من التاريخ

وادي بدر، موقعه وتاريخه وشهوده على التوحيد (1)


تقع منطقة بدر على بعد 150 كلم جنوب غرب المدينة المنورة، وعلى مسافة 300 كلم تقريباً شمال مكّة المكرّمة.
تمتاز بوفرة مصادر المياه، وتبعاً لذلك بالواحات الخضراء. كانت قبل الإسلام منزلاً للقوافل التجارية في طريقها من وإلى بلاد الشام، وفيها سوق من أسواق العرب، وكانت تحضرها الشعراء ليتباروا في إلقاء قصائدهم، كلّ ذلك أكسبها شهرة واسعة.
مدينة بدر اليوم هي مركز وادي الصفراء، وتقع على مفترق الطرق بين مكّة المكرّمة ومدينتَي جدّة وينبُع، وهي محطّة أساسية للمسافرين إلى شمال الحجاز.
من معالم المدينة مسجد العريش الذي بُني في المكان الذي أُقيم فيه العريش لرسول الله يوم معركة بدر، وعلى مقربة منه مدافن شهداء بدر.

قريش تردّ بعنف على دعوات النبيّ للتفاوض
بعد هجرة النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم والمسلمين إلى المدينة المنوّرة اختلفت الأمور تماماً عمّا كانت عليه في مكّة المكرّمة، فالإسلام أصبحت له دولة، ورسول الله صلّى الله عليه وآله يترأّس كياناً سياسياً أكثر تنظيماً واستقراراً من الكيان السياسي الذي تتوزّع الأُسَر القرشية رئاسته، ولم يعد المسلمون ضعفاء يخافون أن يتخطّفهم الناس، بل صارت لهم دولة تحميهم ووطن يأويهم ويدافعون عنه.
كما أنّ الوحي نزل بالإذن بقتال المشركين وذلك في الآية التاسعة والثلاثين من سورة (الحجّ) وهي قوله تعالى: ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ﴾.
ما أن رتّب النبيّ صلّى الله عليه وآله الأوضاع الداخلية لكيانه السياسي في المدينة، حتى بدأ بإرسال الإشارات المتلاحقة إلى قريش لإشعارها بأنّ الأمور قد تغيّرت، وأنّ طريق تجارتها إلى الشام أصبح تحت سيطرته، فإن شاء تركها تمرّ وإن شاء منعها، ومن الخير لها أن تفاوضه، فهو لا يطلب الكثير، وليس له سوى شرط واحد، بل حقٌّ مُكتسَب، وهو أن تُخلي قريش بينه وبين قبائل العرب يدعوها إلى دينه بلا إكراه، وليس كثيراً على قريش أن تجيبه إلى طلبه، فإنّ اليهود والنصارى كانوا يدعون الناس إلى دينهم، ولا تعترضهم بطون قريش، بل إنّ عبَدة الأصنام يتمتّعون بذات الحقّ أيضاً، فلماذا لا تعامل قريش المسلمين كذلك وتخلّي بينهم وبين العرب؟
أرسل النبيّ صلّى الله عليه وآله سبع سرايا عسكرية خلال عام واحد لاعتراض قوافل قريش التجارية، وقد قُتل في السريّة الأخيرة من المشركين عمرو الحضرمي وأُسر صاحباه، ولكن قريشاً مضت في مكابرتها، وتجاهلها للواقع، وأصرّت على أن لا تفاوض المسلمين بأيّ شكلٍ من الأشكال.

الهدف الحقيقي لاستنفار قريش
في المرة الثامنة خرج النبيّ صلّى الله عليه وآله، لاعتراض قافلة قريش القادمة من الشام، ومن مدينة غزّة تحديداً، بقيادة أبي سفيان الذي علم بخروج المسلمين لاعتراضه، فغيّر مسير القافلة، وأرسل أحد رجاله ويدعى ضمضم بن عمرو الغفاري من تبوك إلى قريش يستنفرها لحماية أموالها.
كان خروج المسلمين بعد نزول الوحي على رسول الله يأمره بالمسير إليهم: ﴿وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ..﴾ الأنفال:7، و«إحدى الطائفتين» كما قيل في تفسيرها: «العِير أو النفير»، أي السيطرة على القافلة، أو الانتصار على جيش المشركين.
وحيث إنّ أكثر أهالي مكّة كانوا مساهمين في القافلة التجارية، فقد جهّزوا جيشاً من جميع القبائل وبمشاركة جميع أشراف مكّة - سوى أبي لهب الذي خاف أن يظفر به الرسول، فأرسل العاص بن هشام ليسدّ مسدّه - في ألف مقاتل وبقيادة عمرو بن هشام المخزومي (أبي جهل)، ووجّهوا الجيش نحو منطقة بدر.
ومن الجدير بالذكر أنّ بعض أشراف قريش، ومن الذين قُتلوا في المعركة كعتبة بن ربيعة وأمية بن خلف، لم يوافقوا على الحرب، بل أُجبروا عليها بضغوط من أبي جهل. كما تخلّف عن الحرب عدد من بطون قريش كبني زهرة، وبني هاشم، إلّا من أُكره منهم على الخروج تحت التهديد بالقتل.
بدأت قريش زحفها الآثم على المسلمين وهدفها المعلن هو حماية أموالها، إلّا أنّها صرّحت بهدفها الحقيقي بعد أن نجت القافلة، فقد أرسل أبو سفيان رسالة إلى قريش يقول فيها: «إنّما خرجتم لتمنعوا عيركم ورجالكم وأموالكم، فقد نجاها الله، فارجعوا»، لكنّ أبا جهل أصرّ على محاربة المسلمين، وقال: «والله لا نرجع بعد أن مكّننا الله منهم، ولا نطلب أثراً بعد عين، ولا يعترض لعِيرنا بعد هذه أبداً».
سمع النبيّ صلّى الله عليه وآله بخروج قريش بخيلها ورجلها وتصميمها على الوصول إلى بدر لقتال المسلمين، فخرج مع مجموعة من أصحابه من المدينة المنورة، في 12 أو 13 من شهر رمضان.

