من التاريخ

الإمام الرضا (عليه السلام): الولادة والنشأة

أولاً: الولادة
يوجد اختلاف بين المحدثين الشيعة في تحديد اليوم والشهر والسنة التي ولد فيها الإمام الرضا (عليه السلام): فقيل إن مولده كان بالمدينة سنة 148 هـ[1] وروى الصَّدوق أنه ولد بالمدينة يوم الخميس لإحدى عشرة ليلة خلت من ربيع الأول سنة 153 هـ بعد وفاة أبي عبد اللّه (عليه السلام) بخمس سنين[2]. أما المحقق الأربلي فيساند هذا الرأي، ولكن يذكر أنه ولد في الحادي عشر من ذي الحجّة[3]. وأشار الشيخ الطبرسي إلى القولين ولكن لم يرجح أحدهما[4].
وذكر الذهبي: أنه ولد بالمدينة في سنة 148 هـ عام وفاة جدّه الإمام الصادق (عليه السلام)[5]، وهو الموافق للقول الأول.
من جانب آخر وردت روايات عن جدّه الإمام الصادق (عليه السلام) مفعمة بشحنة عاطفية كبيرة، تبشر بولادته المباركة وتكشف عن المكانة المرموقة التي سيحتلها في العالم الإسلامي، فعن يزيد بن سليط، قال: لقينا أبا عبد اللّه (عليه السلام) في طريق مكة ونحن جماعة، فقلت له: بأبي أنت وأمي أنتم الأئمة المطهرون والموت لا يعرى منه أحد، فأحدث اليّ شيئا ألقيه إلى من يخلفني، فقال لي: «نعم هؤلاء ولدي، وهذا سيدهم» وأشار إلى ابنه موسى (عليه السلام) «... يخرج اللّه تعالى منه غوث هذه الأمة وغياثها وعلمها ونورها وفهمها وحكمها، خير مولود وخير ناشىء يحقن اللّه به الدماء ويصلح به ذات البين ويلمّ به الشعث[6] ويشعب به الصدع[7] ويكسو به العاري ويشبع به الجائع ويؤمن به الخائف وينزل به القطر ويأتمر له العباد، خير كهل وخير ناشىء، يبشر به عشيرته قبل أوان حلمه، قوله حكم وصمته علم، يبين للناس ما يختلفون فيه ..»[8].
ثانياً: النشأة
نشأ الإمام الرضا (عليه السلام) بين أحضان بيت أذهب اللّه تعالى عنهم الرجس وطهّرهم تطهيرًا، فهو ابن الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) الذي كان (أعبد أهل زمانه وأفقههم وأسخاهم كفًّا، وأكرمهم نفسًا... وكان الناس بالمدينة يُسمونه زين المتهجِّدين، ويعرف بالعبد الصالح)[9].
ولما كانت الفروع تتبع الأصول، والأصل الطيب يعطي ثمرًا طيبًا فمن الطبيعي والحال هذه أن يتحلى الابن بتلك الصفات الطيبة والخصال الحميدة، يقول الشيخ المفيد: «كان ـ أي الرضا (عليه السلام) ـ أفضل ولد أبي الحسن موسى: وأنبهَهُم وأعظمهُم قدرًا وأعلمهم وأجمعهم فضلاً»[10].
أما أمه فعلى الرغم من وجود الاختلاف في اسمها وكنيتها، فهناك اتفاق على كونها من أفضل نساء زمانها من حيث العقل والدين.
قيل: تسمى الخيزران، وقيل: أروى، وتلقب بشقراء النوبية. وقيل أمّه أم ولد يقال لها أمّ البنين وقيل: اسمها تكتم، وقد يرجَّح أن الأخير هو اسمها، وما سبقه ألقاب لها، ويستدل لهذا بقول بعض مادحي الإمام:
ألا إن خير الناس نفسًا ووالدًا
ورهطًا وأجدادًا علي المعظم
أتتنا به للعلم والحلم ثامنًا 
إمامًا يؤدّي حجة اللّه (تكتم)[11]
