مقالات

أيها العزيز (3)


الإمام الخميني(قده) ..
في العبادة
أيها المسكين...!
أنت في حضرة الله جلّ جلاله، وفي محضر الملائكة المقرّبين، تعمل خلاف رضى الله تعالى، والعبادة الّتي هي معراج القرب من الله، تؤدّيها لأجل النفس الأمّارة بالسوء ولأجل الشيطان، وعندها لا تستحيي أن تكذب في العبادة عدّة أكاذيب في حضرة الربّ والملائكة المقرّبين وتفتري عدّة افتراءات، وتمنّ وتعجب وتتدلّل أيضاً، ولا تخجل بعد كلّ ذلك! بماذا تختلف عبادتي هذه وعبادتك عن معصية أهل العصيان، وأشدّها الرياء؟ فالرياء شرك وقبحه ناشئ من أنّك لم تؤدِّ العبادة لأجل الله.


في مكائد الشيطان
يا أيها الأخ....!
كن حذراً تجاه مكائد النفس والشيطان، واْعلم أنّه لن يدعك أيّها المسكين بأن تؤدّي عملاً واحداً بإخلاص، وحتّى هذه الأعمال غير الخالصة الّتي تقبّلها الله تعالى منك بفضله، لا يدعك الشيطان أن تصل بها إلى الهدف، فيعمل عملاً تحبط به أعمالك كلّها، وتخسر حتّى هذا النفع بسبب هذا العجب والتدلّل في غير موقعه. وبغضّ النظر عن بُعد الوصول إلى الله ورضاه، فإنّك لن تصل إلى الجنّة ولا إلى الحور العين، بل تخلد في العذاب وتعذّب بنار الغضب كذلك. أنت تظنّ أنّك بهذه الأعمال المتفسِّخة المتعفِّنة الهزيلة الممزوجة بالرياء وطلب السمعة وألف مصيبة أخرى الّتي تحول دون قبول العبادات كلّها، تظنّ أنّك تستحقّ بها الأجر من الحقّ تعالى، أو أنّك أصبحت بها من المحبّين والمحبوبين؟


في ترك العجب
أيها العزيز...!
لا تتباهى بقربك من الله ولا تبالغ في حبّك له، أيّها العارف، أيّها الصوفيّ، أيّها الحكيم، أيّها المجاهد، أيّها المرتاض، أيّها الفقيه، أيّها المؤمن، أيّها المقدّس، أيّها المساكين المبتلون يا سيّئي الحظّ المغلوبين بمكائد النفس وهواها، أيّها المساكين المبتلون بالآمال والأمانيّ وحبّ النفس، كلّكم مساكين، كلّكم بعيدون فراسخ عن الإخلاص وعبادة الله، لا تحسنوا الظنّ بأنفسكم إلى هذا الحدّ، لا تتغنّجوا ولا تتدلّلوا. إسألوا قلوبكم: هل تبحث عن الله، أم تريد ذاتها؟ هل هي موحّدة وتطلب الواحد أم مشركة وتعبد اثنين؟ فماذا يعني إذاً كلّ هذا العُجب؟ ماذا يعني إذاً التعالي بالعمل إلى هذا الحدّ؟ وهو إذا صحّت جميع أجزائه وشروطه وخلا من الرياء والشرك والعُجْب وباقي المفسدات، فهدفه الوصول إلى إشباع شهوات البطن والفرج، فما قيمته كي تنقله الملائكة؟ هذه الأعمال من القبائح والفجائع، وينبغي للإنسان أن يخجل منها ويسترها.


في التواضع
أيها العزيز....!
ما يحتوي عليه رأسك من الدماغ، تحتويه رؤوس الآخرين أيضاً، إذا كنت متواضعاً احترمك الناس قهراً واعتبروك كبيراً، وإذا تكبّرت على الناس لم تنل منهم شيئاً من الاحترام. بل إذا استطاعوا أن يذلّوك لأذلّوك ولم يكترثوا بك. وإن لم يستطيعوا إذلالك، لكنت وضيعاً في قلوبهم، وذليلاً في أعينهم، ولا مقام لك عندهم. افتح قلوب الناس بالتواضع فإذا أقبلت عليك القلوب ظهرت آثارها عليك، وإن أدبرت تكون آثارها على خلاف رغباتك. فإذا فرضنا أنّك كنت من المبتغين للاحترام والمقام الرفيع، لكان اللازم عليك أن تسلك الطريق الّذي يُفضي بك إلى الاحترام والسموّ، وهو مجاراة الناس والتواضع لهم.


في مخالفة الهوى
أيها العزيز....!
إذا كان التكبّر بالكمال المعنويّ، فقد كان الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم والإمام عليّ عليه السلام أرفع شأناً، وإذا كان بالرئاسة والسلطان، فقد كانت لهما الرئاسة الحقّة. ومع ذلك، كانا أشدّ الناس تواضعاً.
واعلم، أنّ التواضع وليد العلم والمعرفة، والكِبر وليد الجهل واْنعدام المعرفة، فامسح عن نفسك عار الجهل والانحطاط، واتّصف بصفات الأنبياء، واترك صفات الشيطان، ولا تنازع الله في ردائه الكبرياء فمن يُنازع الحقّ في ردائه فهو مغلوب ومقهور بغضبه، ويُكَبُّ على وجهه في النار. وإذا عزمت على إصلاح نفسك، فطريقه العمليّ أمر يسير مع شيءٍ من المثابرة، وأنّه طريق لو اتّصفت بهمّة الرجال وحريّة الفكر وعلو النظر، فلن تصادفك أيّة مخاطر. والأسلوب الوحيد للتغلّب على النفس الأمّارة وقهر الشيطان، ولاتّباع طريق النجاة، هو العمل بخلاف رغباتهما.


