قرآنيات

معلومات الكاتب :

الاسم :
السيد محمد باقر الحكيم
عن الكاتب :
عالم فقيه، وأستاذ في الحوزة العلمية .. مؤسس المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق ، استشهد سنة٢٠٠٣

النسخ اصطلاحا

 

  السيد محمد باقر الحكيم
وحين نلاحظ كلمة النسخ في إطلاقات علماء القرآن والمفسرين نجد الكلمة قد مرت بمراحل متعددة من التطور حتى انتهى الأمر بها إلى خصوص الفكرة التي عرضناها سابقًا.
وهذه المراحل تبدأ منذ العصور الأولى لهذا العلم حيث كان يطلق بعض الصحابة كلمة النسخ على مجرد مخالفة آية لأخرى في الظهور اللفظي حتى لو كانت هذه المخالفة على نحو العموم والخصوص من وجه أو المطلق أو كانت إحدى الآيتين مطلقة والأخرى مقيدة.
وهذه السعة في الإطلاق قد تكون نتيجة للتوسع في فهم أصل الفكرة كما يمكن أن تكون نتيجة فهم ساذج لبعض الآيات القرآنية. ومن هنا وقع الاختلاف بين علماء القرآن في تعيين الآيات المنسوخة والآيات الناسخة فنجد بعضهم يتوسع في تعدادها وبعضهم الآخر يقتصر على كمية محدودة منها.
ولكن بعد مضي مدة من الزمن على الدراسات القرآنية نرى بعض العلماء يحاول أن يميز بين النسخ وبين التقييد والتخصيص والبيان ويقصر النسخ على الفكرة التي عرضناها سابقًا. وقيل إن أول محاولة في ذلك كانت من قبل الشافعي.
وقد ذكر الأصوليون للنسخ تعاريف كثيرة أصبحت بعد ذلك مجالاً واسعًا للمناقشة والنقد. ولكننا نقتصر هنا على ما ذكره السيد الخوئي من تعريف للنسخ لأنه يفي بالمقصود.
النسخ (رفع أمر ثابت في الشريعة المقدسة بارتفاع أمده وزمانه سواء أكان ذلك الأمر المرتفع من الأحكام التكليفية - كالوجوب والحرمة - أم من الأحكام الوضعية كالصحة والبطلان. وسواء أكان من المناصب الإلهية أم من غيرها من الأمور التي ترجع إلى اللّه تعالى بما أنه شارع).


ويلاحظ في هذا التعريف، أن الرفع في النسخ إنما يكون لأمر ثابت في أصل الشريعة. ولذا فلا يكون شاملاً لمثل ارتفاع الحكم الشرعي الذي يكون بسبب انعدام موضوعه كارتفاع وجوب الصوم بانتهاء شهر رمضان أو ارتفاع ملكية شخص لماله بسبب موته فإن هذا النوع من ارتفاع الحكم لا يسمى نسخًا. ولا نجد من يخالف في إمكانه ووقوعه. وقد أوضح السيد الخوئي لنا الفرق بين الارتفاع الذي يكون نسخًا والارتفاع الذي لا يكون من النسخ في شيء وذلك بالبيان التالي.
إن الحكم المجعول في الشريعة المقدسة له مرحلتان من الثبوت: -
الأولى - ثبوت الحكم في عالم التشريع والانشاء والحكم في هذه المرحلة يكون مشرعًا على نحو القضية الحقيقية حيث لا يفرق في صدقها وثبوتها وجود الموضوع في الخارج وعدم وجوده. وإنما يكون قوام ثبوت الحكم فيها بفرض وجود الموضوع.
فإذا قال الشارع: شرب الخمر حرام (مثلاً) فليس معناه أن هنا خمرًا في الخارج وأن هذا الخمر محكوم بحرمة شربه. وإنما معناه أن الخمر متى ما فرض وجوده في الخارج فشربه محكوم بالحرمة في الشريعة سواء كان في الخارج خمر بالفعل أم لم يكن ورفع هذا الحكم في هذه المرحلة من ثبوته لا يكون إلا بالنسخ.
الثانية - ثبوت الحكم في الخارج بأن يعود فعليًا بسبب فعلية موضوعه وتحققه خارجًا. كما إذا تحقق وجود الخمر خارجًا في مثالنا السابق. فإن الحرمة المجعولة في الشريعة للخمر تكون ثابتة له بالفعل خارجًا. وهذه الحرمة تكون مرتهنة في وجودها بوجود الموضوع خارجًا وتستمر باستمراره فإذا انعدم الموضوع أو ارتفع كما إذا انقلب الخمر خلاً مثلاً. فلا ريب في ارتفاع تلك الحرمة الفعلية التي كانت ثابتة للخمر حال خمريته وتحل محلها الحلية للخل.
وهذا الارتفاع للحكم ليس من النسخ في شيء وليس لأحد شك في جوازه ولا في وقوعه.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد

مواقيت الصلاة