فجر الجمعة

نداء الجمعة || حياة الإمام الرضا (ع)

 

سماحة الشيخ عبد الكريم الحبيل

تمر بنا هذا اليوم على رواية، ذكرى وفاة ثامن أئمة الهدى الإمام علي بن موسى الرضا (ع)، ونحن بهذا الحدث الجلل نتقدم برفع العزاء كل العزاء إلى مقام سيدنا ومولانا صاحب العصر والزمان (عج)، وإلى نوابه بالحق مراجعنا العظام وإلى جميع شيعة آل محمد ومحبيهم، أسأل الله سبحانه وتعالى أن يعظم لنا ولكم الأجر، ويجزل لنا ولكم المثوبة إنه سميع مجيب.

 

ونحن نعيش هذا اليوم تلك الذكرى الأليمة، لابد ومن الأدب أن يكون حديثنا حول شخصية ذلك الإمام العظيم، وما روي عنها من عطاء ومن فضل ومن وعظ وإرشاد ومبادئ وعقائد ومفاهيم إسلامية كبرى.

والموضوع تحت عنوان أهداف الإمام الرضا (ع) من حديث السلسلة الذهبية، حديث السلسلة حديث مشهور، بين الفريقين شيعة وسنة وقد رواه الفريقان في كتب اسانيدهم الحديثية وشهرته شهرة مستفيضة جدا، حينما مر الإمام الرضا (ع) على مدينة نيشابور في تلك السفرة التي أشخصه فيها المأمون العباسي إلى مدينة مرو في أقصى شرق الدنيا من أقاصي الدول الإسلامية التي كانت لفترة زمنية طويلة تحت نير الإحتلال السوفياتي، حيث المأمون العباسي اتخذ مدينة مرو عاصمة له هناك فمر بإقليم خرسان وكانت مدينة نيشابور في تلك الفترة معهدا علميا كبيرا وتضم حوزة علمية قد تجمع فيها ماشاء الله من حملة العلم ورواة الحديث، والظاهر أن من مؤسسي تلك المدرسة الإسلامية أو الحوزة العلمية الإسلامية الكبرى أحد العلماء الكبار الذي يعرف بالذهلي وهو من بني ذهل كان عربيا استوطن نيشابور وقصده الطلاب من كل مكان وبذلك الوقت ابتدأ ذلك التجمع العلم والعلمائي، الإمام حينما مر على نيشابور كان من كبار علماء نيشابور في تلك الفترة أبو زرعة الرازي ومحمد ابن اسلم الطوسي وفيها عدد هائل جدا من العلماء والطلاب، وطلبوا من الإمام (ع) أن يحدثهم بحديث عن آباءه الطاهرين، فاجتمع حملة العلم حول الإمام (ع) وحدثهم بذلك الحديث عن أبيه عن آباءه عن جده رسول الله عن جبرائيل عن الله، حدثهم بحديث قدسي، والحديث القدسي هو ما كان المعنى من الله سبحانه واللفظ لرسول الله (ص)، قال "كلمة لا إله إلا الله حصني فمن قالها دخل حصني، ومن دخل حصني أمن من عذابي"، فلما مرت الراحلة ناداهم الإمام (ع) وهو على راحلته قال "ولكن بشرطها وشروطها، وأنا من شروطها".

 

أولا نقف بعض الوقفات عند هذا الحديث، النقطة الأولى أن الإمام (ع) لم يحدثهم عن مسألة فرعية من الصوم أو الصلاة أو الحج أو الزكاة، لم يحدثهم بحديث من الفروع، وإنما حدثهم بحديث من الأصول، واختار التوحيد، توحيد الله سبحانه وتعالى "كلمة لا إله إلا الله حصني، فمن قالها دخل حصني ومن دخل حصني أمن من عذابي"، التوحيد الذي هو حصن الله الحصين، توحيد الله سبحانه وتعالى، والتوحيد الذي يكون حصنا للعبد من عذاب الله سبحانه وتعالى لابد أن يكون توحيدا كاملا بكل أبعاد التوحيد، توحيد الربوبية، توحيد الخالقية، توحيد الإلوهية، توحيد أيضا كذلك العبودية، توحيد الحاكمية، توحيد بكل فروع وأقسام وأبعاد التوحيد لله سبحانه وتعالى حتى يكون التوحيد حصنا حصينا لك، ولم يلق الإمام (ع) عليهم موعظة من المواعظ أو حكمة من الحكم المروية عن رسول الله (ص) الذي قد أتاه الله الحكمة، كما كانت عادة العلماء آنذاك، يعني العلماء في ذلك الزمان مثلا حينما يلتقي بعلماء وطلبة علوم ولفترة قصيرة جدا يلقي عليهم موعظة أخلاقية تربوية، الإمام (ع) أيضا كذلك لم يحدثهم بحديث وعظي أخلاقي تربوي، ولم يستغل كذلك الموقف لأهداف شخصية حاشاه (ع)، هنا الإمام (ع) كلّم الناس باعتباره القائد الحقيقي للأمة الذي يمثل مكانة رسول الله (ص)، والذي يمثل الإمتداد الطبيعي لجميع الأنبياء والرسل والأولياء (ع)، الذين خاطبوا أممهم وقالوا "قولوا لا إله إلا الله تفلحوا".

