لقاءات

الشيخ حسين الأكرف: حزننا مقدّس وليس تقليديًّا (2)


الجزء الثاني من مقابلة خاصة بشبكة فجر الثقافية
عبير محمد ..


بين الضعف والقوة
طال حديثنا مع الشيخ حسين حول القصيدة العربية متناولين مرحلة الهبوط التي تمر بها، فكان له موقفه بهذا الصدد بالدعوة إلى عدم  إطلاق الأحكام العامة، لأن هناك نصوصًا رائعة لشعراء ومنشدين في قلب هذه المرحلة، على الرغم من أن رؤوس وأقطاب الإنشاد هم من يهملون النص: "عندما يقدم مشهور من الرواديد نصًّا ركيكًا يعطي انطباعًا عامًا على الإنشاد كلّه من أثر الشهرة فيوسم المرحلة كلها". أما القصيدة القوية والراقية فهي ما زالت موجودة هنا وهناك برأي الأكرف: "على الصف الأول من الرواديد مسؤولية كبرى في هذا الشأن".
ولا ينسى الأكرف أن للخمس سنوات الماضية تأثيرًا على مزاجية الشعراء، لما تحمله من حروب وقتل وتشرد: "قذيفة هنا، وضحايا هنا، ودم هناك، لا يترك للمخيلة إلا الغضب والحزن والسأم". إلا قصيدة الثورة والمقاومة فلم تضعف، يشدد الأكرف على ذلك، فقوة السبك والشاعرية التي تفتقدها قصائد الوجد اليوم، نجدها حاضرة بقوة في قصائد الغضب والعنفوان: "بعض الشعراء الذين لم يتناولوا قضايا الشعوب، وجدوا أنفسهم مرغمين على التحلّق حولها لحضور هذه القضايا لدى الشعوب". مشيرًا إلى أن الأصوات التي كانت ترتفع من المدرسة الفقهية مناديةً بعدم جواز اللطم إلا على الحسين عليه السلام منذ الثمانينات فهمت اليوم أن الحسينَ هو صدى الميادين جميعها: "الحسين هو ملهم الساحات، وملهم صبر الناس، ولا يمكن بغير الحسين عليه السلام أن نصنع مواساةً أو ان نشحذ هممًا".


الحزن مقدّس
"القصيدة في الواقع ليست مجرد نعي ورثاء". هي بالنسبة إلى الأكرف رسالية وتوعوية ومسؤولية تبليغ وتنبيه: "لابد أن ننبّه الأمة إلى قضاياها". يقرب الشيخ لنا الصورة عبر الحديث عن موكب البحرين، وما يشكّله من منارة إضاءة على قضايا الناس، فهو ترجمان خطب الجمعة، على حد تعبيره، ومن يحضر الموكب يتعرف إلى القضايا المهمة: "وأين يجب أن نكون"، هذه صناعة جديدة في الموكب، وحضور جديد، وما ينبغي للموكب والسيرة الحسينية أن تكونا عليه: "السيرة الحسينية ليست فسحة لدمعتك، بل هي مكان يتخلّى الإنسان عن كل همومه الشخصية، ويستمر بدمعة حسينية حقيقية تحمل كل الهم الحسيني، الهم الذي يحمله الحسين لأجل الناس، هو حزن مقدّس وليس حزنًا تقليديًا ساذجًا بأن ثمة رجلاً قتل!!"
يستشهد الأكرف بقول للشيخ عباس الكعبي : "إن الرواديد أو الخطباء الذين لا تؤذي كلمتهم الطواغيت، وتدخل الغيظ إلى قلوب المستكبرين، هؤلاء ليسوا خدمة للإمام الحسين بل خدمَ أنفسهم، فهم فقط مواسوون للحسين". فالكلمة الحسينية والخدمة الحسينية بنظر الأكرف تعنيان المواجهة: "دالة على الخير ناصرة للحق ومدكدكة للظالم".


المقاومة بيت القصيد
في الحديث عن قضايا الشعوب العربية كان لابد لفلسطين أن تحضر، لسيدة للقضايا والمتلهمة لكل المقاومات، وفي كلام الأكرف: "القضية الأم، والعنصر المشترك، وساحة مواجهة العدو الحقيقي".
يعتبر الشيخ حسين الأكرف أن العدو الصهيوني هو رأس بلاءات المنطقة ومن وراءه الولايات المتحدة الأميركية والمملكة البريطانية. وفي المقابل هناك من يحفظ للأمة كراماتها ومقدساتها "اليوم هذا إنتاجها، هذا عملها، ليس دمويًا، بل حماية الإنسان والمقدس من التاريخ والتراث والمسجد والكنيسة".


التشيع أهم تجلياتي الإنسانية
ليست هنالك قصيدة مفضلّة بالنسبة لحسين الأكرف، فهو دائمًا ما يحب التجديد، إلا أنه يفتخر بتلك التي تعكس إنسانيته البحتة دون أي علامات فارقة تحدد جمهوره الواسع. فقد قدم الأكرف ويقدم، أناشيد تتجلّى فيها الصفات الإنسانية دون أي شيء آخر، ما لاقى إقبالاً مهمًّا من خارج الطائفة الشيعية وحتى من خارج الإسلام. يُبدي الشيخ سروره حيال هذا المجال حيث "التخادم الإنساني"، وهذا أهم تجليّات عمله بنظره. أما عن دوره في حُسن تمثيل التشيع، ونقل صورته الحقيقية، فيقول: "أهل البيت هم السباقون لنبذ الفرقة وتوحيد الكلمة، وهذه رسالة كلّ محبي أهل البيت، ومَن لم يكن كذلك فهو ليس من اتباعهم، بل في شبهة كما يوجد في الطوائق الأخرى".
يعتبر الشيخ حسين نفسه من اتباع مدرسة عقائدية وفكرية وفقهية منهجها التقارب والوحدة حيث تعلمنا أن: "الضعف في الفرقة، والقوة كل القوة في وحدة الكلمة" ويردف قائلًا: "وأنا أتجول بهذا المعنى وهذا المضمون أينما ذهبت، وأقصد أن أظهر هذه الحقيقة الذي تغيب بالإعلام المأجور والقمع والإرهاب، ولكن نحن كما نحن، لو خلي لنا الأمر وتركنا وشأننا لأثبتنا للعالم كلّه أننا دعاة وحدة، ولسنا نستبطنُ أيّ شيء وراء كلمة يا أيها المسلمون اتحدوا! فالعدو يستفيد من فرقتنا ويخشى من توحّدنا".


في الختام كان لا بد من نهاية بخلاصة تقول: الصوت يشبه صاحبه، عذب كروحه، قوي كموهبته، وجهوري كقضيته.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد

مواقيت الصلاة