مقالات

كيفيّة إدراك الحقائق الإيمانيّة

 

صدر المتألهين الشيرازي 
"وإنّي كنتُ سالفاً كثير الاشتغال بالبحث والتكرار، وشديد المراجعة إلى مطالعة كتب الحكماء النظّار (أهل الفكر والنظر)، حتّى ظننتُ أنّي على شيء، فلمّا انفتحت بصيرتي قليلاً ونظرتُ إلى حالي:
رأيتُ نفسي -وإنْ حصّلت شيئاً من أحوال المبدأ وتنزيهه عن صفات الإمكان والحدثان، وشيئاً من أحكام المعاد لنفوس الإنسان- فارغةً عن علوم الحقيقة وحقايق العيان، ممّا لا يُدرك إلّا بالذوق والوجدان، وهي الواردة في الكتاب والسُنّة من معرفة الله وصفاته وأسمائه وكتبه ورسله، ومعرفة النّفس وأحوالها من القبر والبعث والحساب والميزان والصراط والجنّة والنار وغير ذلك، ممّا لا يُعلم إلّا بتعليم الله، ولا تنكشف إلّا بنور النبوّة والولاية.
والفرق بين علوم النظّار وبين علوم ذوي الأبصار كما بين أنْ يعلَمَ أحدٌ حدَّ الحلاوة (أي تعريفها ووصفها) وبين أن يذوق الحلاوة، وكم بين أنْ تُدرك حدّ الصحّة والسلطنة وبين أن تكون صحيحاً سُلطاناً، وكذلك مقابل هذه المعاني.
فعلمتُ يقيناً أنّ هذه الحقايق الإيمانيّة لا تُدرك إلّا: 
 بالتصفية للقلب عن الهوى 
 والتهذيب عن أعراض الدنيا 
 والعزلة عن صُحبة الناس وخصوصاً الأكياس 
والتدبّر في آيات الله وحديث رسوله وآله عليهم السلام 
والتسيّر بسيرة الصالحين، في بقيّة العُمر القليل -وبين يديّ السير الطويل (سفرُ الآخرة).


فلمّا أحسستُ بعجزي وأيقنتُ أنّي لستُ على شيء، وقد كنتُ قنعتُ عن ضوء النور بظلٍّ وفيء، اشتعلتْ نفسي لكثرة الاضطرار اشتعالاً قوياً، والْتَهَبَ قلبي لشدّة الانضجار التهاباً نوريّاً، فتدارَكَتْهُ العناية الأزليّة بالرحموت، ونَظَرَتْ إليه العَطُوفَةُ الربّانيّة بشيءٍ مِن لَوَامِعِ المَلَكُوت. 
فأفاض علَيَّ مِنْ بحرِ الجودِ شيئاً من أسرار الوجود، وأفادني مُظْهِرُ الخفيّات ومنوّر المهيّات بعضاً من أسرار الآيات وشواهد البيّنات، فاطّلعتُ على بعض أسرار التنزيل وحقائق التأويل.
فشرعتُ خيرة من الله ورسوله في تفسير طائفةٍ من السور والآيات، وقرعتُ باب رفع الحُجب وكشف النقاب عن وجوه البيّنات.
فرأيتها بحمدِ الله كطبقات الجنان مفتّحة الأبواب، فيها وجوده من الحور العين، يُنادون أصحاب الكشف واليقين {سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ (73)} (الزمر) ففسرتُ كثيراً من الآيات والسُور الطوال والقصار، كما قضى الله وأراد خالق القوى والأقدار، وأنشأ وأفاد واهبُ العلوم والأنوار."

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد

مواقيت الصلاة