علمٌ وفكر

الحرب النفسية للصناعة التقنية على الأطفال (1)

 

المترجم : أبو طه / عدنان أحمد الحاجي .. 

"اتصلنا بالشرطة لأنها حطمت غرفتها وأصابت أمها ... كل ذلك بسبب أخذنا هاتفها"، كما شرح والد كيلي. وقال إنه عندما وصلت الشرطة ذلك المساء، كانت كيلي في حالة ذهول وأخبرت أحد الضباط أنها تريد أن تقتل نفسها. لذا تم استدعاء سيارة إسعاف، وكانت البنت البالغة من العمر ١٥ عاماً مربوطةً بنقالة، ونقلت إلى مستشفى للأمراض النفسية، وتم مراقبتها لسلامتها قبل تخليتها. بعد أيام من دخول المستشفى، جيء بها  إلى مكتبي من قبل والديها اللذين أرادا  الحصول على مساعدة.
تحدث والدا كيلي أولاً. وقال إن تنويم ابنتهما في المستشفى كان تتويجاً لإحباط متزايد  downward spiral استمر طوال العام ومدفوعًا بهوسها بالهاتف. كانت كيلي ترفض قضاء بعض الوقت مع عائلتها أو التركيز على المدرسة. وبدلاً من ذلك، فضلت أن تقضي وقتها على وسائل التواصل الاجتماعية. كيلي الفتاة التي كانت سابقاً سعيدة وطالبة قوية أصبحت غاضبة ومتجهمة، أصبحت الآن تأتي  بتقرير درجات إلى المنزل بدرجات هابطة. حاول والدا كيلي مرات عديدة في الأشهر السابقة وضع قيود على استخدام ابنتهما للهاتف، لكنها أصبحت أكثر تحديًا وخداعًا، حتى أنها تتخفى بهاتفها في كل ساعات الليل.
عندما كشف أحدث  تقرير درجات لكيلي عن عدد من درجات الرسوب، شعر والداها بأنهما مجبران على التدخل. أخبرا كيلي في وقت مبكر من فترة ما بعد الظهر في اليوم الذي تم استدعاء الشرطة فيه أن عليها أن تسلم هاتفها بحلول الساعة التاسعة مساء. لكن عندما حان الوقت، رفضت كيلي، وتلا ذلك تدافع بينها وبين والديها، وانتهت بسورة غضب عنيفة أدت إلى دخول الفتاة المستشفى.
سألتُ كيلي، التي كانت تجلس في زاوية، لتساعدنا في فهم وجهة نظرها في تلك الأمسية. لم ترد وبدلاً عن ذلك  حدقت في والديها. ولكن بعد ذلك، فاجأت الجميع في الغرفة، وصرخت: "لقد أخذوا مني هاتفي الذكي!" وفي محاولة مني لإشراك كيلي في المحادثة، سألتُها ما الذي يعجبها في هاتفها ووسائل التواصل  الاجتماعية. أجابت: "إنها تسعدني".


