من التاريخ

ليلة الهرير


ليلة الهرير من ليالي صفين قتل فيها عشرات الآلاف، والهرير كأمير. هرير الكلب صوته دون نباحه من قلة صبره على البرد.


 فهي أقسى ليلة وأشدّها هولا وعنفا في جميع حروب صفّين، وقد وصفها الرواة بأنّ الجيشين زحف بعضهما إلى بعض فتراموا بالنبل والحجارة حتى فنيت، ثمّ تطاعنوا بالرماح حتى تكسّرت، ثمّ مشى القوم بعضهم إلى بعض بالسيف وعمد الحديد، فلم يسمع السامع إلاّ وقع الحديد بعضه على بعض، وهو أشدّ هولا في صدور الرجال من الصواعق، ومن جبال تهامة يدكّ بعضها بعضا، وبقوا على هذا الصراع العنيف حتى انكشفت الشمس، وثار القتام وظلّت الألوية والرايات قائمة، والمعارك مستمرة، ثمّ اجتلدوا بالسيوف وعمد الحديد من صلاة الغداة إلى نصف الليل لم يصلّوا لله صلاة، واستمر القتال حتى أصبحوا وكانت الضحايا سبعين ألف قتيل من الفريقين.


وكان الإمام علي عليه السلام في قلب الجيش، والأشتر يزحف بجنده، وهو يقول لهم: ازحفوا قيد رمحي هذا، فإذا فعلوا ذلك قال لهم: ازحفوا قاب هذا القوس، ولم يزل القتال مستمرّا حتى تفلّلت جميع قوى معاوية، وبان عليه الانكسار وهمّ بالفرار إلاّ أنّه تذكّر قول ابن الأطنابة :
أبت لي همّتي وأبى بلائي         وإقدامي على البطل المشيح
وإعطائي على المكروه مالي      وأخذي الحمد بالثّمن الرّبيح
وقولي كلّما جشأت وجاشت        مكانك تحمدي أو تستريحي
وقد ردّه هذا الشعر إلى الصبر والثبات كما كان يتحدّث بذلك أيام الملك والسلطان.


ولمّا بان الانكسار الهائل في معسكر ابن أبي سفيان ، وتفلّلت جميع كتائبه العسكرية قام الإمام عليه ‌السلام خطيبا في جيشه فقال بعد حمد الله تعالى والثناء عليه :
« أيّها النّاس ، قد بلغ بكم الأمر وبعدوّكم ما قد رأيتم ، ولم يبق منهم إلاّ آخر نفس ، وإنّ الامور إذا أقبلت اعتبر آخرها بأوّلها ، وقد صبر لكم القوم على غير دين حتّى بلغنا منهم ما بلغنا ، وأنا غاد عليهم بالغداة احاكمهم إلى الله عزّ وجلّ ... ».


واحتدم القتال كأشدّه ، وزحف القائد العام مالك الأشتر وقد أحرز الفتح ، ولم يبق على الاستيلاء على معاوية الذي فرّق كلمة المسلمين وألقاهم في شرّ عظيم إلاّ حلبة شاة أو عدوة فرس ، وقد شاءت المقادير عكس ذلك. فكانت مهزلة رفع المصاحف
 

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد

مواقيت الصلاة