مقالات

الكلمات الطيّبة والخبيثة

 

الشيخ محمد حسين الطهراني
{أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} (سورة إبراهيم)
 أوّلًا: لا تنحصر كلمات الله تعالى بالكلمات اللفظيّة، بل إن جميع الموجودات الكونيّة هي كلماته، إذ إن الكلمة تعني ما يُعْرِبُ عن الضمير، فكافّة المخلوقات في عالم التكوين لمّا كانت مرتبطة بالله سبحانه و منوطة به -بل هي عين الارتباط والإناطة- فهي تعبّر بوجوداتها عن جماله وجلاله، وكلّها مَعْلَمٌ كاشفٌ عن حقيقة الوجود، ويُعَدُّ كُلٌّ منها بقدر سعته الوجوديّة آيةً ومرآة وكلمة من كلماته.


 ثانياً: تنقسم كلمات الله التكوينيّة إلى قسمين هما: الكلمات الحسنة الطيّبة والكلمات السيّئة الخبيثة، فالموجودات الشريفة في العالم هي كلماته الطيّبة، أمّا الموجودات الضارّة المفسدة، فهي كلماته الخبيثة.

 ثالثاً: أنّ أسمى الكلمات اللفظيّة الطيّبة هي الشهادة بحقّ التوحيد، وحقيقة "لا إلَهَ إلَّا اللهُ" وأنّ أدنى الكلمات اللفظيّة الخبيثة وأشدّها هي إظهار الكفر والشِّرك بالمعبود، وإنكار الحقائق في عالم الوجود. 
وأنّ أسمى الكلمات التكوينيّة الطيّبة وأرفعها هي: حقيقة وجود ولاية الإنسان‏ وعروجه إلى درجات القرب، واشتماله على الأسماء والصفات الإلهيّة، والاندكاك والفناء في الذات الأحديّة. 
وذلك أرقى مقام الإمكان، ووصول الممكن إلى هذا المكان هو أحلى ثمار شجرة الوجود وألذّها، وهو عبارة عن مقام الإنسان الكامل، وحقيقة وسرّ الأنبياء العظام، والأولياء الكرام، والذوات المقدّسة للأئمّة المعصومين عليهم أفضل التحيّة والسلام. 
وأنّ أخبث الكلمات التكوينيّة الخبيثة هي حقيقة نهج الإنسان الناكب عن صراط الحقّ وسلوكه وأخلاقه وعقائده، فقد أفسد ثمرة الشجرة، وأضاع منهجه، وألقى نفسه في حضيض الهوى، فأصبح بذلك كائناً نتناً. 
والعيّنة الماثلة لهذا الضرب من البشر هم الملحدون والمعاندون والمنافقون الذين لا يصغون إلى القول السديد الصائب، ويمضون أعمارهم في لجاجة أنفسهم وعُتوّ أفكارهم.

 رابعاً: حقّ الكلمة الطيّبة وجود الإنسان المؤمن المتّصل بالله ومعناه وسرّه، والعقائد الحسنة والصفات الحميدة والأخلاق والأعمال الرغيبة هي كلمات طيّبة أيضاً، وهي من آثاره الوجوديّة. 
ومن منظارٍ ما، يمكن أن نسمّيها كلّها كلمات طيّبات إجمالًا. 
وعلى العكس فإنّ حقّ الكلمة الخبيثة وجود الإنسان الكافر الجاحد المنافق العنود ومعناه وسرّه، والعقائد السيّئة والصفات الذميمة والأخلاق والأعمال غير الرغيبة هي أيضاً كلمات خبيثة من آثاره. 
ومن منظور ما، جاز لنا أن نطلق عليها جميعاً كلمات خبيثات.
هذه رموز وإشارات يتسنّى لنا أن نستنتجها من مدلول الآية المباركة، ونستفيد منها.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد

مواقيت الصلاة