تفكك الأسر

كيلي وعائلتها وهم يواصلون مواعيدهم معي في العيادة في الأشهر التالية، هيمن قلقان على اجتماعاتنا. الأول هو أن ارتباط كيلي غير الصحي بهاتفها استمر، مما تسبب في توتر شبه دائم في المنزل. والقلق الثاني ظهر خلال لقاءاتي مع والدي كيلي لوحدهما. على الرغم من أنهما كانا محبين، لم تستطع أم كيلي ألاّ تشعر بأنهما قد فشلا مع ابنتهما ويجب أن يكونا  قد فعلا شيئًا خاطئًا أدى إلى مشاكلها.
 عملي كأخصائي نفسي للأطفال والمراهقين يعج بعائلات كعائلة كيلي. يقول هؤلاء أولياء الأمور إن الإفراط الشديد في استخدام الأطفال للهواتف وألعاب الفيديو ووسائل التواصل الاجتماعية هي أصعب قضية تربوية يواجهونها  - وفي كثير من الحالات، تؤدي إلى تمزق الأسرة. ترفض فتيات ما قبل المراهقة والمراهقات التخلي عن هواتفهن، على الرغم من أنه من الواضح بشكل كبير أن هذه الأجهزة تجعلهن يعانين من التعاسة. كما أنني أرى الكثير من الأولاد الذين يقودهم الإفراط في الألعاب إلى التخلي عن الاهتمام بالمدرسة والأنشطة غير المنهجية وأي شيء آخر. بعض هؤلاء الأولاد، عندما يكونون  في مرحلة  المراهقة الأخيرة، يستخدمون أجسادهم الكبيرة لإرهاب والديهم الذين يحاولون وضع حدود للألعاب. الخيط المشترك الذي تشترك فيه العديد من هذه الحالات هو ذنب الوالدين، لأن الكثير منهم متأكدون من أنهم فعلوا شيئًا ما جعلهم يضعون أطفالهم على مسار مدمر.
ما لا يفهمه أي من أولياء الأمور هؤلاء هو أن إفراط أطفالهم ومراهقيهم المدمر للتكنولوجيا هو النتيجة المتوقعة للاندماج  غير المدرك فعليًّا بين الصناعة التكنولوجية والسايكلوجيا. هذا التحالف يقرن بين ثروة صناعة التكنولوجيا الاستهلاكية وبين الأبحاث النفسية الأكثر تطوراً، مما يجعل من الممكن تطوير وسائل تواصل اجتماعية وألعاب فيديو وهواتف تتمتع بقوة شبيهة بالعقاقير لإغراء المستخدمين الشباب.
ليس لدى  أولياء الأمور هؤلاء فكرة أن ما يختبيء وراء شاشات أطفالهم وهواتفهم عدد كبير من علماء النفس وعلماء الأعصاب وخبراء العلوم الاجتماعية الذين يستخدمون معرفتهم بنقاط الضعف النفسي لتصميم منتجات تجذب انتباه الأطفال من أجل الربح الصناعي. ما لم يدركه  أولياء الأمور هؤلاء  وأكثر الناس هو أن السايكلوجيا  - المنهج  الذي نربطه بالشفاء - يُستخدم الآن كسلاح ضد الأطفال.


"آلات مصممة لتغيير البشر"

