مقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ علي رضا بناهيان
عن الكاتب :
ولد في عام 1965م. في مدينة طهران وكان والده من العلماء والمبلغين الناجحين في طهران. بدأ بدراسة الدروس الحوزوية منذ السنة الدراسية الأولى من مرحلة المتوسطة (1977م.) ثم استمرّ بالدراسة في الحوزة العلمية في قم المقدسة في عام 1983م. وبعد إكمال دروس السطح، حضر لمدّة إثنتي عشرة سنة في دروس بحث الخارج لآيات الله العظام وحيد الخراساني وجوادي آملي والسيد محمد كاظم الحائري وكذلك سماحة السيد القائد الإمام الخامنئي. يمارس التبليغ والتدريس في الحوزة والجامعة وكذلك التحقيق والتأليف في العلوم الإسلامية.

لنعجّل فرجه


الشيخ علي رضا بناهيان
إنّ أفضل طريق لاسترقاق الناس هو تخريب معارفهم وحرفهم عن الحقائق. وكثيراً ما يتحقّق هدف تحريف الحقائق عبر رواج نظرة عاميّة [سطحيّة]. فإنّ السبيل الأمثل للغفلة عن الحقائق المهمّة في العالم التي لا مفرّ من التوجّه إليها هو الغرق في النظرة العاميّة [السطحيّة]، وبالتالي امتلاك رؤية باطلة حول الحقائق.
•إبهام وجهل كبير
إنّ النظرة السطحيّة إذا ما سرَت إلى موضوع أساس وحيويّ كموضوع "المخلّص"، فإنّها تسبّب خطراً مضاعفاً وضرراً أكثر على الموضوع. وسيتضاعف خطرها وتزداد أضرارها؛ وذلك في الوقت الّذي تعدّ هذه النظرة وبسبب ما يحيط بها من إبهامات كثيرة وجهل كبير، من أشدّ المسائل الرائجة بين الشعوب المعتَقِدة بظهور المخلّص.
وهذه النظرة السطحيّة للمنقذ، موجودة لدى أديان العالم كافّة؛ زاعمين ظهور رجل راكب على فرسه يُغيّر العالم بـ"إعجاز" يدَيْه لا غير، ويقلبه رأساً على عقب من دون حاجة إلى مشايَعة الناس ووعيهم، ويهب السعادة للإنسان بعيداً عن السنن الإلهيّة، وعن كلّ ما هو مسنون في طبيعة الحياة البشريّة.
•النظرة السطحيّة تؤخّر الفرج
من نماذج وأمثلة هذه النظرة السطحيّة، "أنّنا ننتظر المخلّص، ولكن لا نحتاج إلى التمهيد لذلك". وأيضاً "أنّنا لا نحتاج إلى معرفة آليّات حركة المخلّص" وعناصر أخرى... وأقلّ ما تتسبّبه هذه النظرة من ضرر هي أنّها لا تحدّد وظيفتنا تجاه نصرة المخلّص ومسؤوليّتنا في التمهيد لقيامه.
إنّ الإقبال العامّ على المخلّص واهتمام الناس بهذا الموضوع الشريف، وإن كانا يُوفّران مجالاً مناسباً لفهمه وإدراكه بشكل أعمق... إلا أنّنا لو نظرنا إلى مجموعة المنتظرين، لوجدنا أنّ الكثير منهم لا يحملون الفهم اللّازم لهذا لموضوع. وهذا الأمر يتسبّب في بروز الكثير من الأخطاء في عملهم، اليوم، بصفتهم منتظرين. وهذه الأخطاء بطبيعة الحال لا تترك للانتظار أثراً وجدوى، بل قد تؤول إلى تأخير الفرج أيضاً.
والإنسان المغموم والمهموم، الذي يرى سُبل النجاة مغلقة في وجهه، ولا يستطيع حلّ مشاكله، لا مفرّ له سوى التعلّق بأيّ بصيص يبعث في قلبه الأمل للمخلّص، والتشبّث كالغريق بكل احتمال يؤدّي إلى النجاة. ومن الطبيعيّ في مثل هذه الأجواء، أن تسود النظرة السطحيّة والمزاعم السطحيّة.
في حين أنّ تعزيز روح الأمل بالفرج، بل وحتّى تعجيله والنجاة في ضوئه، تحتاج أوّلاً إلى النجاة من هذه النزعة السطحيّة؛ لأنّ إرادة الله سبحانه وتعالى تعلّقت بأن يكون الإنسان ممهّداً لتغيير الأوضاع في العالم، من خلال حركته الواعية: ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّی يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ﴾ (الرعد: 11).

