مقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
السيد محمد باقر الصدر
عن الكاتب :
ولد في مدينة الكاظمية المقدسة في الخامس والعشرين من ذي القعدة سنة 1353 هـ، تعلم القراءة والكتابة وتلقى جانباً من الدراسة في مدارس منتدى النشر الابتدائية، في مدينة الكاظمية المقدسة وهو صغير السن وكان موضع إعجاب الأساتذة والطلاب لشدة ذكائه ونبوغه المبكر، ولهذا درس أكثر كتب السطوح العالية دون أستاذ.rnبدأ بدراسة المنطق وهو في سن الحادية عشرة من عمره، وفي نفس الفترة كتب رسالة في المنطق، وكانت له بعض الإشكالات على الكتب المنطقية. بداية الثانية عشرة من عمره بدأ بدراسة كتاب معالم الأصول عند أخيه السيد إسماعيل الصدر، سنة 1365 هـ هاجر إلى النجف الاشرف، لإكمال دراسته، وتتلمذ عند آية الله الشيخ محمد رضا آل ياسين وآية الله العظمى السيد أبو القاسم الخوئي. أنهى دراسته الفقهية عام 1379 هـ والأصولية عام 1378 هـ عند آية الله السيد الخوئي.rnمن مؤلفاته: فدك في التاريخ، دروس في علم الأصول، نشأة التشيع والشيعة، فلسفتنا، اقتصادنا وغير ذلك.

حب الدنيا: داءٌ مهلك

 

السيد محمّد باقر الصدر
أريد أن نعيش معاً لحظات بقلوبنا لا بعقولنا فقط، بوجداننا. نريد أن نعرض هذه القلوب على القرآن الكريم، نعرض صدورنا، لمن ولاؤها؟ ما هو ذلك الحب الذي يسودها ويستقطبها؟ 
إن الله سبحانه وتعالى لا يجمع في قلب واحد ولاءَين. إما حب الله وإما حب الدنيا، حب الله والدنيا لا يجتمعان معاً في قلب واحد. فلنمتحن قلوبنا، فإن كانت تعيش حب الله زدنا ذلك تعميقاً وترسيخاً، وإن كانت -(نعوذ بالله)- تعيش حب الدنيا، حاولنا أن نتخلّص من هذا الداء الوبيل، والمرض المهلك. 


*الحب محور القلب 
إنّ كل حبّ يستقطب قلب الإنسان يتخذ إحدى درجتين: الدرجة الأولى: أن يشكّل هذا الحب محوراً وقاعدة لمشاعر وآمال وطموحات هذا الإنسان. قد ينصرف عنه أحياناً في قضاء حاجة في حدود خاصة، قد ينشغل بحديث، بعمل، ولكن، سرعان ما يعود إلى القاعدة لأنها هي المركز، وهي المحور، يبقى ذلك الحب هو المحور، هذه هي الدرجة الأولى. 
والدرجة الثانية من الحب المحور، أن يستقطب هذا الحب كل وجدان الإنسان، بحيث لا يشغله شيء عنه على الإطلاق، أينما توجه يرى ذلك المحبوب. هذه هي الدرجة الثانية من الحب.
هذا التّقسيم الثّنائي ينطبق على حب ّالله وينطبق على حب الدنيا.


*حب الله تعالى
 حبّ الله سبحانه وتعالى يتخذ هاتين الدرجتين، الدّرجة الأولى يتخذها في نفوس المؤمنين الصّالحين الطّاهرين الذين نظفوا نفوسهم من أوساخ هذه الدنيا الدنية. هؤلاء يجعلون من حب الله محوراً لكل عواطفهم وطموحاتهم وآمالهم. قد ينشغلون بمتعة من المتع المتاحة، ولكن يبقى هذا هو المحور الذي يرجعون إليه بمجرد أن ينتهي هذا الانشغال الطارئ. وأما الدرجة الثانية فهي الدرجة التي يصل إليها أولياء الله من الأنبياء والأئمة عليهم أفضل الصلاة والسلام. (علي بن أبي طالب) هذا الرجل العظيم قال: ما رأيت شيئاً إلا ورأيت الله معه وقبله وبعده وفيه ، لأن حب الله في هذا القلب العظيم استقطب وجدانه إلى درجة أنه منعه من أن يرى شيئاً آخر غير الله. حتى حين يرى النعمة الموفورة كان يرى فيها نعمة الله سبحانه وتعالى. هذا الربط الدائم بالله يتجسد أمامه؛ لأنه محبوبه الأوحد ومعشوقه الأكمل، فلم يكن يرى إلا الله سبحانه وتعالى، فهذه هي الدرجة الثانية.


