قرآنيات

معلومات الكاتب :

الاسم :
السيد ابو القاسم الخوئي
عن الكاتب :
مرجع شيعي كبير، ورئيس الحوزة العلمية في النجف

القراءات والأحرف السبعة (2)


السيد أبو القاسم الخوئي
فالقراءات إما أن تكون منقولة بالآحاد، وإما أن تكون اجتهادات من القراء أنفسهم، فلا بد لنا من البحث في موردين:
1- حجية القراءات:
ذهب جماعة إلى حجية هذه القراءات، فجوزوا أن يستدل بها على الحكم الشرعي، كما استدل على حرمة وطئ الحائض بعد نقائها من الحيض وقبل أن تغتسل، بقراءة الكوفيين - غير حفص - قوله تعالى: "ولا تقربوهن حتى يطهرن " بالتشديد.
الجواب: ولكن الحق عدم حجية هذه القراءات، فلا يستدل بها على الحكم الشرعي.
والدليل على ذلك أن كل واحد من هؤلاء القراء يحتمل فيه الغلط والاشتباه، ولم يرد دليل من العقل، ولا من الشرع على وجوب اتباع قارئ منهم بالخصوص، وقد استقل العقل، وحكم الشرع بالمنع عن اتباع غير العلم.
وسيأتي توضيح ذلك إن شاء الله تعالى. (4) ولعل أحدًا يحاول أن يقول: إن القراءات - وإن لم تكن متواترة - إلا أنها منقولة عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فتشملها الأدلة القطعية التي أثبتت حجية الخبر الواحد، وإذا شملتها هذه الأدلة القطعية خرج الاستناد إليها عن العمل بالظن بالورود، أو الحكومة، أو التخصيص.
الجواب:
أولًا: إن القراءات لم يتضح كونها رواية، لتشملها هذه الأدلة، فلعلها اجتهادات من القراء، ويؤيد هذا الاحتمال ما تقدم من تصريح بعض الأعلام بذلك، بل إذا لاحظنا السبب الذي من أجله اختلف القراء في قراءاتهم - وهو خلو المصاحف المرسلة إلى الجهات من النقط والشكل - يقوي هذا الاحتمال جدًّا.
قال ابن أبي هاشم: "إن السبب في اختلاف القراءات السبع وغيرها أن الجهات التي وجهت إليها المصاحف كان بها من الصحابة من حمل عنه أهل تلك الجهة وكانت المصاحف خالية من النقط والشكل.
قال: فثبت أهل كل ناحية على ما كانوا تلقوه سماعًا عن الصحابة، بشرط موافقة الخط، وتركوا ما يخالف الخط ... فمن ثم نشأ الاختلاف بين قراء الأمصار".
وقال الزرقاني: " كان العلماء في الصدر الأول يرون كراهة نقط المصحف وشكله، مبالغة منهم في المحافظة على أداء القرآن كما رسمه المصحف، وخوفًا من أن يؤدي ذلك (5) إلى التغيير فيه...
ولكن الزمان تغير - كما علمت - فاضطر المسلمون إلى إعجام المصحف وشكله لنفس ذلك السبب، أي للمحافظة على أداء القرآن كما رسمه المصحف، وخوفًا من أن يؤدي تجرده من النقط والشكل إلى التغيير فيه".
ثانيًا: إن رواة كل قراءة من هذه القراءات، لم تثبت وثاقتهم أجمع، فلا تشمل أدلة حجية خبر الثقة روايتهم.
ويظهر ذلك مما قدمناه في ترجمة أحوال القراء ورواتهم.
ثالثًا: إنا لو سلمنا أن القراءات كلها تستند إلى الرواية، وأن جميع رواتها ثقات، إلا أنا نعلم علمًا إجماليًّا أن بعض هذه القراءات لم تصدر عن النبي قطعًا، ومن الواضح أن مثل هذا العلم يوجب التعارض بين تلك الروايات وتكون كل واحدة منها مكذبة للأخرى، فتسقط


