مقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ محمّد تقي بهجت
عن الكاتب :
الشيخ محمّد تقي بهجت . ولد عام 1334 هـ بمدينة فومن في إيران، أنهى دراسته الابتدائية بمدينة فومن ، ثمّ أكبَّ على تعلّم العلوم الدينية ، وفي عام 1348 هـ سافر إلى مدينة قم المقدّسة لإكمال دراسته ، فأقام فيها مدّة قصيرة ، ثمّ سافر إلى مدينة كربلاء المقدّسة ، وفي عام 1352 هـ سافر إلى مدينة النجف الأشرف لإكمال دراسته الحوزوية ، وبقي فيها إلى عام 1356 هـ ، ثمّ سافر إلى قم المقدّسة لمواصلة دروسه . اشتهر بـالعرفان، والزهد والتقوى. وكان يقصد مسجده الكثير للاقتداء به في صلاة الجماعة كما وذاع صيت حالاته العرفانية. توفي في مدينة قم المقدسة ودفن في حرم السيدة معصومة عليها السلام.

اعملوا بما تعلمون

 

الشيخ محمد تقي بهجت
لقد طلب جماعة من المؤمنين والمؤمنات النصيحة، وطلبهم هذا يَرِدُ عليه إشكالات منها:
1- أنّ النصيحة تكون في الجزئيات، والموعظة أعمّ من الكليات والجزئيات. ولا تكون النصيحة ممّن لا يملك المعرفة لمثله.
2- "من عمل بما علم ورّثه اللّه عِلْمَ ما لم يعلم"(1).
- "من عمل بما عَلِم كُفِيَ ما لم يعلم"(2).
- ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا﴾ (سورة العنكبوت الآية 69).
إعملوا بما تعلمون، واحتاطوا فيما لا تعلمون إلى أنْ يتضح أمره. فإنْ لم يتضح، فاعلموا أنكم قد أهملتم بعض ما تعلمون. وطلب الموعظة من غير العامل محل اعتراض. ومن المقطوع به أنكم قد سمعتم بعض المواعظ، وتعلمتموها ولم تعملوا بها، وإلاّ لكنتم على بصيرة ووضوح من الأمر.
3- الجميع يعلمون أنّ عليهم أخذ الرسالة العملية، وقراءتها وفهمها، والعمل طبقها، وتشخيص الحلال والحرام بواسطتها. وكذلك الأمر بالنسبة للمدارك الشرعية إن كانوا من أهل الاستنباط. إذاً، لا يمكنهم القول: "إننا لا نعلم ما الذي يجب علينا فعله أو تركه".
4- انظروا إلى أعمال مَنْ لديكم اعتقاد حَسَنٌ بهم، فما يأتون به عن اختيار فعليكم بإتيانه، وما يتركونه عن اختيار فعليكم بتركه. وهذا من أفضل السبل للوصول إلى المقاصد العالية "كونوا دعاة لنا بغير ألسنتكم"(3).
5- من الأمور الواضحة أنّ قراءة القرآن في كل يوم، والأدعية المناسبة للأوقات والأمكنة، في التعقيبات وغيرها، وكثرة التردّد إلى المساجد والمشاهد المشرّفة، وزيارة العلماء والصلحاء ومجالستهم، ممّا يرضاه اللّه ورسوله صلى الله عليه وآله . كما يجب مراقبة ازدياد البصيرة والأنس بالعبادة والتلاوة والآيات يوماً بيوم. وعلى العكس من ذلك، فإن كثرة مجالسة أهل الغفلة تزيد من قساوة القلب وظلمته، ومن النفور من العبادات والزيارات. ولذا، نجد أنّ الأحوال الحسنة الحاصلة من العبادات والزيارات وأنحاء التلاوة، تتبدّل بسبب مجالسة ضعفاء الإيمان إلى سوء الحال والنقصان. فمجالسة ضعفاء الإيمان إذاً في غير صورة الاضطرار - أو من دون قصد هدايتهم - تسبّب فقدان الملكات الحسنة للمرء، بل إنّه يكتسب أخلاقهم الفاسدة: "جالسوا من يذكّركم اللّه رؤيته، ومن يزيد في علمكم منطقه، ومن يرغّبكم في الآخرة عمله"(4).
6- من الواضحات أنّ ترك المعصية في الاعتقاد والعمل يغني عن غيره. فغيره يحتاج إليه، بينما هو لا يحتاج إلى غيره، بل هو مولّد للحسنات ودافع للسيئات: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾(الذاريات: 56). ويظن البعض أنهم قد اجتازوا مرحلة ترك المعصية، غافلين عن أنّ المعصية لا تختص بالكبائر المعروفة، بل الإصرار على الصغائر أيضاً كبيرة. والنظرة الحادّة مثلاً إلى المطيع لإخافته إيذاء محرّم، كما أنّ الابتسام للعاصي لتشجيعه إعانة على المعصية. ومحاسن الأخلاق الشرعية ومفاسدها قد تمّ بيانهما في الكتب والرسائل العملية. وإنّ الابتعاد عن العلماء والصلحاء يمنح سارقي الدين الفرصة، لتضييع الإيمان وأهله بأهون السبل وأرخصها، وأبعدها عن الخير والبركة. وكلّ هذا مجرّب ومشاهد. نسأل اللّه تعالى أن يجعل هديتنا في أعياد الإسلام الشريفة، التوفيق للعزم الراسخ الثابت الدائم على ترك المعصية، فإنّه مفتاح سعادة الدنيا والآخرة، إلى أنْ يصبح ترك المعصية ملكة. والمعصية بالنسبة لصاحب الملكة بمنزلة شرب السمّ للعطشان، أو أكل الميتة للجائع. وبالطبع، فلو كان هذا الطريق صعباً إلى آخره، ولا ينتهي بالسهولة والرغبة، لما وقع مورداً للتكليف والترغيب والحثّ من قبل الخالق القادر الرحيم. وما توفيقي إلاّ باللّه عليه توكّلت وإليه أنيب، والحمد للّه أوّلاً وآخراً، والصلاة على محمد وآله الطاهرين، واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين.
 

