علمٌ وفكر

أثر الإمداد الغيبي على حياتنا

 

الشيخ مرتضى مطهري ..

كما إن الأشياء في أصل وجودها مفتقرة إلى المدد من الغيب، أي: إن لكل شيء في الطبيعة، مدد غيبي.

وكذلك الأمر في حياة البشر، فهناك مجموعة من الإمدادات الغيبية الخاصة، فماذا يعني ذلك؟ وهل الإمدادات الغيبية نوعان، عامة وخاصة؟

أجل، هي كذلك، وقبل التعرف على هذين النوعين، يلزم علينا التعرف على بعض المصطلحات القرآنية.

لقد وصف القرآن الكريم الله تعالى بصفتين (الرحمن، الرحيم)، والبسملة التي هي آية قرآنية تشمل على كلا الاصطلاحين، وهاتان اللفظتان مشتقتان من الرحمة، والفرق بينهما:

ان الرحمة الرحمانية: عامة شاملة لكل الموجودات، فإن وجد كل شيء، هو بنفسه رحمة بالنسبة لذلك الموجود، وكذلك الوسائل التي خلقت من أجل المحافظة على بقاء وجده، واستمرارية حياته، هي رحمة أيضاً.

وأما الرحمة الرحيمية: فهي عبارة عن الألطاف الخاصة، التي يستحقها المكلف لحسن أداء وظيفته، فهي لطف خاص، ووقف قوانين خاصة معينة، وليس قانوناً عاماً للطبيعة.

وقد بعث الأنبياء من أجل دفع البشر للإيمان، بمثل هذه الإمدادات الغيبية الخاصة، فلو توافر فينا مثل هذا الإيمان، استحققنا بعض الألطاف من الله، وأمكن لنا أن نطلبها من الله تعالى.

وعلى أي حال، فإن البشر في حياته الخاصة، تشمله أحياناً الألطاف، والتوفيقات الخاصة، سواء في حياته الفردية أو الاجتماعية التي تعينه، وتنتشله من السقوط والدمار، والقرآن الكريم يقول بخصوص النبي (ص): (ألم يجدك يتيماً فآوى، ووجدك ضالاً فهدى، ووجدك عائلاً فأغنى) الضحى/ 6 ـ 8.

ونحن نردد في الفرائض الخمسة: (إياك نعبد وإياك نستعين) الفاتحة/ 4، وهو نوع من طلب المدد من الغيب.

 

أنواع الإمدادات الغيبية:

إن المدد الغيبي تارة يظهر بصورة توفير الشروط والظروف لتحقق النجاح والتوفيق، وأخرى بصورة الهامات وتوجيهات، ولكن، يجب أن نعلم بأن هذه الألطاف الغيبية لا تتحقق عبثاً ومجانياً، فليس الأمر كما يتخيله البعض، بأن يعتكف في بيدته دون أن يعمل شيئاً، ثم ينتظر اليد الغيبية لتستجيب لمطالبه.

كلا، فإن مثل هذا التوقع مخالف لنواميس الوجود والخليقة، وهناك آيتان في القرآن الكريم، تشير إحداهما إلى النوع الأول من الإمدادات الغيبية، وهو توفير شروط الموفقية والنجاح، والثانية تشير إلى النوع الثاني، وهي الإلهامات والألطاف، والتوجيهات، والإرشادات المعنوية.

وسوف نتعرف على الشروط التي يذكرها القرآن الكريم للمدد الغيبي، وانه لا يفاض عبثاً ومجاناً.

الآية الأولى حول النوع الأول: (إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم) محمد/ 7، إذن فمعونة الله، وهي المدد الغيبي، مشروطة بنصرة الله السابقة على مدد الله، أو للمقارنة له، أي: بالخدمة والعمل والجهاد في طريق الخير، وأن يكون كل ذلك في سبيل الله، أي لله وفي الله، وكما أن العمل والمجاهدة شرط، فكذلك الإخلاص وحسن النية.

الآية الثانية حول النوع الثاني: (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين) العنكبوت/ 69، وهذه الآية كالسابقة، وقد اشترطت العمل، وبذل الجهود، وكذلك اشترطت النية، وأن يكون ذلك في سبيل الله، فاشترطت القوة البدنية، والقوة الروحية المعنوية، وفي ظل هذه الشروط سوف تتحقق الهداية والنور القلبي للانسان.

والإمام علي (ع) في فقرة رائعة، يتعرض للأرضية التي يهبط فيها نصر الله، والشروط التي يفاض في ظلها المدد الغيبي، وهذه الفقرة مذكورة في نهج البلاغة: (ولقد كنا مع رسول الله نقتل آباءنا وأبناءنا وإخواننا وأعمامنا، ما يزيدنا ذلك إلا إيماناً وتسليماً ومضياً على الغم، وصبراً على مضض الألم، وجداً في جهاد العدو. ولقد كان الرجل منا والآخر من عدونا يتصاولان تصاول الفحلين، يتخالسان أنفسهما أيهما يسقي صاحبه كأس المنون، فمرة لنا من عدونا، ومرة لعدونا منا، فلما رأى الله صدقنا أنزل لعدونا الكبت وأنزل علينا النصر، ولعمري لو كنا نأتي ما أتيتم ما قام للدين عمود، ولا اخضر للإيمان عود).

والقرآن الكريم يقول حول أصحاب الكهف: (إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى وربطنا على قلوبهم إذ قاموا) الكهف/ 13، 14.

فلأن هؤلاء قد آمنوا بالله، وثاروا بوجه التقاليد الجاهلية، وخرافات قومهم، ونصروا دين الله تعالى، لذلك أفاض الله عليهم ألطافه الخاصة، فأعطاهم قوة في العقيدة وصلابة في القلب.

فالمدد الغيبي هنا كان بصورة الهداية وتقوية الارادة، وكلاهما مشروط بأمرين: أحدهما العمل والثورة، والثاني أن يكون ذلك لله وفي الله.

فإذا اقترنت حياة الانسان بالرغبة في الحقيقة، والبحث الدائب عن الحق، والإخلاص، والعمل النافع، فسوف تشمله الحقيقة بعنايتها. وسوف تمتد يد الغيب له من طرق مختلفة، ربما تكون مجهولة له.

وهذه الحالة كما أنها من الأمور الاعتقادية، ومن آثار الإيمان بتعاليم الأنبياء وكذلك هي بنفسها، حقيقة تجريبية، إنها تجربة شخصية فردية، يلزم على كل فرد أن يمارس مثل هذه الأعمال الموصلة لهذا الفيض الإلهي في حياته، ليرى لطف الله وعنايته ومدده، وأي لذة تفوق لذة المشاهدة لآثار لطفه تعالى.

وليس في هذا السبيل مشقة كبيرة، فإن المراحل الابتدائية له، يسيرة وخفيفة، فإن الانسان يتمكن أن يرى آثار لطف الله ولو بصورة ضئيلة، في أداء بعض الأعمال الصالحة، كخدمة الناس، وإعانة الضعفاء وبالخصوص الإحسان للوالدين وغيرها، ولكن، بشرط الإخلاص وحسن النية، إنني قد جربت ذلك بنفسي، فرأيت لطف الله في ظل هذه الشروط.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد

مواقيت الصلاة