يقع مختبر بيرسواسيڤ  للتكنولوجيا في  في مبنى غير مهم في حرم جامعة ستانفورد في بالو ألتو بكاليفورنيا، الذي أسسه  في عام ١٩٩٨ دكتور بي جي فوج Fogg  ، وهو طبيب نفساني وأب للتكنولوجيا الإقناعية. الأجهزة الرقمية والتطبيقات - بما في ذلك الهواتف الذكية، ووسائل التواصل  الاجتماعية، وألعاب الفيديو - تم تصميمها لتغيير الأفكار والسلوكيات البشرية. كما يعلن الموقع الإلكتروني للمختبر بجرأة: أن "الآلات مصممة لتغير البشر."
يتحدث فوغ Fogg علانية عن القدرة على استخدام الهواتف الذكية والأجهزة الرقمية الأخرى لتغيير أفكارنا وأفعالنا: "يمكننا الآن صنع آلات يمكنها أن تغير ما يفكر فيه وما يفعله الناس، ويمكن للآلات القيام بذلك بشكل مستقل". سماه ب فوغ Fogg "صانع البلايين" "درّب طلاباً سابقين استخدموا أساليبه لتطوير تقنيات تستنزف حياة الأطفال الآن. كما روج لذلك مؤخرًا على موقعه الشخصي على الإنترنت، "غالبًا ما يقوم طلابي بمشاريع رائدة، ولا يزالون يؤثرون في العالم الحقيقي بعد مغادرتهم ستانفورد ... على سبيل المثال، تطبيق الإنستغرام  Instagram أثر على سلوك أكثر من ٨٠٠ مليون شخص. كان المؤسس المشارك طالبًا عندي. "
ومن المثير للاهتمام أن هناك دلائل على أن فوغ Fogg يشعر بالضغط من المراقبة الأخيرة في استخدام الأجهزة الرقمية لتغيير السلوك. تفاخره بالإستغرام Instagram ، والذي كان موجوداً على موقعه على الإنترنت في أواخر يناير عام ٢٠١٨ تمت إزالته عن الموقع. شهد موقع فرغ Fogg الإلكتروني مؤخرًا تحولًا كبيرًا ، حيث يبدو الآن وكأنه يبتعد عن طريقته ليشير إلى أن لعمله أهدافًا خيرية، وعلق قائلاً: "أعلَمُ الأشخاصَ الجيدين كيف يعمل السلوك حتى يتمكنوا من صنع منتجات وخدمات يستفيد منها كل الناس وبالمثل، يدعي موقع مختبر ستانفورد بيرسواسيڤ للتكنولوجيا Stanford Persuasive Technology Lab w  على نحو متفائل، "تتمكن تكنولوجيات الاستدراج  من  إحداث تغييرات إيجابية في العديد من المجالات، بما في ذلك الصحة والأعمال والسلامة والتعليم. ونعتقد أيضًا أن التقدم الجديد في التكنولوجيا يمكن أن يساعد في تعزيز السلام العالمي في ٣٠ عامًا ".
في الوقت الذي يركز فيه فوغ Fogg على المستقبل المشمس لتصميم الاستدراج، فهو غير مكترث تمامًا بالواقع المزعج الآن: حيث تستخدم تقنيات التكنولوجيا تأثيرًا مخفيًا في جذب المستخدمين واستغلالهم من أجل الربح. كما أن رؤيته المتحمسة تتجاهل بشكل مرتاح لتشمل كيف أن هذا الجيل من الأطفال والمراهقين، بعقولهم المرنة للغاية، يتم التلاعب بهم وإيذاؤهم بقوى غير مرئية.


استخدام الاستدراج  كسلاح

إذا لم تسمع بتكنولوجيا الاستدراج، فهذا ليس من قبيل الصدفة - إذ تفضل شركات التكنولوجيا أن تبقي ذلك في الظل، لأن معظمنا لا يريد أن يكون خاضعًا للرقابة وينفر من التلاعب بالأطفال من أجل الربح. تعمل تكنولوجيا الاستدراج  (والتي تسمى أيضًا بتصميم الاستدراج) عن طريق إنشاء بيئات رقمية بشكل متعمد، يشعر المستخدمون أنها تحقق غرائزهم البشرية الأساسية - ليكونوا اجتماعيين أو يحرزون أهدافهم - أفضل من بدائل العالم الحقيقي. يقضي الأطفال ساعات لا تحصى على  وسائل التواصل الاجتماعية وبيئات ألعاب الفيديو بحثًا عن إبداء الإعجاب (الليكات likes، "و أصدقاء" ، ونقاط اللعبة، ومستوياتها - لأنها تحفزهم، يعتقدون أن هذا يجعلهم سعداء وناجحين، ويجدون أنه أسهل من القيام بأعمال صعبة ولكنها أنشطة هامة من الناحية التطورية للطفولة.
في حين تعمل تقنيات الاستدراج بشكل جيد على البالغين، فهي فعالة بشكل خاص في التأثير على دماغ الأطفال والمراهقين الذين ما زالوا في مرحلة النضوج . يقول فوغ Fogg: "ألعاب الفيديو، أفضل من أي شيء آخر في ثقافتنا، اذ تعطي  مكافآت للناس {المترجم: أطن أنه يعني شعورهم بالسعادة]، ولا سيما الأولاد المراهقين". "الفتيان مجبولون في سن المراهقة على البحث عن القدرات. ليتقن عالمنا ويكون أفضل في عمل الأشياء. يمكن لألعاب الفيديو، في توزيعها  للمكافآت، يمكن  أن توصل للناس رسالة أن كفاءتهم تنمو، يمكنك أن تتحسن في شيء ثانية بعد ثانية. "وهذا تصميم استدراج  يساعد في إقناع هذا الجيل من الأولاد بأنهم يكتسبون" قدرات "بقضاء عدد لا يحصى من الساعات في مواقع الألعاب، عندما تكون الحقيقة المحزنة هي أنهم محجوزون في غرف ألعابهم، متجاهلين المدرسة، ولا يطورون القدرات  الحقيقية التي تطلبها الكليات وأرباب العمل.

