من التاريخ

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
عن الكاتب :
أحد مراجع التقليد الشيعة في إيران

أصحاب القرية (2)

 

الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
موقف الناس من المؤمن المضحي:
لكن لننظر ماذا كان رد فعل هؤلاء القوم إزاء المؤمن الطاهر؟
القرآن لا يصرح بشيء حول ذلك، ولكن يستفاد من طريقة الآيات التالية بأنهم ثاروا عليه وقتلوه.
نعم فإن حديثه المثير والباعث على الحماس والمليء بالاستدلالات القوية الدامغة، والملفتات الخاصة والنافذة إلى القلب، ليس لم يكن لها الأثر الإيجابي في تلك القلوب السوداء المليئة بالمكر والغرور فحسب، بل إنها على العكس أثارت فيها الحقد والبغضاء وسعرت فيها نار العداوة، بحيث أنهم نهضوا إلى ذلك الرجل الشجاع وقتلوه بمنتهى القسوة والغلظة. وقيل أنهم رموه بالحجارة، وهو يقول: اللهم أهد قومي، حتى قتلوه.
وفي رواية أخرى أنهم وطئوه بأرجلهم حتى مات.

ولقد أوضح القرآن الكريم الحقيقة بعبارة جميلة مختصرة هي ﴿ قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ ﴾ وهذا التعبير ورد في خصوص شهداء طريق الحق في آيات أخرى من القرآن الكريم ﴿ وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ﴾.
والجدير بالذكر والملاحظة أن هذا التعبير يدلل على أن دخوله الجنة كان مقترنًا باستشهاده شهادة هذا الرجل المؤمن، بحيث أن الفاصلة بين الاثنين قليلة إلى درجة أن القرآن المجيد بتعبيره اللطيف ذكر دوله بدلًا عن شهادته، فما أقرب طريق الشهداء إلى السعادة الدائمة!!
على كل حال فإن روح ذلك المؤمن الطاهر، عرجت إلى السماء إلى جوار رحمة الله وفي نعيم الجنان، وهناك لم تكن له سوى أمنية واحدة ﴿قال يا ليت قومي يعلمون﴾.
يا ليت قومي يعلمون بأي شيء ﴿بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين﴾.
وفي حديث عن الرسول (ص) فيما يخص هذا المؤمن ﴿انه نصح لهم في حياته وبعد موته﴾.
وعلى كل حال فقد كان هذا مآل هذا الرجل المؤمن المجاهد الصادق الذي أدى رسالته ولم يقصر في حماية الرسل الإلهيين، وارتشف في النهاية كأس الشهادة، وقفل راجعًا إلى جوار رحمة ربه الكريم.

نهاية عمل أنبياء ثلاثة:
مع أن القرآن الكريم لم يورد شيئًا في ما انتهى إليه عمل هؤلاء الثلاثة من الرسل الذين بعثوا إلى هؤلاء القوم، لكن جمعًا من المفسرين ذكروا أن هؤلاء قتلوا الرسل أيضًا إضافة إلى قتلهم ذلك الرجل المؤمن، وفي حال أن البعض الآخر يصرح بأن هذا الرجل الصالح شاغل هؤلاء القوم بحديثه وبشهادته لكي يتسنى لهؤلاء الرسل التخلص ممل حيك ضدهم من المؤامرات والانتقال إلى مكان أكثر أمنًا.

عاقبة القوم الظالمين:
رأينا كيف أصر أهالي مدينة أنطاكية على مخالفة الإلهيين والآن لننظر ماذا كانت نتيجة عملهم ؟
القرآن الكريم يقول في هذا الخصوص: ﴿ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِن بَعْدِهِ مِنْ جُندٍ مِّنَ السَّمَاء وَمَا كُنَّا مُنزِلِينَ ﴾
فلسنا بحاجة إلى تلك الأمور وأساسًا فإنه ليس من سنتنا لإهلاك قوم ظالمين أن نستخدم جنود من السماء لأن إشارة واحدة كانت كافية للقضاء عليهم جميعًا وإرسالهم إلى ديار العدم والفناء، إشارة واحدة كانت كافية لتبديل عوامل حياتهم ومعيشتهم إلي عوامل موت وفناء وفي لحظة خاطفة تقلب حياتهم عاليها سافلها.
ثم يضيف تعالى ﴿ إِن كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ ﴾...
هل أن تلك الصيحة كانت صدى صاعقة نزلت من الغيوم على الأرض وهزت كل شيء ودمرت كل عمران موجود وجعلت القوم من شدة الخوف والوحشة يستسلمون للموت ؟ أو إنها كانت صيحة ناتجة عن زلزلة خرجت من قلب الأرض فضجت في الفضاء بحيث أن موج انفجارها أهلك الجميع.
أيًّا كانت فإنها لم تكن سوى صيحة لم تتجاوز اللحظة الخاطفة في وقوعها، صيحة أسكتت جميع الصيحات، هزة أوقفت كل شيء عن التحرك وهكذا قدرة الله سبحانه وتعالى، وهكذا هو مصير قوم ضالين لا ينفع فيهم.

