قراءة في كتاب

كتاب (عيون أخبار الرّضا) للشّيخ الصدوق

 

الكتاب: (عيون أخبار الرّضا عليه السّلام)
المؤلّف: المحدّث الأكبر الشّيخ الصّدوق
مجلة شعائر
إذا كان لنا أن نستقرئ المنزلة التي يتبوّأها كتاب (عيون أخبار الرضا عليه السلام) للمحدّث الأكبر الشيخ أبي جعفر الصدوق، لجاز النظر إليها في المحل الأسمى ممّا نقله الأئمّة الأطهار من الحديث الشريف.
تمّ تصنيف الكتاب إلى قسمين: الأول هو التعريف بالمؤلّف، ولا سيّما ما يتعلّق بسيرته الذاتية ونسبه وأعماله ومكانته كواحد من أكابر الرجال من الذين دوّنوا للمدرسة الإمامية في العقيدة وأصول الفقه والرواية عن أهل بيت النبوّة عليهم السلام إلى جانب الكليني والطوسي والمفيد.
أما القسم الثاني فيتناول بالتفصيل طائفة مختارة من أخبار إمام من أئمّة المسلمين وخلفاء الله في العالمين – الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام.
أهميّة هذا الكتاب أنّ مؤلّفه أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمّي المعروف بالشيخ الصدوق ينتمي إلى أسرة جليلة من العلماء والفقهاء والمحدّثين أحصى المؤرّخون ما يقرب من عشرين عالماً من بينهم شيخ الإسلام وثقة الدين، كما فيهم من تسمّى باسم جدّه الأعلى «بابويه» إحياءً لذكره.


والواضح كما تدلّ تقريرات وأبحاث المتخصّصين بعلم الرجال أنّ الشيخ الصدوق صاحب الكتاب كان على صِلة مباشرة بزمن الغيبة الصغرى، ممّا يضفي على أعماله ورواياته دقّة النقل عن الأئمّة الأطهار عليهم السلام. ويمكن أن نشير في هذا الصدد إلى أنّ والد المؤلف، وهو الشيخ أبو الحسن علي بن الحسين، كان من أبرز الذين عاصروا الإمام الحسن العسكري عليه السلام (ت: 260 للهجرة) وقد ذكروا أنّ الإمام كتب إليه رسالةً تكشف عن مكانته وعلوّ قدره، وممّا يسترعي الانتباه أنّ هذه الرّسالة لم يَروِها ولده الصّدوق في تضاعيف كتبه الّتي وصلت إلينا على كثرة الأبواب المناسبة لذكرها، كما لم يذكرها القدماء من علماء الإماميّة.
ربما علينا أن نشير هنا إلى قصر المسافة الزمنية بين عصر الشيخ الصدوق وعصر الإمام الرضا عليه السلام، ذلك أنّ الشيخ الصدوق كان في الرّي من إيران، وكان يسافر إلى خراسان وما والاها، ما يعني أنه قد أُتيح له التواصل مع من عاشوا أحداث عصر الإمام عليه السّلام. ناهيك عن أنّ أن الصدوق انتخب أبرز ما وصله من أخبار الإمام، ولذلك سمّى كتابه (عيون أخبار الرضا عليه السلام).