وبالمثل، تستخدم شركات وسائل التواصل الاجتماعية تصميمًا استدراجيًّا لاصطياد الرغبة الملائمة للعمر للأطفال بين سنّ ما قبل المراهقة والمراهقة، وخاصة الفتيات، ليكنّ  ناجحات اجتماعيًّا. هذه الرغبة مدرجة في حمضنا النووي، لأن المهارات العلائقية في العالم الحقيقي قد عززت التطور البشري. مقالة هافينغتون بوست بعنوان، "ماذا يحدث فعلاً على هاتف أي فون مراهقة. تصف حياة كيسي البالغة من العمر ١٤ عاماً من ميلبورن بولاية نيوجرسي. مع ٥٨٠ صديقًا على الانستغرام  Instagram و ١١١٠  صديق على  الفيس بوك Facebook ، مشغولة  بعدد من "إبداءات الإعجاب - اللايكات" التي تتلقاها صورتها على الفيس بوك Facebook مقارنة مع أقرانها. كما تقول، "إذا لم تحصل على ١٠٠" من اللايكات، فاترك الآخرين يشاركون رسالتك حتى تحصل على ١٠٠ من الايكات ... وإلا فإنك ستغضب. الجميع يريد الحصول على "إبداءات الإعجاب". إنها كمسابقة شعبية. "
تقول الكاتبة  باينكا بوسكر Bianca Bosker أن هناك تكاليف تتلخص في إفراط استخدام كيسي للهاتف، مشيرة إلى أن "هاتف الفتاة، سواء أكان الفيس بوك  Facebook أو الانستغرام Instagram أو iMessage، يدفعها  باستمرار بعيداً من واجباتها المنزلية أو نومها أو محادثاتها مع عائلتها". تمنت كيسي أن لو تتمكن  من أن تضع هاتفها . لكنها لا تستطيع ذلك. "أستيقظ في الصباح وأذهب الى  الفيس بوك فقط ... لأن ،" كما تقول. "ليس الأمر أني أريد أو لا أريد. إنما  فقط أفتحه. أنا كالمضطرة  إلى ذلك. أنا لا أعرف لماذا. أنا بحاجة لــ.... الفيسبوك استولى على  حياتي كلها. "


