سياحة ثقافية

مقام المعصومة عليها السلام (1)

 

أحمد الحسيني
مجلة شعائر
الرّحلة إلى خراسان: كانت السيّدة فاطمة بنت الإمام موسى الكاظم عليهما السلام، قد وُلدت في المدينة المنوّرة سنة 173 هجريّة على أكثر الرّوايات، وعاشت مع إخوتها وأخواتها في كنف الإمام الرّضا عليه السلام، لأنّ الرّشيد العبّاسيّ استقدم أباها الإمام الكاظم عليه السلام من المدينة المنوّرة، ثمّ أودعه سجنه.
وكانت السيّدة فاطمة عابدة، عالمة، تتلمذت على يد أخيها الرّضا عليه السلام، ولـمّا رآها منقطعة لله تعالى، تخشاه في كلّ كبيرة وصغيرة، لقبّها بــ «المعصومة»، مع ما لهذا اللقب من دلالات وأبعاد في سلوكها وسيرتها. 
ولـمّا تولّى المأمون العبّاسيّ الحكم، استدعى الإمام الرّضا عليه السلام وجماعة من آل أبي طالب إلى خراسان، وأَسند إليه ولاية العهد.
قلقت السيّدة المعصومة على مصير أخيها الرّضا عليه السلام في تلك البلاد النائية، فقرّرت اقتفاء أثره، فشدّت الرحال لتتحسّس أمر أخيها، مع ما يتطلّبه ذلك من مشقّة ووَعثاء السّفر.
 

الرحلة الشّاقة
كانت رحلتها إلى بلاد خراسان مضنية وشاقّة، ولمّا وصلت إلى بلدة ساوة، [كانت مدينة حسنة بين الري وهمذان، وكانت معمورة حتى دخلها التتار عام 671 للهجرة، فخرّبوها وقتلوا كلّ مَن فيها ولم يتركوا فيها أحداً البتة]، أقعدها المرض عن المسير، فلزمت فراشها، لكنّها أَبَت البقاء فيها، فطلبت من أصحاب القافلة إيصالها إلى مدينة قمّ، لعلمها أنّ أهلها يحبّون أهل البيت عليهم السلام، ويجلّون الإمام الرّضا عليه السلام.
وفاتها
لم تتماثل السيّدة المعصومة للشّفاء، فلم تستطع إكمال رحلتها للقاء الرّضا عليه السلام، إذ توفّيت سلام الله عليها بعد سبعة عشر يوماً من وصولها إلى مدينة قمّ، سنة 201 للهجرة.
 

لمحة تاريخيّة عن المقام المشرّف
البناء الأوّل: عندما توفيّت السيّدة المعصومة، غُسِّلت وكُفِّنت، وحُملت إلى مقبرة (بابلان) في قم، ووُضعت على حافّة سرداب حُفر لها، وبنى موسى بن خزرج على قبرها بيتاً له سقف من البواري، وأخذ النّاس يتوافدون إلى قبرها الشّريف، حتى أخذت مدينة قمّ تشتهر وتزدهر بفضل زيارتها، والمكوث في هذه المدينة.
التّوسعة والإعمار: سنة 256 للهجرة، قصدت السيِّدة زينب بنت الإمام الجواد عليه السلام قم لزيارة قبر عمّتها فاطمة رضوان الله عليها، فبنت قبّة من الآجر فوق القبر الشّريف فكان هذا أوّل بناء عليه. 
وفي سنة 350 للهجرة، جدّد زيد بن أحمد بن بحر الأصفهاني بناء الحرم وبدّل بابه الصغير بآخر أكبر منه. 
وفي عهد طغرل السلجوقيّ، وهو أوّل ملوك الدولة السلجوقية (ت 455 للهجرة)، بنى وزيره مير أبو الفضل العراقي قبّة كبيرة للمرقد المطهّر. 
وفي سنة 925 للهجرة، بَنَت زوجة الشّاه إسماعيل الصّفوي الأوّل قبّة على القبر الشّريف. وفي هذه السّنة جدّد الشّاه إسماعيل بناء المرقد، فبنى الإيوان الشمالي وزيّنه بالكاشي (المعرّق)، ووضع الأساس لبناء الصّحن القديـم للمرقد. 
وفي سنة 950 للهجرة، بنى الشّاه طهماسب الصّفوي ضريحاً من الكاشي على المرقد المطهّر. 
وفي سنة 1077 للهجرة، بنى الشّاه سليمان الصّفوي صحن النّساء، [الصحون هي الساحات الخارجية التابعة للحرم] في الجهة الجنوبيّة من الحرم. وأصبح هذا الصحن فيما بعد طريقاً خاصّاً لمقبرة الشّاه سليمان والشّاه سلطان حسين، إذ من المعلوم أن مدخل هذه المقبرة كان من هذا الصّحن فقط. 
وبين عامَي 1210 و1214 للهجرة، وُضع بابان من الفضّة في الجهة الغربيّة من الحرم. 
وفي سنة 1213 للهجرة، أمر فتح علي شاه القاجاريّ بتذهيب القبر والقبّة وباب المرقد الشّريف. 
وفي سنة 1215 للهجرة، زُيّن داخل القبّة بالنّقوش البارزة والمرايا والكتابات الجميلة. 
وفي سنة 1218 للهجرة، جدّد مرتضى قلي خان، أحد رجال الدّولة الصّفويّة، بناء إيوان الحرم ورفع الكاشي عن القبّة ووضع بدلاً منه لوحَين من الذّهب. 
وفي سنة 1221 للهجرة، فُرشت أرض الحرم وجدرانه بالرّخام، كما زُيّن الضّريح بالذّهب، ووُضع باب ذهبي في الجهة الشّماليّة للرّواق المتّصل بإيوان الذّهب.
وفي سنة 1266 للهجرة، جُدّد الإيوان الذي بناه الشّاه إسماعيل الصّفوي، ووُسّع الصّحن القديـم، وبُنيت مئذنة في الجهة الشّماليّة منه. 
وفي سنة 1285 للهجرة، أمر محمّد حسين خان شهاب الملك ببناء مئذنتين فوق إيوان الذّهب، وزيّنهما بالقاشاني، وفي سنة 1301 للهجرة ووضع كامران ميرزا -ابن السلطان ناصر الدين شاه قاجار (حكم السلطان ناصر الدين مدة 48 سنة من عام 1848م حتى 1896م) الذي كان حاكم طهران ونائب السّلطنة- قضباناً من الذهب في أعلى المآذن المذكورة.
وفي سنة 1296 للهجرة، بنى أمين السّلطان إبراهيم خان الأتابكي (وزير ناصر الدين شاه) الصّحن الشّريف الجنوبي، وفي سنة 1303 للهجرة، أكمل البناء ولده الوزير علي أصغر خان، ووضع أساس الصّحن الجديد المعروف (بالصحن الأتابكي)، وجرى تزيينه، وبنى الغرف حوله المسمّاة (مقابر الأعيان).