مرجعيّة (عيون الأخبار)
مهما يكن من أمر، فالكتاب الذي بين أيدينا ينطوي على خاصيّتين عظيمتي الشأن في الجانب العقائدي كما في الجانب المعرفي والأخلاقي.
الخاصية الأولى: وهي التي تتعلّق بهوية الكتاب نفسه أي لجهة موضوعه المتمثّل بعنوانه، حيث ذهب المؤلف إلى تسميته بـ (عيون الأخبار)، ما يعني أنه انتخب ما وجده مناسباً من أخبار وروايات عن الإمام الرضا عليه السلام، وذلك على الرغم من صلاحها وصدقها. والدليل على ذلك أنه سبق للشيخ الصدوق أن أنجز أربعة مؤلّفات حول الإمام عليه السلام تدور مدار حياته الشريفة ومواقفه وأقواله ومواعظه وهي: (زهد الرضا عليه السلام) – (جامع زيارة الرضا عليه السلام) – (مسائل الرضا عليه السلام) – (المصباح الحادي عشر في ذكر من روى عن الإمام الرضا عليه السلام).
فلَئِن كانت هذه الكتب الأربعة المشار اليها هي من التأليفات التي سبقت كتابه (عيون الأخبار) فسيظهر جليّاً السبب الذي حمل المؤلّف على وضع منتخبات هذا الكتاب.
أما الخاصيّة الثانية: فهي تلك التي تضيء على واحدة من أبرز وأخطر المسائل، وهي المتعلّقة بالظروف التي أحاطت موقف الإمام الرضا عليه السلام من ولاية العهد.
وربما تكون هذه المسألة من الإشكاليات الكبرى التي سعى الشيخ الصدوق للإضاءة عليها وتفصيلها لتكون أساساً لمنهج معرفي في فهم قواعد الفقه السياسي لمدرسة أهل البيت عليهم السلام.
أمّا الدّاعي إلى تأليف الكتاب فهو كما بيّن الشيخ الصدوق في المقدمة، بأنه أهداه لخزانة الوزير الصاحب أبي القاسم استشعاراً منه إلى وجوب نشر معارف الأئمّة الأطهار عليهم السلام، واستثمار أية فرصة تنفسح إلى مثل هذا الأمر الجليل. ولسوف يزداد الأمر إلحاحاً في ظل الحصار المديد الذي مارسته السلطتان الأموية والعباسية بحق آل البيت النبوي الأطهار وتابعيهم.
فلا عجب لو كتب شيخنا المؤلّف رحمه الله كتابه هذا وأهداه لخزانة الصاحب، وقد أبان في مقدمته عن الداعي إلى تأليفه، وكان سببه وقوع قصيدتي الصاحب في مدح الإمام الرضا عليه السلام إليه فآثر أن يفتتح بهما مؤلَّفه، ويجعل كتابه هديّة لخزانة ناظمهما، إذ لم يجد شيئاً آثر عنده وأحسن موقعاً لديه من علوم أهل البيت عليهم السلام، وكتابه هذا جامع لعيون أخبار إمام من أئمّتهم، وسيّد من ساداتهم، فيه من تواريخه ونوادر أخباره، وآثار علومه ما يجعله في الرفوف العالية من خزانة الصاحب على نفاستها وسعتها.


منهجيّة الكتاب
المنهج الّذي سار عليه المؤلّف أبانه وأوضحه في عرضه الشامل للمواضيع الّتي سوف يتطرّق إليها في كتابه، وذلك في فهرست عام للأبواب مع إيضاح ما يشتمل عليه كلّ باب، وبهذا فقد أبان عن الخطوط العامة الّتي رسمها لعمله قبل الشروع به، وهذه ظاهرة لم نجدها في سائر كتبه الأخرى الّتي وصلت إلينا.
وقد تدرّج المؤلّف في عرضه العام وفهرسته الشاملة لتاريخ الإمام الرضا عليه السلام - بعد بيانه العلّة الّتي من أجلها سمّي الإمام بالرضا - منذ ولادته ونشأته، وأخبار إمامته، جملة وتفصيلاً، وحتّى وفاته ومدفنه ومراثيه، وثواب زيارة قبره، وبعض كراماته، مضافاً إلى ما يتخلّل ذلك من حديث الإمامة والنصوص الدالّة على إمامته، وتفنيد مزاعم الواقفة بالبحث عن أسباب الوقف، وعلّة بقاء جماعة من الواقفة على مقالتهم.
أمّا الأمر الّذي أشرنا إليه آنفاً، وهو أمر ولاية العهد الّتي ذكرها المؤلّف رحمه الله في كتابه هذا، فقد وددت التنبيه على أنّ هذا الحدث السياسي الخطير لم يكن طبيعياً بالنسبة إلى المأمون العباسي كما يتصوره البعض من أنّه نتيجة حتميّة لشعوره الديني حيث كان يتشيّع فيما يقولون. كما لم يكن قبول الإمام الرضا عليه السلام لولاية العهد أمراً طبيعياً أيضاً.
فإنّ هذا الحدث السياسي يعتبر في بدايته نقطة تحوّل خطير في تاريخ الدولة العباسية الّتي بذل رجالها في سبيلها جهداً كبيراً حتّى حصلوا عليها، ولم يكن المأمون بعيداً في نفسه عن سيرة آبائه، وما كانوا عليه من القسوة والاضطهاد لأبناء عمّهم العلويين، الّذين كانوا أصحاب الدعوة والحقّ أوّلاً وأخيراً.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد

مواقيت الصلاة