أسئلة مهمة ببساطة لم تُطرح

قد لا يكون فوغ B.J. Fogg اسمًا مألوفًا، لكن مجلة فورشن Fortune تسمّيه بـ "المعلم الأعظم (  غورو Guru)  الجديد الذي يجب أن تعرفه"، ويدفع بحثه جحفلاً من مصممين لديهم خبرة مستخدم  (UX) (للمزيد من المعلومات عن UX من خارج النص يرجى مراجعة https://ar.m.wikipedia.org/wiki/تجربة_المستخدم) الذين يستخدمون ويوسعون نماذجه لتصميم الاستدراج . وكما كتب في مجلة فوربس Forbes، أنثوني وينج كوزنر، "لم يكن لأحد أن يكون مؤثراً على الجيل الحالي من المصممين الذين لديهم خبرة  المستخدم (UX) كالباحث في جامعة ستانفورد ب. ج. فوغ".
يأتي مصممو ال UX من العديد من التخصصات، بما في ذلك علم النفس وكذلك علوم الدماغ والكمبيوتر. ومع ذلك، فإن جوهر أبحاث ال UX يتعلق باستخدام علم النفس للاستفادة من نقاط ضعفنا البشرية. هذا مضر بشكل خاص عندما تكون الأهداف هي الأطفال. ونظرًا لأن فوغ  Fogg كان قد ذكر في مقالة مجلة فوربس، شركات Kosner ، "Facebook ، Twitter ، Google ، وسمِ ما شئت، استخدمت هذه الشركات أجهزة الكمبيوتر للتأثير على سلوكنا". ومع ذلك، فإن القوة الدافعة وراء تغيير السلوك ليست أجهزة الكمبيوتر. يقول فوغ: "إن الحلقة المفقودة ليست التكنولوجيا، بل السايكلوجيا".
لا يتبع باحثو  ال UX نموذج تصميم فوغ  Fogg فحسب، بل أيضًا ميله الظاهري إلى التغاضي عن الآثار الأوسع للتصميم الاستدراجي. وهم يركزون على المهمة المطروحة، حيث يقومون ببناء آلات وتطبيقات رقمية تستلزم اهتمام المستخدمين بشكل أفضل، وتجبر المستخدمين على العودة مرارًا وتكرارًا، وتنمية الأرباح النهائية للشركات. ومن الأمور الأقل اعتبارًا هي كيف يكون أطفال العالم متأثرين بآلاف من مصممي ال UX الذين يعملون تزامنيًّا  لجذبهم إلى عدد كبير من الأجهزة والمنتجات الرقمية على حساب الحياة الحقيقية.
ووفقًا لـ فوغ B.J. Fogg ، فإن "نموذج سلوك فوغ Fogg Behavior Model”"  هو طريقة تم اختبارها جيدًا لتغيير السلوك، وفي صيغته المبسطة، ينطوي على ثلاثة عوامل أساسية: الدافع والقدرة والمثيرات. وهو يصف كيف أن صيغته فعالة في جعل الناس يستخدمون الشبكة الاجتماعية، يقول عالم النفس في ورقة أكاديمية منشورة أن الدافع الرئيسي هو رغبة المستخدمين ل "القبول الاجتماعي"، على الرغم من أنه يقول أن الدافع الأكثر قوة هو الرغبة في "تجنب أن يكون مرفوضًا اجتماعيًّا" وفيما يتعلق بالقدرة، يقترح فوغ أن المنتجات الرقمية يجب أن تصنع بحيث لا يضطر المستخدمون إلى "أن يفكروا بجد". وبالتالي، فإن الشبكات الاجتماعية مصممة لسهولة الاستخدام. وأخيرًا، يقول فوغ  إنه يجب أن يستثار المستخدمون المحتملون لاستخدام الموقع. ويتم تحقيق ذلك من خلال عدد لا يحصى من الحيل الرقمية، بما في ذلك إرسال إشعارات متواصلة تحث المستخدمين على مشاهدة صور الأصدقاء، وإخبارهم بأنهم (أنفسهم) مفقودون من على الشبكة  حين لا يكونون على الشبكة الاجتماعية، أو تقترح  عليه  بمراجعة بالتشيك   - مرة أخرى - لمعرفة ما إذا كان أي شخص وضع إعجاباً - لايك like  على رسالته  أو صورته.

صيغة فوغ Fogg بمثابة مخطط لإنشاء شبكات تواصل اجتماعية وشركات ألعاب تبلغ قيمتها مليارات الدولارات. ومع ذلك، لا يتم طرح الأسئلة الأخلاقية حول تأثير تحويل تقنيات الاستدراج على الأطفال والمراهقين. على سبيل المثال، هل يجب استخدام الخوف من الرفض الاجتماعي لإجبار الأطفال على استخدام وسائل التواصل الاجتماعي بشكل إجباري؟ هل من المقبول إغراء الأطفال لإبعادهم  عن الوظائف المدرسية التي تتطلب مجهودًا ذهنيًّا  قويًّا ولذلك  يقضون حياتهم على الشبكات الاجتماعية أو ألعاب الفيديو التي لا تجعلهم يفكرون كثيراً على الإطلاق؟ وهل من المقبول أن يُحث الأطفال بشكل متواصل على استخدام المنتجات الرقمية المدرة للدخل على حساب الانخراط مع الأسرة والأنشطة المهمة الأخرى في الحياة الواقعية؟