 

القائد حينما يريد أن يخاطب الناس ويوجههم، يوجه الناس إلى أهم قضية ترتبط بوجودهم حاضرا ومستقبلا، هو في ذلك اللقاء والذي يكون لفترة بسيطة جدا، ولقاء لربما للحظات وجيزة أثار الإمام (ع) فيهم أهم قضية ترتبط بوجود الإنسان حاضرا وترتبط بوجوده مستقبلا كذلك، التوحيد، توحيد الله الذي هو الأساس للحياة الكريمة وهو النجاة لكل الأمم وهو نداء الأنبياء والرسل من لدن آدم إلى الخاتم محمد (ص)، الإمام (ع) هنا أيضا بعد ذلك قال "ولكن بشرطها وشروطها، وأنا من شروطها"، يقول أحد العلماء الكبار أن الإمام (ع) حينما قال "ولكن بشرطها وشروطها، وأنا من شروطها، علما بأن عبارة شروط تغني عن الشرط لأن الشروط هي جمع الشرط، يعني لماذا لم يقل بشروطها وأنا من شروطها وإنما قال بشرطها وشروطها؟ يقول في ذلك إشارة إلى مقام رسول الله (ص) وإن الشرط الأول والأساس هو رسول الله (ص)، وأشار بالشرط إلى رسول الله (ص)، وبالشروط إلى الأئمة الإثنى عشر (ع)".

 

الإمام (ع) أيضا هنا، النقطة الثانية ربط التوحيد بالولاية، ولكن بشرطها وشروطها وأنا من شروطها، ربط التوحيد، أو ربط التوحيد بولاية الأئمة من أهل البيت (ع)، وبعد أن مشى قليلا ليثير انتباها كبيرا فيهم، وهذه حكمة البلغاء حينما يريد أن يثير قضية مهمة جدا، كثير من البلغاء والخطباء إذا أراد أن يثير قضية مهمة يتوقف قليلا ثم يثير تلك القضية، أو يذكرها ويتوقف قليلا، ليثير انتباه المستمع إليها، فالإمام (ع) مشى هنيهة ثم بعد ذلك قال لهم "ولكن بشرطها وشروطها، وأنا من شروطها".

 

ثالثا، الإمام (ع) يريد أن ينبههم إلى أن ولاية الأمر هي أولا من الله سبحانه وتعالى وأن ولاية المأمون ليست ولاية شرعية لأنها ليست من قبل الله، وأنني لو كان المأمون يريد أن يجعلني خليفة أو وليا للعهد كما أنتهى الأمر إلى ذلك، فإن ولايتي على الأمة هي من قبل الله لا من قبل المأمون.

 

رابعا، الإمام (ع) أراد أن يؤكد على أن الأعمال لا تقبل إلا بالإيمان، وأن الإيمان ركن أساس في قبول العمل، وأن الأعمال لا تقبل إلا بالإقرار والإذعان بولاية الأئمة من أهل البيت (ع) "إني تارك فيكم الثقلين، كتاب الله وعترتي أهل بيتي".