قصة رسل أنطاكية في تفسير مجمع البيان:
(الطبرسي) - أعلى الله مقامه - في تفسير مجمع البيان يقول: قالوا بعث عيسى رسولين من الحواريين إلى مدينة أنطاكية، فلما قربا من المدينة رأيا شيخُا يرعى غنيمات له وهو (حبيب) صاحب (يس) فسلما عليه.
فقال الشيخ لهما: من أنتما ؟
قالا: رسولا عيسى، ندعوكم من عبادة الأوثان إلى عبادة الرحمن.
فقال: أمعكما آية ؟
قالا: نعم، نحن نشفي المريض ونبرى الأكمه والأبرص بإذن الله.
فقال الشيخ: إن عندي ابنًا مريضًا صاحب فراش منذ سنين.
قالا: فانطلق بنا إلى منزلك نتطلع حاله، فذهب بهما فمسحا ابنه فقام في الوقت بإذن الله صحيحًا، ففشا الخبر في المدينة وشفى الله على يديهما كثيرًا من المرضى.
وكان لهم ملك يعبد الأصنام فانتهى الخبر إليه، فدعاهما فقال لهما: من أنتما ؟
قالا: رسولا عيسى، جئنا ندعوك من عبادة ما لا يسمع ولا يبصر إلى عبادة من يسمع ويبصر.
فقال الملك: ولنا إله سوى آلهتنا ؟
قالا: نعم، من أوجدك وآلهتك.
قال: قوما حتى أنظر في أمركما، فأخذهما الناس في السوق وضربوهما.

وروي أن عيسى عليه السلام بعث هذين الرسولين إلى أنطاكية فأتيا ولم يصلا إلى ملكها وطالت مدة مقامهما فخرج الملك ذات يوم فكبرا وذكرا الله فغضب الملك وأمر بحبسهما، وجلد كل واحد منهما مائة جلدة، فلما كذب الرسولان وضربا، بعث عيسى (شمعون صفا) رأس الحواريين على أثرهما لينصرهما، فدخل شمعون البلدة متنكرًا فجعل يعاشر حاشية الملك حتى أنسوا به فرفعوا خبره إلى الملك فدعاه ورضي عشرته وأنس به وأكرمه، ثم قال له ذات يوم: أيهما ملك بلغني أنك حبست رجلين في السجن وضربتهما حين دعواك إلى غير دينك فهل سمعت قولهما. قال الملك حال الغضب بيني وبين ذلك. قال: فإن رأى الملك دعاهما حتى نتطلع ما عندهما فدعاهما الملك.
فقال: لهما شمعون: من أرسلكما إلى هاهنا.
قالا: الله الذي خلق كل شيء لا شريك له.
قال: وما آيتكما.
قالا: ما تتمناه.
 فأمر الملك أن يأتوا بغلام مطموس العينين وموضع عينه كالجبهة. فما زال يدعوان حتى انشق موضع البصر بندقتين من الطين فوضعاها في حدقتيه فصارا مقلتين يبصر بهما، فتعجب الملك.
فقال شمعون للملك: أرأيت لو سألت إلهك حتى يصنع صنيعًا مثل هذا فيكون لك ولإلهك شرفًا ؟
فقال الملك: ليس لي عنك سر، إن إلهنا الذي نعبده لا يضر ولا ينفع.
ثم قال الملك للرسولين: إن قدر إلهكما على إحياء ميت آمنا به وبكما.
قالا: إلهنا قادر على كل شيء.
فقال الملك: إن هاهنا ميتًا مات من سبعة أيام لم ندفنه حتى يرجع أبوه-وكان غائبًا- فجاءوا بالميت وقد تغير وأروح، فجعلا يدعوان ربهما علانية، وجعل شمعون يدعو ربه سرًّا، فقام الميت وقال لهم: إني قد من منذ سبعة أيام وأدخلت في سبعة أودية من النار وأنا أحذركم مما أنتم فيه، فآمنوا بالله فتعجب الملك.
فلما علم شمعون إن قوله أثر في الملك، دعاه إلى الله فآمن وآمن من أهل مملكته قوم وكفر آخرون.
ونقل (العياشي) في تفسيره مثل هذه الرواية عن الإمام الباقر والصادق عليهما السلام مع بعض التفاوت... ولكن بمطالعة الآيات السابقة، يبدو من المستبعد أن أهل تلك المدينة كانوا قد آمنوا، لأن القرآن الكريم يقول ﴿ إِن كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ ﴾. ويمكن أن يكون هناك أشباه في الرواية من جهة الراوي.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد

مواقيت الصلاة