استقرار المسلمين في بدر
بعد العبور من منازل عدة، وصل رسول الله، في الخامس عشر من شهر رمضان، إلى منطقة «روحا»، وصلّى بالقرب من بئرها ولعن كلاً من أبي جهل وزمعة بن الأسود، وتحرّك بعد ذلك باتّجاه بدر، وبالقرب منها أخبره جبرئيلُ باقتراب جيش قريش، فأرسل صلّى الله عليه وآله رسلاً في مقدّمهم الإمام عليّ عليه السلام إلى أحد الآبار بالقرب منهم ليطّلع على الأخبار، وقد اصطدموا ببعض سقاة قريش وأسروا شخصين منهم. وبعد التحقيق معهما تبيّن أنّ عدد جيش قريش يتكوّن من 900 إلى 1000 مقاتل، وقد قدموا إلى بدر بمعية أغلب أشرافهم، واستقروا خلف التلال الرملية في العدوة القصوى. فقال الرسول صلّى الله عليه وآله: «هذه مكّة قد ألقَت إليكم أفلاذ كبدها»، وطلب أصحابه للشورى، فأبدى كلٌّ منهم رأيه. وينقل التاريخ عن مقداد -أحد المهاجرين- بأنّه قال: «يَا رَسُولَ اللهِ، امْضِ لِأَمْرِ اللهِ فَنَحْنُ مَعَك، وَاَللهِ لَا نَقُولُ لَك كَمَا قَالَتْ بَنُو إسْرَائِيلَ لِنَبِيّهَا: ﴿..فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ﴾ (المائدة:24)، وَلَكِنْ اذْهَبْ أَنْتَ وَرَبّك فَقَاتِلَا إنّا مَعَكُمَا مُقَاتِلُونَ».
وتكلّم أيضاً سعد بن معاذ زعيم الأوس وحامل لواء الأنصار، وأعرب عن كون قومه تحت إمرة الرسول صلّى الله عليه وآله فيما يأمر ومهما حصل، فسُرَّ النبيّ من كلام مقداد وسعد، وقال: «سيروا وأبشِروا فإنّ الله تعالى قد وَعدَني إحدى الطائفتين، والله لكأنّي أنظرُ إلى مَصارع القوم».
وعقد رسول الله صلّى الله عليه وآله، يومئذ الألوية، وفي الليلة نفسها هطلت الأمطار الغزيرة، الأمر الذي شلّ حركة المشركين حيث أصبحت منطقة سيرهم أشبه بالمستنقعات، ولكنها سبّبت من جهة أخرى استحكام الأراضي الرملية التي استقرّ عليها المسلمون، فلذا تحرّكوا باتّجاه بدر حتى وصلوها مساء السادس عشر من شهر رمضان.
كان لواء رسول الله وراية المهاجرين مع أمير المؤمنين الإمام عليّ بن أبي طالب صلوات الله عليه، وراية الأنصار مع سعد بن عبادة، وأمرَهم رسولُ الله صلّى الله عليه وآله أن لا يسلّوا السيوف حتى يغشاهم المشركون...
التقى الجيشان، فرفع النبيّ صلّى الله عليه وآله يديه إلى السماء، ودعا ربّه قائلاً: «اللّهمّ إنّك أنزلتَ عليَّ الكتابَ وأمرتَني بِالقتالِ، ووعدْتَني إحدى الطّائفتَين وأنتَ لا تُخلِفُ الميعاد، اللّهمّ هذه قريش قد أقبَلَت بِخُيَلائها وفخرِها، تُحادُّكَ وتُكذِّبُ رسولَك، اللّهمَّ نصرك الذي وعدْتَني، اللّهمَ أَحِنْهُم الغَداة».
ــــــــــــ
حسين الوائلي،  مجلة شعائر العدد 88

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد

مواقيت الصلاة