والشيخ الصدوق يشير إلى القول الأخير برواية عن محمد بن يحيى الصولي ويقول: إن أمه هي أم ولد تسمى تكتم. ثم يروي عن عون بن محمد الكندي، قال: سمعت أبا الحسن علي بن ميثم يقول: ما رأيت أحدًا قط أعرف بأمور الأئمة وأخبارهم ومناكحهم منه، قال: اشترت حميدة المصفاة وهي أم أبي الحسن موسى بن جعفر ـ وكانت من أشراف العجم ـ جارية مولدة[12] واسمها تكتم، وكانت من أفضل النساء في عقلها ودينها وإعظامها لمولاتها حميدة المصفاة، حتى أنها ما جلست بين يديها منذ ملكتها إجلالاً لها، فقالت لابنها موسى (عليه السلام): يا بني إن تكتم جارية ما رأيت جارية قط أفضل منها، ولست أشك أن اللّه تعالى سيظهر نسلها إن كان لها نسل، وقد وهبتها لك فاستوصِ خيرًا بها، فلما ولدت له الرضا (عليه السلام) سماها الطاهرة[13].
ولقد تناهت شخصية الإمام الرضا (عليه السلام) في السمو والجلال حتى تطرزت بألقاب لامعة، تعكس جوانب مختلفة من أخلاقه وآدابه، منها: الصابر والرضي، والوفي، والزكي، والولي، ونور الهدى، وسراج اللّه، والفاضل، وقرّة عين المؤمنين، ومكيد الملحدين، وأشهر ألقابه (عليه السلام) هو الرّضا[14].
قيل: إن المأمون العباسي هو الذي أطلق عليه لقب «الرّضا» حين عهد إليه ولاية العهد، ولكن الإمام أبا جعفر الجواد (عليه السلام) قد نفى ذلك بشدة، فعن البزنطي، قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام) إن قومًا من مخالفيكم يزعمون أن أباك إنما سمّاه المأمون الرّضا لما رضيه لولاية عهده، فقال: «كذبوا واللّه وفجروا بل اللّه تبارك وتعالى سمّاه الرضا لأنه كان رضيّ اللّه عزّوجلّ ورضي رسوله والأئمة بعده في أرضه». قال: فقلت له: ألم يكن كل واحد من آبائك الماضين رضيّ اللّه عزّوجلّ ورسوله والأئمة بعده؟ فقال: «بلى»، فقلت: فلم سمّي أبوك (عليه السلام) من بينهم الرضا؟ قال: «لأنه رضي به المخالفون من أعدائه كما رضي به الموافقون من أوليائه، ولم يكن ذلك لأحد من آبائه: فلذلك سمّي من بينهم الرضا»[15].
كان يكنى بأبي الحسن، وورد على لسان بعض الرواة أبو الحسن الثاني، قال علي بن يقطين: كنت عند العبد الصالح ـ يعني الإمام الكاظم (عليه السلام) ـ فقال: «يا علي بن يقطين، هذا علي سيد ولدي، أما أنه قد نحلته كنيتي»[16].

ـــــــــــــــــــــــــ

[1] انظر: الإرشاد 2: 247، والكافي 1: 486 / 11.
[2] عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 28، ح 1، باب (3).
[3] كشف الغمّة 3: 53.
[4] اعلام الورى 2: 41.
[5] سير أعلام النبلاء 9: 388، ترجمة 125.
[6] أي يسد به الخلل.
[7] أي يجمع به الشقّ والفرقة.
[8] اعلام الورى 2: 48، وعيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 33، ح 96، باب (4).
[9] انظر: الارشاد 2: 231، 235.
[10] الارشاد 2: 244.
[11] راجع: الارشاد 2: 247، اعلام الورى 2: 41، دلائل الإمامة: 348.
[12] المولدة: هي التي ولدت بين العرب، ونشأت مع أولادهم.
[13] اعلام الورى / الطبرسي 2: 40، ح 2، عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 24، باب (2)، كشف الغمة 3: 90.
[14] دلائل الإمامة: 359، الإمام الرضا (عليه السلام)، لقبه.
[15] عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 22، ح1، باب (1).
[16] روضة الواعظين / الفتال النيسابوري 1: 222.

 

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد

مواقيت الصلاة