* مَنْ عَمِلَ بما عَلِم كُفي ما لم يعلم
لنسأل السادة الذين يطلبون الموعظة: هل عملتم بالمواعظ التي سمعتموها لحدّ الآن أم لا؟
هل تعلمون أنّ مَنْ عَمِل بما يعلم علّمه اللّه ما لا يعلم؟
هل من اللائق توقّع زيادة المعلومات مع كونكم تركتم العمل بما تعلمون باختياركم؟
وهل يفترض أن تكون الدعوة إلى الحق بواسطة اللسان؟ 
ألم يقولوا عليهم السلام [ما مضمونه]؛ "كونوا دعاة للحق بأعمالكم".
هل علينا تعليم طريق التعليم أم تعلّمه؟
[أفلا يتّضح] جواب هذه الأسئلة من القرآن الكريم [حين يقول]: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا﴾(العنكبوت:69). ومن كلام المعصوم عليه السلام [حيث يقول]: "مَنْ عَمِلَ بما عَلِمَ ورَّثه اللّه عِلْمَ ما لم يعلم"(5). "مَنْ عَمِلَ بما عَلِمَ كُفي ما لم يعلم"(6). منَّ اللّه علَينا بالتوفيق لعدم ترك [وإهمال] ما نعلم، وللتوقّف والاحتياط فيما نجهل إلى أن يُعلم. ولا نكون ممّن قيل فيهم: "أقاموا المجلس لحاجة ومصلحة، فلم ينلهم إلاّ الجلوس والكلام والقيام"(7). وما توفيقي إلاّ باللّه عليه توكّلت وإليه أنيب.
ــــــــ
(1) بحار الأنوار، ج 8; ص18.

(2) التحفة السنيّة، السيد عبد الله الجزائري، ص6.
(3) أصول الكافي، ج2.
(4) تاريخ مدينة دمشق، ابن عساكر، ج47، ص453.
(5) بحار الأنوار، ج8، ص18.
(6) التوحيد، الشيخ الصدوق، ص416.
(7) ترجمة لشعر بالفارسية.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد

مواقيت الصلاة