*حب الدنيا 
 نفس التقسيم الثنائي يأتي في حب الدنيا، الذي هو رأس كل خطيئة على حدّ تعبير رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. حب الدنيا يتخذ درجتين: الدرجة الأولى أن يكون حب الدنيا محوراً للإنسان، قاعدةً في تصرفاته وسلوكه يتحرّك حينما تكون المصلحة الشخصيّة في أن يتحرّك، ويسكن حينما تكون المصلحة الشخصيّة في أن يسكن، يتعبّد حينما تكون المصلحة الشخصيّة في أن يتعبّد وهكذا، تكون الدنيا هي القاعدة، لكن أحياناً أيضاً يمكن أن يفلت من الدنيا، يشتغل أشغالاً أخرى نظيفة طاهرة؛ قد يصلي لله سبحانه وتعالى، قد يصوم لله سبحانه وتعالى، فلتات يخرج بها من إطار ذلك الشيطان ثم يرجع إلى الشيطان مرة أخرى. هذه درجة أولى من هذا المرض، مرض حب الدنيا.


*الدرجة المهلكة
 وأما الدرجة الثانية فهي الدرجة المهلكة، حينما يعمي حب الدنيا هذا الإنسان، يسد عليه كل منافذ الرؤية، لا يرى شيئاً إلا ويرى الدنيا فيه وقبله وبعده ومعه، حتى الأعمال الصالحة تتحول عنده وبمنظاره إلى دنيا وإلى متعة، إلى مصلحة شخصية حتى الصلاة. هذه هي الدرجة الثانية، وهي أشدّ هلكة من الدرجة الأولى، ولهذا قال رسول الله : "حب الدنيا رأس كل خطيئة"، وقال الإمام الصادق: "الدنيا كماء البحر من ازداد شرباً منه ازداد عطشاً".
 إن ولاءين لا يجتمعان في قلب واحد. من كان ولاؤه للدنيا، فليس له من الله شيء، ليس له صلة مع الله سبحانه وتعالى. "حب الدنيا رأس كل خطيئة" لأن حب الدنيا هو الذي يفرغ الصلاة من معناها ويفرغ كل عبادة من معناها، ماذا يبقى من معنى لهذه العبادات، إذا كان حب الدنيا هو الذي يملأ القلب.


*دنيا هارون 
علينا أن نحذر من حب الدنيا، دنيا هارون الرشيد كانت عظيمة. تعلمون أي دنيا غرق فيها هارون الرشيد! أي بذخ وترف كان يحصل عليه هارون الرشيد! نحن نقول إننا أكثر ورعاً من هارون الرشيد، أَتْقَى من هارون الرشيد، عجباه!! نحن عُرضت علينا دنيا هارون الرشيد؟ يا إخواني، يا أعزائي، هل عرضت علينا دنيا هارون الرشيد؟ كان هارون الرشيد يلتفت إلى السحابة يقول لها: أينما تمطرين يأتيني خراجك. في سبيل هذه الدنيا قام بسجن الإمام موسى بن جعفر عليه السلام. هل جربنا أن تُقبِل علينا هذه الدنيا ثم لا نسجن موسى بن جعفر؟ إنّ هذه الدنيا، كلّفت هاروناً أن يسجن موسى بن جعفر. فهل وضعت هذه الدنيا أمامنا لكي نفكر بأننا أتقى من هارون الرشيد؟! 


*العلاج في ذكر الموت
علي بن أبي طالب عليه السلام لو كان يعمل للدنيا فهو أتعس إنسان، لأنه سوف يخسر الدنيا والآخرة. فليكن همنا أن نعمل للآخرة ، أن نعيش في قلوبنا حب الله سبحانه وتعالى بدلاً من حب الدنيا. علّمنا الأئمّة عليهم السلام أن نتذكر الموت دائماً، فهو من العلاجات المفيدة لحب الدنيا. كل واحد منّا يعتقد بأنّ كل من عليها فان، لكن القضية دائماً وأبداً لا يجسّدها بالنسبة إلى نفسه، ما هي هذه الحياة؟ لعلها أيام فقط، لعلها أشهر، لعلها سنوات، ونحن نعمل ونحرص دائماً على أساس أنها حياة طويلة. لماذا نحمّل أنفسنا هذا القدر من الخطايا، من التقصير أمام الله سبحانه وتعالى وأمام ديننا؟ نتحمله في سبيل الدفاع عن ماذا؟ عن أيام؟ عن شهر؟... هذه بضاعة رخيصة.
 نسأل الله سبحانه وتعالى أن يطهّر قلوبنا وينقّي أرواحنا، ويجعل رضاها أكثر همّنا، ويملأ قلوبنا حبّاً له، وخشيه منه، وتصديقاً به، وعملاً بكتابه.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد

مواقيت الصلاة