي متين، بما لم يوفَّق لمثله علماء اللغة. وكانت الحلقة المفقودة في سلسلة هذه البحوث ـ أصولية ولغوية ـ هي عدم التلاقح بينها، وإبعادها عن مجال التّفاعل في كثير من حدودها وأطرافها بغية أن تأتي النتائج أكثر عطاءً وأقرب إلى إصابة واقعها الأصيل. وأوّل محاولة لذلك ـ فيما أعلم ـ هي محاولة أستاذي الحجة السيدمحمَّد تقي الحكيم عميد كلية الفقه، حيث قام ببحث قيّم منهجاً وتركيزاً حول (تجارب الأصوليين في المجالات اللغوية) وفي حدود مفهوم (الوضع). ألقاه في دورة مجمع اللغة العربية المنعقد ببغداد بصفته عضوًا في المجمع العلمي العراقي([1]) ونشر مستقلاً من قبل المجمع العلمي العراقي وباسم دورة مجمع اللغة العربية ووزع على أعضاء المجمعين وينشر الآن تباعاً في مجلة (النجف)([2]) تقديرًا للبحث وتعميمًا لفائدته وإسهامًا منها في نشر هذه المحاولة. وكانت هذه المحاولة ناجحة، وفق فيها أستاذنا العميد ـ إلى حد كبير ـ إلى صنع تلك الحلقة المفقودة في أمثال هذه البحوث التي تشكّل بدورها لبنات الأساس لعلمَي اللغة وأصول الفقه وكان هو ـ فيما أعتقد ـ الرّائد الأول الذي جمع بين المنهجين الأصولي واللغوي في دراسة واحدة. وقد بدا لي حين قراءته شيء من الملاحظة، رغبتُ في أن أعرضها مساهمة مني في هذه المحاولة الكريمة، آملاً أن ترى بالاعتبار ـ إن كانت تستحق ـ من قبل سيدي الأستاذ وأمثاله من أعلام هذا المضمار. والملاحظة تدور حول تقسيمات (الوضع) وخلاصتها:

1.  إنّ سيدي الأستاذ اختار أنّ اللغة ظاهرة اجتماعية نشأت بسبب الحاجة إلى التّفاهم وليست هي توقيفيّة كما يذهب بعضهم؛ يقول: (والواقع العلمي المبني على الاستقراء لا ينهض بغير دعاوى الاصطلاح وليس لدينا من الأدلّة التي عرضوها ما يوقف الأخذ بها على الإطلاق).
وهذا القول ـ أعني أنّ اللغة ظاهرة اجتماعية ـ لا يتمشى والتّقسيم الثّنائي للوضع وهو تقسيمه إلى التعييني والتّعيني. ووجهه: إنّ من أهم خصائص الظاهرة الاجتماعية هي (التّلقائية)، والتّصريح بالوضع الذي هو قوام الوضع التعييني ينافي التّلقائية لما فيه من حتمية القصد إلى الوضع. وفي ضوئه: يكون تقسيم الوضع ـ هنا ـ إلى التّعييني والتعيني من قبيل تقسيم الشيء إلى نفسه وغيره.
2.  إنّ تصوّر العنوان والوضع للمعنون في التّقسيم الرباعي (الوضع العام والموضوع له العام ...إلخ) ينافي التّلقائية أيضاً؛ لاقتضاء التّصور حتمية القصد إلى الوضع كما في سابقه.
والذي يتمشّى وطبيعة خصيصة التّلقائية في اللغة كظاهرة اجتماعية، أن يقال: إنّ تصوّر المعنى حالة الوضع يكون مقصوراً على الجزئي المشاهَد حين الوضع، ثم حينما يشاهد ما يماثله يستعمل فيه اللفظ من باب (تداعي المعاني)، وهكذا حتى ينتشر ويعمّ.وفي ضوء ما تقدّم يترتب:
•  إمّا أن نقول ﺑ(التّوقيفية) إذا تمّت أدلّتها.
•  أو نقول بأنّ التّقسيم الثنائي الذي ذكره الأصوليون مجرّد تصوّر ذهني غير مستمَد من واقع الوضع، وأنّ التّقسيم الرباعي هو من قبيل التّعليل بعد الورود كما يفعل النحويون في تعليل استعمالات العرب.

وربّما تُوَجّه الملاحظة المذكورة بما أشار إليه سيدي الأستاذ من رأي بعض أعلام المحققين، حيث قرّب أنّ تقسيمات الوضع لا تتأتى من البدائيين، غير أنّها تصحّ بعد مرور البشر بمراحل حضاريّة. إلاّ أنّ الذي ذهب إليه هو الآخر يتنافى وطبيعة التلقائية. وربما كان ـ دام ظلّه ـ يقصد من صحة التّقسيم بعد مرور البشر بمراحل حضاريّة ما يماثل (الوضع) من قِبَل المجامع اللغوية والعلمية. إلا أنّه يلاَحظ عليه: أنّ (الوضع) من قِبَل المجاميع وما يماثله مما يتوفّر في القصد وعنصر الإرادة هو ظاهرة علمية نشأت نتيجة التّأثر بالظاهرة الاجتماعية، وهي حاجة المجتمع إلى الألفاظ كوسائل للتّفاهم والمحاورة، وهو ما يُسمى في عرف علماء الاجتماع ﺑ(الترابط)، والذي يُعدّ هو الآخر من أهم خصائص الظاهرة الاجتماعية. ويقرّبه: أنّ المجتمع حينما يحتاج إلى استعمال لفظ لمعنى جديد لا ينتظر ما تصدره المجامع، وإنّما يَستعمل اللفظ الأجنبي الدّال على المعنى أو لفظاً مخترعاً تلقائياً، ثم وبعد أن يُصدر المجمع أسماءه ومصطلحاته ويُلزم باستعمالها وثبت تدريجياً تصبح هي الألفاظ الدالة على المعاني الجديدة.وأخيراً: ربما كان رأي المحقق النائيني (قدس سره) يلتقي إلى حدٍّ قريب وواقع اللغة كظاهرة اجتماعية، لاسيّما إذا فُهم من كلام مقرر بحثه الذي نقله سيدي الأستاذ: إنّ بواعث الوضع تعود إلى فطرة الاجتماع التي وُلد الإنسان وهو مزوّد بها من قبل الله تعالى، والتي تشير إليها الآية الكريمة: (ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى). وعلى أساس منه: يكون ما قام به العلماء من بحوث أصولية ولُغوية ما هي إلا ظواهر علمية تأثّرت مترابطة بتلك الظاهرة الاجتماعية، أو جاءت لتفسيرها وتعليلها، ودرجها ضمن وحدة منظمة. هذا ما حاولت أن ألاحظه، ولست أدري مدى نجاحي أو فشلي. والله تعالى وليّ التّوفيق ومنه العصمة

الهوامش:
([1]) [وقد ألقاه أيضاً في مجمع اللغة العربية في القاهرة يوم الخميس 25/11/1965م، لاحظ: ثمرات النجف في الفقه والأصول والأدب والتاريخ، هامش ص: 111، دار الزهراء، ط2، 1412هـ/1991م.] ([2])[نشر في مجلة النجف في العددين الأوّل والثاني من سنتها الأولى 1385هـ-1386هـ/1966م، لاحظ المصدر السابق.]

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد

مواقيت الصلاة