•من نماذج النظرة السطحيّة للمخلّص: 
-قيام خارج عن السنن الإلهيّة

يعود جزء من النظرة السطحيّة المتعلّقة بظهور المخلّص إلى الاعتقاد بتحقّق الفرج والنجاة بمعزل عن السنن الإلهيّة التي ارتكز عليها تاريخ الحياة البشريّة، والتي لم تشهد أيّ تبدّل أو تحوّل على الإطلاق: ﴿فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّت اللَّهِ تَبْديلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْويلاً﴾(فاطر: 43). ففي نظرة سطحيّة إذا ما قيل: "سيظهر صاحب العصر والزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف وسيُصلِح الأوضاع إن شاء الله"، يتبادر إلى الأذهان أنّ إصلاح أوضاع العالم سوف يتحقّق بعيداً عن القواعد التي كانت حاكمة على جميع الوقائع حتّى يومنا هذا؛ كهذه القاعدة الذهبيّة القائلة: ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّی يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ﴾ (الرعد: 11).
فلو كان المخلّص سيقوم بعمليّة الإنقاذ خارجاً عن هذه القواعد، سينتفي الدور المتعلّق بوعي الناس وإرادتهم في السعادة، وستذهب قيمة السنن الإلهيّة، بل وقيمة الحياة البشريّة، وكلّ تلك الابتلاءات والانتصارات والانكسارات. وإذا تأمّلنا في هذه الشبهة، نجد أنّها تؤدي إلى:
- التخلّي عن المسؤوليّة
من نتائج هذه الرؤية عدم وقوع أيّ مسؤوليّة على عاتقنا، لا في عمليّة التمهيد للفرج ولا بعده؛ إذ من المقرر أن يأتي رجل لإنقاذنا يحمل على كاهله جميع المهامّ والمسؤوليّات. ولا حاجة إلى سعينا وحركتنا قبل ذلك أو بعده. 
وبالتالي -بحسب هذا التصوّر- فإنّ الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف مع أنصاره الـ313، بالنيابة عن جميع الناس في العالم يشعر بالمسؤوليّة، وهو العالِم بالأمور، ويعمل على أساس الدين، وأحياناً يسوق باقي الناس إلى الله جبراً ومن دون اختيار. وكأنّ الناس في هذه الرؤية يمكنهم نيل السعادة والوصول إلى الكمال من دون اختيار وأهليّة. وكأنّه يمكن من خلال قائد عظيم بِرّ وعدد من الأنصار الأوفياء، إيصال جميع الناس إلى السعادة قسراً.
بالإمكان أن نهب هذه النظرة السطحيّة صورة معنويّة؛ وذلك بأن نتصوّر أنّ قدرة الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف المعنويّة ستسوق الجميع صوب الانقياد إلى الله، علماً بأنّ نظرة الإمام المعنويّة تصنع المعاجز. ولا شكّ في أنَّ ظهوره سيترك أثراً بالغاً في النفوس المستعدّة، ولكن أين تكمن قواعد "النموّ والكمال"، ودور "العزم والأهليّة" في الإنسان؟ فلو كان المقرّر أن يستفيد الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف من قدرته المعنويّة لا غير، فإنّ النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم وكذلك أمير المؤمنين عليه السلام أولى منه بذلك. 


من الخطأ أن نتصوّر أنّ المراد من كون الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف مُخلِّصاً للبشرية هو أنَّه يظهر ويسوق الإنسان، إلى الجنّة وإلى الوضع المنشود، خارجاً عن الوظائف الملقاة على عاتقه، والمجتمع البشريّ خارجاً عن تركيبته الطبيعيّة، والتاريخ خارجاً عن السنن الإلهيّة، هذا النوع من التفكير فيه تغافل عن الكرامة الإنسانيّة، وفيه استخفاف بالدين والسنن الإلهيّة التي لا تتبدّل، وبالتّالي سيكون مآله إلى انتظار عديم المسؤوليّة وعديم التأثير والجدوى.
نعم، ورد في الرواية "إِذَا قَامَ قَائِمُنَا عليه السلام وَضَعَ يدَهُ عَلَی رُؤُوسِ الْعِبَادِ فَجَمَعَ بِها عُقُولَهُم"(1)؛ إلّا أنّ فهم هذا الحديث يحتاج إلــى رؤيــة عميقة. ولا بدّ هنا مـن الالتفـــات إلى نقطة مُهمّة وهي أنَّ الظروف لو تهيّأت في هــذا الزمن واستأهــل جمعٌ من المؤمنين توجُّه الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف لشملتهم عنايته، ولتكامــلت عقولـهم بألطافــه الخاصّة أكثر من سـائر الناس.


وعــلى أيّ حــال، إنّ تصــوّر الظهور خارجاً عن السنن الإلهيّة، مسألة تصدّى الأئمّة عليهم السلام بشدّة لردّها ومواجهتها(2).
وقد تصدّى الإمام الخمينيّ قدس سره في وصيّته الإلهيّة السياسيّة لردّ هذه النظرة السطحيّة بصراحة، منوّهاً بدور المؤمنين وجهودهم لئلّا يتخلّى أحد عن وظائف الانتظار بذريعة هذه الرؤية السطحيّة:
"وأنتم أيّها السادة إنْ كنتم تتوّقعون تحوّل كلّ الأمور وفقاً للإسلام وأحكام الله تعالى بين عشيّة وضحاها فذلك تفكير خاطئ؛ إذ لم تحدث مثل تلك المعجزة على مرّ تاريخ البشريّة، ولن تحدث في المستقبل. وفي ذلك اليوم الّذي يظهر فيه المصلح العام إنْ شاء الله تعالى، لا تظنّوا أنَّ معجزةً ستحدث، وأنَّ العالم سيصلح في يوم واحد، بل بالجهد والتضحيات سيُقمَع الظالمون ويدفعون إلى الانزواء"(3).
________________________________________
1. کمال الدين وتمام النعمة، الصدوق، ج2، ص675.
2. الغيبة، النعماني، ص283.
3. صحيفة الإمام، ج21، ص447.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد

مواقيت الصلاة