مقالات

فوائد ذكر الموت

 

الفيض الكاشاني
اعلم أنّ الموت هائلٌ وخطره عظيم، وغفلة الناس لقلّة فكرهم فيه وذكرهم له، ومَنْ يذكره ليس يذكره بقلبٍ فارغ بل بقلب مشغول بشهوات الدنيا فلا ينجع ذكر الموت في قلبه فالطريق فيه أنْ يُفرغ قلبَه عن كلّ شيء إلّا عن ذكر الموت الذي بين يديه كالذي يُريد أن يُسافر إلى مفازة مخطرة أو يركب البحر فإنّه لا يتفكر إلا فيه، فإذا باشر ذكر الموت قلبَه فيوشك أن يؤثر فيه وعند ذلك يقلّ فرحه وسروره بالدنيا وينكسر قلبه.

وأوْقَعُ طريق فيه أن يُكثر ذكر أقرانه الذين مضوا قبله فيتذكر موتهم ومصرعهم تحت التراب ويتذكر صورهم في مناصبهم وأحوالهم، وكيف تبددت أجزاؤهم في قبورهم وكيف أرملوا نساءهم وأيتموا أولادهم وضيّعوا أموالهم وخلت منهم مساجدهم ومجالسهم، وانقطعت آثارهم وأوحشت ديارهم.

فمهما تذكّر رجلاً رجلاً وفصّل قلبَه حاله وكيفية حياته وتوهّم صورته وتذكّر نشاطه وتردّده وأمله في العيش والبقاء ونسيانه للموت وانخداعه بمواتاة الأسباب وركونه إلى القوّة والشباب وميله إلى الضحك واللهو وغفلته عمّا بين يديه من الموت الذّريع والهلاك السريع .

فإنّه كيف كان يتردّد والآن قد تهدّمت رجلاه ومفاصله، وكيف كان ينطق وقد أكل الدود لسانه، وكيف كان يضحك وقد أكل التراب أسنانه؟!

وأنّه كيف كان يُدبّر لنفسه ما لا يحتاج إليه إلى عشر سنين في وقت لم يكن بينه وبين الموت إلّا شهر وهو غافل عمّا يُراد به حتى جاء الموت في وقتٍ لا يُحتسب فانكشفت له صورة ملك الموت وقرع سمعه النّداء إمّا بالجنّة أو بالنار.

فعند ذلك ينظر في نفسه أنّه مثلهم وغفلته كغفلتهم والسّعيد من وُعظ بغيره، فملازمة هذه الأفكار وأمثالها مع دخول المقابر ومشاهدة المرضى هو الذي يُجدّد ذكر الموت في القلب حتّى يغلب عليه بحيث يصير الموت نصبَ عينيه.

فعند ذلك يوشك أن يستعدّ له ويتجافى عن دار الغرور وإلّا فالذكر بظاهر القلب وعذبة اللسان قليل الجدوة في التحذير والتنبيه، ومهما طاب قلبه بشيء من الدنيا فينبغي أن يتذكر في الحال أنّه لا بدّ من مفارقته.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد

مواقيت الصلاة