 

أيضا كذلك الإمام ذكر السند والسلسلة المتصلة إلى رسول الله (ص) في ذلك الحديث ليؤكد على مبدأ الإمامة وأن الإمامة في أهل البيت (ع)، كذلك يريد الإمام (ع) أن يؤكد على أن الأئمة (ع) هم تراجمة وحي الله وهم معادن علم الله، وهم خزائن رحمة الله، فمن أراد الله بدأ بهم، ومن وحده قبل عنهم، إذا كنتم تريدون توحيد الله وأن تكون لكم لا إله إلا الله حصنا، فلا يمكن أن تكون لكم حصنا إلا بالإذعان والإقرار بولاية الأئمة من أهل البيت (ع)، وأن التوحيد الحقيقي الخالص يؤخذ من تراجمة وحي الله ومعادن علم الله وأهل بيت رسول الله ومن وصية رسول الله الذين قرن رسول الله (ص) الكتاب بهم وجعلهم هم تراجمة الوحي وهم عدل القرآن الكريم.

 

كذلك كان الإمام (ع) يريد أن ينبههم أن بنا عرف الخلق توحيد الله، وبنا عرف الخلق الخالق الحق سبحانه وتعالى، فالبشرية منذ لدن آدم إلى أن إنتهت النبوة بالمصطفى والإمامة بأهل البيت (ع)، هم الذين بلغوا البشرية جمعاء توحيد الله الخالص ومعنى توحيد الله الخالص، ومعنى ذلك التوحيد وحقيقة ذلك التوحيد والذين دعوا إلى ذلك التوحيد وبهم عرفت البشرية ذلك التوحيد "ولكن بشرطها وشروطها وأنا من شروطها"، إذا كنتم تريدون توحيد الله فعنّا نحن أولياء الله، نحن حجج الله عرفتم توحيد الله، وعرفتم ألا لا إله إلا الله، وإلا لولا إرسال الأنبياء والرسل والأولياء والأئمة (ع) أين البشرية من توحيد الله؟ لكانت البشرية في ضلال، في ظلمات بعضها فوق بعض.

 

النقطة الأخيرة، أن الأئمة (ع) مهما كانوا عليه من التقية مع الظالمين وما مروا به من النكال والإيذاء والظلامة التي ارتكبها أولئك الظلمة في حقهم إلا أنهم لم يتبعوا مبدأ التقية في الإمامة بتاتا، في موضوع الإمامة وأنهم خلفاء رسول الله (ص) وأنهم الأئمة الهداة المهديين الذين أوصى بهم رسول الله (ص) في تلك النقطة لم يتبعوا التقية ولم يخفوا ذلك المبدأ قط، من الإمام علي والحسن والحسين وهكذا إلى خاتم الأولياء والأوصياء الإمام المهدي الموعود المنتظر (عج)، وتحملوا في ذلك ما تحملوا، واضطهدوا في سبيل ذلك وأوذوا بالتعذيب والنكال والسجون والإقامات الجبرية، وتتبعوهم قتلا وسما وإيذاء وتنكيلا، ولم يتبعوا التقية، الإمام وهو في ركب للمأمون ومشخص إشخاص قهري، إحباري من المدينة المنورة إلى عاصمة المأمون في مرو إلا أن الإمام (ع) يجهر وأمام علماء المسلمين في عاصمة العلم في ذلك الزمان نيشابور يجهر بأنه خليفة رسول الله، بأنه إمام معصوم مفترض الطاعة، بأن المنصب الإلهي الحق له (ع) في ذلك الزمان.

 

نعم الإمام (ع) لابد أن يبين تلك الحقائق الإلهية، ولابد أن يعرف الأمة بمنصبه الإلهي الرباني (ع)، أشخصه المأمون العباسي لغرض كان في نفسه، ثم لم يمكث الإمام إلا سنتين، وخلال تلك السنتين نشر الإمام (ع) ما نشر من العلم والمعارف الإلهية الربانية، ثم بعد ذلك لما تمرد بنو العباس على المأمون وهو في مرو، وأرادوا أن يخلعوا خلافته، ويجعلوا خليفة لهم من أسرتهم قفل راجعا من مرو إلى بغداد، وفي طريقه مر بخراسان وبالتحديد بمدينة طوس، وتوقف في معسكر أو قرية قريبة من مدينة طوس تبعد عنها قرابة الثلاثين أو خمس وثلاثين كيلو، توقف هناك لأيام قليلة، وجلس في دار من تلك الدور التابعة لهم أو لأحد قادتهم العسكريين، وهناك دس سما نقيعا للإمام (ع)، وأودى بحياة الإمام (ع) شهيدا غريبا، أي وا إماماه واسيداه، رزقنا الله وإياكم الوصول إلى تلك التربة الطاهرة، ورزقنا وإياكم في الدنيا زيارته وفي الآخرة شفاعته.

 

 

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد

مواقيت الصلاة