قرصنة الدماغ

تعمل التقنيات الاستدراجية بسبب إطلاقها لإطلاق الدوبامين ما يبدو، وهو ناقل عصبي قوي له دخل في المكافأة والاهتمام والإدمان. وفي منطقة فينيسيا في لوس أنجلوس، التي يطلق عليها الآن "شاطئ السليكون"، شركة  Dopamine Labs  الناشئة تفتخر باستخدامها تقنيات الاستدراج  لزيادة الأرباح: "أوصل تطبيقك بالذكاء الاصطناعي الاستدراجي معنا واتركها واحصل على عائد يصل  إلى ٣٠٪ بإعطاء المستخدمين عندك دفقات رائعة من الدوبامين"، و"إن الدفقة من الدوبامين تشعر بالرضا تماماً: فقد ثبت أنه يغير سلوك المستخدم وعاداته. "
يقول رامزي براون، مؤسس Dopamine Labs ، في مقالة KQED Science: "لقد طورنا الآن تقنية دقيقة جدًّا. للعقل البشري، وهذا أمر مثير ومخيف. لدينا القدرة على ضبط بعض المفاتيح في لوحة أجهزة التعلم الآلي التي نبنيها، ومن شأن ذلك أن يجعل مئات الآلاف من الناس في جميع أنحاء العالم يغيرون سلوكهم بشكل هادئ، وبطرق  يجهلونها، يشعرون بطبيعة ثانٍية ولكنها في الحقيقة مقصودة. "يطلق المبرمجون على هذا" القرصنة  العقلية "، حيث أنها تجبر المستخدمين على قضاء المزيد من الوقت في المواقع على الرغم من أنهم يعتقدون بشكل خاطئ أنه بسبب خياراتهم الواعية ( اختاروه عن وعي).

تستخدم الشبكات الاجتماعية وألعاب الفيديو  تقنية  التلاعب بالدماغ بمكافأة متغيرة (افتكر آلة القمار). لا يعرف المستخدمون مطلقًا متى سيحصلون على "الإعجاب التالي " أو مكافأة اللعبة، ويتم توصيلها إلى المستخدم في الوقت المناسب لتعزيز الإثارة القصوى والحفاظ على الموقع. توظف بنوكاً من حواسيب الذكاء الاصطناعي "لتتعلم" أياً من  أعداد عناصر التصميم الاستدراجية التي لا تحصى ستبقي المستخدمين ملازمين (مدمنين على) للمواقع. بروفايل استدراجي لنقاط الضعف الفريدة بالمستخدم ينشأ في الوقت الفعلي ويتم استغلاله لإبقاء المستخدمين على الموقع وجعلهم يعودون مراراً  لفترات زمنية أطول. هذا يدفع بأرباح شركات الإنترنت الاستهلاكية التي تعتمد إيراداتها على كم تستخدم  منتجاتها. يعتبر المبرمجون التقنيات السرية التي تتلاعب بالمستخدمين لتحقيق دافع الربح "تصميمًا داكنًا". لماذا تلجأ الشركات إلى مثل هذه الأساليب؟ وكما يقول الرئيس التنفيذي السابق للتكنولوجيا، بيل دايفو، في ورقته التي نشرها في مجلة  أتلانتيك  "استغلال علم الأعصاب في إدمان الإنترنت"، قادة شركات الإنترنت يواجهون أهمية ملحة، لو كانت مشكوكًا فيها أخلاقياً أيضًا: إما أنهم يختطفون علم الأعصاب للحصول على حصة في السوق وتحقيق أرباح كبيرة، أو يسمحون للمنافسين بذلك والهرب من السوق ".

هناك عدد قليل من الصناعات كجامح وغير منظم كوادي السليكون. تعتقد شركات التواصل الاجتماعي وشركات ألعاب الفيديو أنها مضطرة لاستخدام تكنولوجيا الاستدراج في سباق التسلح من أجل جذب الانتباه والأرباح والبقاء على قيد الحياة. أما  مصلحة الأطفال ليست جزءًا من حسابات القرارات.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد

مواقيت الصلاة