من التاريخ

احتجاج الإمام الرضا على رؤساء الأديان بِصحُفهم

 

الدليلُ على الإمام المفترض الطاعة، والذي هو حجّة الله تعالى على الخلق، أمران: العلم، واستجابة الدعاء. هذه هي القاعدة التي أرساها الإمام الرضا صلوات الله عليه في إحدى مناظراته مع علماء البلاط العباسي. فهذان الأمران يثبتان مقام الإنسان الكامل -الذي هو مربّي النوع البشريّ- في العقل والإرادة.
 ولمّا كانت سنّة الله على إتمام حجّته وإعلاء كلمته، أظهَر تعالى عِلمَ الإمام الرضا عليه السلام واستجابةَ دعائِه –كما في صلاة الاستسقاء وافتراس الأسدَين للمفتري- باستدعاءٍ من المأمون، وكذلك يتمّ الله نورَه، فيسخِّر المأمون الذي أراد إطفاء نور الإمام عليه السلام، ليجمع علماء الأمم وعظماء الملل لمناظرته:
«فلمّا قدم عليّ بن موسى الرضا عليه السلام إلى المأمون، أمر الفضل بن سهل أن يجمع له أصحاب المقالات مثل الجاثليق [ كبير أساقفة النصارى ]، ورأس الجالوت [ كبير أحبار اليهود ]، ورؤساء الصابئين، والهربذ الأكبر [ شيخ المجوس ]، وأصحاب زرداشت، وقسطاس الرومي [ كبير علماء الطب ]، والمتكلّمين، يسمع كلامه وكلامهم...
قال الحسن بن محمد النوفليّ: فبينا نحن في حديثٍ لنا عند أبي الحسن الرضا عليه السلام، إذ دخل علينا ياسر الخادم... فقال: يا سيّدي، إنّ أميرّ المؤمنين يُقرئُك السلام، فيقول: فداكَ أخوكَ، إنّه اجتمع إليّ أصحابُ المقالات وأهل الأديان والمتكلّمون من جميع المِلَل، فرأيكَ في البكور علينا إنْ أحببتَ كلامهم...


فقال أبو الحسن عليه السلام: (...قُلْ له: قد عَلِمتُ ما أردتَ، وأنا صائرٌ إليكَ بكرةً إنْ شاء الله).
فلمّا مضى ياسر، التفتَ إلينا، ثمّ قال لي: (يا نوفليّ، أنت عراقيّ ورقّة العراقيّ غير غليظة، فما عندَك في جمعِ ابن عمّك علينا أهلَ الشّرك وأصحاب المقالات؟)
فقلت: جعلتُ فداك، يريد الامتحان ويحبّ أن يعرف ما عندك، ولقد بنى على أساسٍ غيرِ وثيق البنيان، وبئس والله ما بنى.
فقال لي: (وما بناؤه في هذا الباب؟).
قلت: إنّ أصحابَ البِدَع والكلام خلاف العلماء، وذلك أنّ العالم لا يُنكِر غير المنكَر، وأصحابُ المقالات والمتكلّمون وأهلُ الشّرك أصحابُ إنكارٍ ومباهتة، وإنِ احتجَجتَ عليهم أنّ الله واحدٌ، قالوا: صحِّح وحدانيّتَه، وإن قلت: إنّ محمّداً رسولُ الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، قالوا: أثبِتْ رسالتَه، ثمّ يباهتون الرجل وهو يُبطِلُ عليهم بِحجّته، ويغالطونه حتى يتركَ قولَه، فاحذَرْهُم جُعلتُ فداك!
فتبسّم عليه السلام، ثمّ قال: (يا نوفليّ، أتَخافُ أنْ يقطعوا عليّ حجّتي؟).
قلت: لا والله ما خفتُ عليكَ قطّ، وإنّي لأرجو أن يظفرَك اللهُ بهم، إنْ شاء الله.
فقال لي: (يا نوفليّ، أتحبُّ أنْ تعلمَ متى يندمُ المأمونُ؟).
قلت: نعم.


قال: إذا سمعَ احتجاجي على أهلِ التوراةِ بِتوراتِهم، وعلى أهلِ الإنجيلِ بإنجيلِهم، وعلى أهلِ الزّبورِ بِزَبورِهم، وعلى الصّابِئينَ بِعبرانيّتِهم، وعلى الهرابِذَةِ بفارسيّتِهم، وعلى أهلِ الرّوم برومِيّتِهم، وعلى أصحابِ المقالاتِ بِلغاتِهم، فإذا قطعتُ كلَّ صنفٍ ودَحَضتُ حجّتَه، وتَرَكَ مقالتَه، ورجِعَ إلى قَولي، علِمَ المأمونُ أنّ المَوضِعَ الذي هو بِسبيلِه ليس هو بِمُستَحقٍّ له، فعندَ ذلك تكونُ الندامةُ منه، ولا حولَ ولا قوّةَ إلّا بالله العليِّ العظيمِ...».
(انظر: توحيد الصدوق: ص 417)

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد

مواقيت الصلاة