جميعها عن الحجية، فإن تخصيص بعضها بالاعتبار ترجيح بلا مرجح، فلا بد من الرجوع إلى مرجحات باب المعارضة، وبدونه لا يجوز الاحتجاج على الحكم الشرعي بواحدة من تلك القراءات.
وهذه النتيجة حاصلة أيضًا إذا قلنا بتواتر القراءات.
فإن تواتر القراءتين المختلفتين عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - يورث القطع بأن كلًّا من القراءتين قرآن منزل من الله، فلا يكون بينهما تعارض بحسب السند، بل يكون التعارض بينهما بحسب الدلالة.
فإذا علمنا إجمالًا أن أحد الظاهرين غير مراد في الواقع فلا بد من القول بتساقطهما، والرجوع إلى الأصل اللفظي أو العملي، لأن أدلة الترجيح، أو التخيير تختص بالأدلة التي يكون سندها ظنيًّا، فلا تعم ما يكون صدوره قطعيًّا.
وتفصيل ذلك كله في بحث "التعادل والترجيح" من علم الأصول. (6)
2- جواز القراءة بها في الصلاة: ذهب الجمهور من علماء الفريقين إلى جواز القراءة بكل واحدة من القراءات السبع في الصلاة، بل ادعي على ذلك الإجماع في كلمات غير واحد منهم وجوز بعضهم القراءة بكل واحدة من العشر، وقال بعضهم بجواز القراءة بكل قراءة وافقت العربية ولو بوجه، ووافقت أحد المصاحف العثمانية ولو احتمالًا، وصح سندها، ولم يحصرها في عدد معين.
والحق: أن الذي تقتضيه القاعدة الأولية، هو عدم جواز القراءة في الصلاة بكل قراءة لم تثبت القراءة بها من النبي الأكرم - صلى الله عليه وآله وسلم - أو من أحد أوصيائه المعصومين - عليهم السلام -، لأن الواجب في الصلاة هو قراءة القرآن فلا يكفي قراءة شئ لم يحرز كونه قرآنًا، وقد استقل العقل بوجوب إحراز الفراغ اليقيني بعد العلم باشتغال الذمة، وعلى ذلك فلا بد من تكرار الصلاة بعد القراءات المختلفة أو تكرار مورد الاختلاف في الصلاة الواحدة، لإحراز الامتثال القطعي، ففي سورة الفاتحة يجب الجمع بين قراءة "مالك "، وقراءة "ملك".
أما السورة التامة التي تجب قراءتها بعد الحمد - بناء على الأظهر - فيجب لها إما اختيار سورة ليس فيها اختلاف في القراءة، وإما التكرار على النحو المتقدم.
وأما بالنظر إلى ما ثبت قطعيًّا من تقرير المعصومين - عليهم السلام - شيعتهم على القراءة، بأية واحدة من القراءات المعروفة في زمانهم، فلا شك في كفاية كل واحدة منها.
فقد كانت هذه القراءات معروفة في زمانهم، ولم يرد عنهم أنهم ردعوا عن بعضها، ولو ثبت الردع لوصل إلينا بالتواتر، ولا أقل من نقله بالآحاد، بل ورد عنهم - عليهم السلام - إمضاء هذه القراءات بقولهم: "إقرأ كما يقرأ الناس. إقرؤا كما علمتم".
وعلى ذلك فلا معنى لتخصيص (7) الجواز بالقراءات السبع أو العشر، نعم يعتبر في الجواز أن لا تكون القراءة شاذة، غير ثابتة بنقل الثقات عند علماء أهل السنة، ولا موضوعة، أما الشاذة فمثالها قراءة "ملك يوم الدين" بصيغة الماضي ونصب يوم، وأما الموضوعة فمثالها قراءة "إنما يخشى الله من عباده العلماء" برفع كلمة الله ونصب كلمة العلماء على قراءة الخزاعي عن أبي حنيفة.
وصفوة القول: أنه تجوز القراءة في الصلاة بكل قراءة كانت متعارفة في زمان أهل البيت عليهم السلام.

ـــــــــ
4- الاتقان النوع 22 - 27 ج 1 ص 138.
5- وقد أوضحنا الفرق بين هذه المعاني في مبحث " التعادل والترجيح " في محاضراتنا الاصولية المنتشرة. التبيان ص 86.
6- مناهل العرفان ص 402 الطبعة الثانية.
7- الكافي: باب النوادر كتاب فضل القرآن.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد

مواقيت الصلاة