وفي سنة 1354 للهجرة، استُحدث في المقام متحف ووضعت فيه جميع الهدايا والنفائس الثمينة. 
وفي سنة 1375 للهجرة، لُبِّس الضريح الفولاذي بالفضّة وزُيّن بالنّقوش والكتابة الجميلة. 

 

حرم المعصومة اليوم
المساحة: الحرم مستطيل الشّكل، وتبلغ مساحته -بصحونه الثلاثة مع مسجد «بالا سر» (مسجد فوق الرّأس)- نحو 13527م2، منها نحو 1914م2 مساحة الأرض المبنيّة، والباقي مساحة صحنَي الحرم الجديد والقديـم. 
القبّة والمنائر: أوّل قبّة بُنيت -بعد المظلّة الحصيريّة التي وضعها موسى بن خزرج- هي قبّة برجيّة أو هرميّة الشّكل، بَنَتها السيّدة زينب بنت الإمام الجواد عليه السلام في أواسط القرن الثالث الهجري، وكانت مصنوعة من اللّبن والحجر والجصّ. وبعد مدّة من الزّمن، دُفنت بعض السيّدات العلويّات بجوار فاطمة المعصومة عليها السلام، فبُنيت قبّتان أخريان إلى جانب القبّة الأولى. وقد بقيت هذه القباب الثّلاث حتى عام 447 للهجرة، حيث أشار الشيخ الطُّوسي إلى «مير أبو الفضل العراقي» وزير طغرل الكبير، ببناء قبّة عالية بدل القباب الثّلاث، وضمّت تحتها قبور جميع السّادة إضافة إلى قبر السيّدة المعصومة. 
وفي سنة 925 للهجرة، تمّ تجديد بناء هذه القبّة على يد زوجة الشاه إسماعيل كما تقدّم
وزُيّن السّطح الخارجيّ لها بالفسيفساء.
وفي سنة 1218 للهجرة، أثناء حكم «فتح علي شاه القاجاري»، جرى تزيين القبّة المطهّرة بالصّفائح الذهبيّة، وكُتب عليها كتابات وأشعار جميلة باللّغة الفارسية، وزُيّنت من الدّاخل بالنّقوش والمرايا. 
وقد بقي شكلها الخارجي على حاله حتى عام 1368 للهجرة، وفي حوالي سنة 1369 للهجرة بدأ العمل بترميمها، بسبب بعض التّشويه في ظاهر القبّة، بإشراف سادن الرّوضة آية الله المسعودي الخميني، وقد جُمعت الّصفائح الذهبية القديمة لكي تُبدّل وتُغيّر.

 

المنائر أو المآذن
يرتفع فوق إيوان الذهب مئذنتان، أمر ببنائهما «محمّد حسين خان شهاب الملك» سنة 1285 للهجرة، وطُلي أعلاهما بالذّهب عام 1301 للهجرة. ارتفاع كلّ منهما 32.20م وقطر كلّ منهما 1.5م، يغطّيهما الكاشي المظفور ونُقشت عليهما الكلمات التالية: (الله)، (محمّد)، (عليّ).
وترتفع على قاعدتَي إيوان المرايا -الآتي ذكره- مئذنتان، ارتفاع كلّ منهما 28م. كُتب عليهما أسماء الجلالة. كما كُتب على إحداهما: «لا حول ولا قوّة إلّا بالله العليّ العظيم». وعلى الأخرى: «سبحان الله والحمد لله ولا إله إلّا الله والله أكبر»، وغُطّيتا بالكاشي. 
وترتفع في الصحن الكبير (الجديد أو الأتابكي) مئذنتان صغيرتان، ارتفاع كلّ منهما نحو 13.5م، وكان المؤذّنون في السّنوات الأخيرة يؤذّنون ويقرأون المناجاة فيها.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد

مواقيت الصلاة