في خلوص النية
أيها العزيز!
اْشدد عزيمتك، ومزّق عن نفسك سجف (سكون) الجهل، واْنجُ بنفسك من هذه الورطة المهلكة، كان إمام المتّقين وسالك طريق الحقيقة ينادي في المسجد بأعلى صوته حتّى يسمعه الجيران: "تَجَهَّزُوا رَحِمَكُمُ اللهُ فَقَدْ نُودِيَ فِيكُمْ بِالرَّحيل"، وما زادٌ ينفعك سوى الكمالات النفسانيّة، وتقوى القلب، والأعمال الصالحة، وصفاء الباطن، وخلوص النيّة من كلّ عيب وغش. فإذا كنت من أهل الإيمان الناقص والصوريّ، فعليك أن تطهّر نفسك من هذا الغش حتّى تنضمّ إلى زمرة السعداء والصالحين. والغش يزول بنار التوبة والندم، وبإدخال النفس في أتون العذاب واللوم، وصهرها في حرارة الندامة والعودة إلى الله.


في ترك الكبر
أيها الأخ...!
ما دمت في مقتبل عمرك، وزهرة شبابك، وأوج قوتك، وحريّة إرادتك، سارع لإصلاح نفسك، ولا تلقِ بالاً لهذا الجاه والمقام، وطأ على هذه الاعتبارات بقدميك إنّك إنسان، فأبعد نفسك عن صفات الشيطان، فلعلّ الشيطان يهتمّ بهذه الصفة اهتماماً كبيراً لكونها صفة من صفاته. وهي الّتي أدّت إلى طرده من حضرة الله، ولذلك فهو يُريد أن يوقع الإنسان، عارفاً أو عاميّاً عالماً أو جاهلاً في مثل هذه الرذيلة، حتّى إذا ما لقيك يوم القيامة شَمِتَ بك قائلاً: "ويا ابن آدم، ألم يخبرك الأنبياء بأنّ التكبّر على أبيك قد طردني من حضرة الحقّ. لقد نزلت عليّ لعنة الله لأنّي احتقرت مقام آدم واستعظمت مقامي، فلماذا أوقعتك نفسك في هذه الرذيلة؟".


في اغتنام القوة
عزيزي...!
إنّ الوقوف منذ البداية دون تسرّب المفاسد الأخلاقيّة أو العمليّة إلى مملكة ظاهرك وباطنك، أيسر بكثير من إخراجها بعد توغّلها، لأنّ ذلك يتطلّب الكثير من العناء والجهد.وإذا تسرّبت، فإنّك كلّما أخّرت التصدّي لإخراجها، ازداد الجهد المطلوب منك وضعفت قواك الداخليّة. فلا تتركوا هذه القوى تضيع من أيديكم، ويستولي عليكم ضعف الشيخوخة، وعندئذٍ يصعب عليكم التوفيق في مساعيكم.


في ترك حب الدّنيا
عزيزي...!
بعد أن عرفت مفاسد هذا التعلّق والحبّ، وأدركت أنّ ذلك يفضي بالإنسان إلى الهلاك، ويجرّده من الإيمان، ويجعل دنياه وآخرته متشابكتين مضطربتين، فشمّر عن ساعد الجدّ، وقلّل حسب طاقتك من التعلّق بهذه الدنيا، واْقتلع جذور حبّها من نفسك، واْحتقر الأيّام القليلة الّتي تقضيها في الحياة، واْزهد في خيراتها المشوبة بالألم والعذاب والنقمة، واْطلب من الله أن يعينك على الخلاص من هذا العذاب وهذه المحنة، ويجعل قلبك يأنس بدارِ كرمه تعالى: ﴿وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى﴾.


في ترك النفاق
أيها العزيز....!
إنّ من مراتب النفاق وذي اللسانين والوجهين، النفاق مع الله تعالى والتوجّه إلى مالك الملوك ووليّ النِعم بوجهين، حيث من الممكن أن نكون المبتلين به في هذا العالم ونحن غافلون عنه.لأنّ أستار الجهل الكثيفة وحجب الأنانيّة المظلمة وحبّ الدنيا وحبّ الذات مسدولة عليه ومختفية عنّا، ومن الصعب جدّاً أن ننتبه له قبل انكشاف السرائر، ورفع الحجب، والظعن عن دنيا الطبيعة، وشدّ الرحال عن دار الغرور ودار الجهل والغفلة.
إنّنا الآن غارقون في نوم الغفلة، محكومون لسُكر الطبيعة، والميول والرغبات الّتي تزيّن لنا كلّ قبائح الأخلاق وفساد الأعمال، وإذا ما استيقظنا وصحونا من هذه السكرة العميقة يكون قد فات الأوان. إذ نجد أنفسنا قد صرنا في زمرة المنافقين وذي الوجهين واللسانين وحُشرنا بلسانين من نار، أو بوجهين مشوّهين بشعين.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد

مواقيت الصلاة