مقالات

لماذا لا يستجيب الله دعائي؟!

 

الشهيد مرتضى المطهري
هناك حالتان يدعو الإنسان فيهما ربّه:
1- الانقطاع الاضطراريّ: وهو ذلك الدّعاء الّذي يتوسّله الإنسان إذا ما ابتلي بالمصائب والمحن، وأُوصدت في وجهه الأبواب، وانقطعت به العلل والأسباب، حيث إنّه يتوجّه تلقائيّاً وغريزيّاً إلى الله تعالى، وهذا النوع من التوجّه نحو الله لا يعتبر كمالاً إنسانيّاً.
2- الانقطاع الاختياريّ: وهو الدّعاء في حالة رخاء الحال واطمئنان البال، حيث يدعو الإنسان ربّه شاكراً ألطافه وخيراته، إذ يعلم أنّه هو الّذي أنعم عليه بهذه النعم، ومنّ بها عليه، فيدعوه شاكراً لما سبق من أنعمه، سائلاً أن يديمها عليه ويزيده من فضله، وأن يُبعده عن غضبه ويقرّبه من طاعته ليؤدّي حقّ شكره. وهذا التسامي النفسيّ هو الّذي يُعتبر كمالاً لهذا العبد الشكور.


شروط الدعاء
إنّ للدّعاء مجموعة شروط لا بدّ من توفّرها:
1- أن يدعو الله بكلّه، بحيث يتحوّل بكامل وجوده إلى صورة احتياج وطلب. فإذا ما لم يتّحد قلب الإنسان مع لسانه في انسجامٍ تامّ، فلن يكون الدّعاء دعاءً حقيقيّاً، وما لم تكن كلّ جوارحه وجوانحه داعية وطالبة من الله، فلا يكون الدعاء حقيقيّاً. ﴿أمّن يجيب المضطرّ إذا دعاه ويكشف السوءَ﴾.
2- أن يدعو مع الاعتقاد الجازم بأنَّ باب الرحمة الإلهيّة الواسع لا يغلق أبداً، كما جاء في الحديث: "إذا دعوْت فظُنّ حاجتك بالباب"، وكما ورد في دعاء الإمام زين العابدين (عليه السلام): "اللّهمّ إنّي أجد سبل المطالب إليك مشرعة، ومناهل الرجاء لديك مترعة، والاستعانة بفضلك لمن أمّلك مُباحة، وأبواب الدعاء إليك للصارخين مفتوحة. وأعلم أنّك للراجين بموضع إجابة، وللملهوفين بمرصد إغاثة".
3- أن لا يكون دعاؤه على خلاف سنّة التكوين ولا مخالفاً للشّرع، إذ الدعاء هو طلب العون للوصول إلى أهداف أقرّتها سنّة الكون والشريعة الإلهية، فلو طلب من الله الخلود في الدنيا، فلن يستجاب له، لأن دعاءه هذا ليس مصداقاً حقيقيّاً للدعاء.
4- أن تكون أعمال الداعي غير مخالفة للشريعة، فعليه أن يكون نظيف القلب نقيَّه، بحيث يكون في فعله وقوله منسجماً مع ما يقوم به من الدعاء، ففي الحديث عن الصّادق (عليه السلام): "من سرّه أن يُسْتجاب له: فلْيطُب مكسبُه، وليخرج من مظالم الناس، وإنّ الله لا يرفع إليه دعاء عبد وفي بطْنه حرام، أو عنده مظلمة لأحد من خلقه".
5- أن لا يكون هو المسبّب للحالة الّتي يدعو الله تعالى أن يخلّصه منها، بأن تكون هذه الحالة نتيجة منطقيّة وطبيعيّة لآثامه ومخالفاته، فتسلّط الأشرار على مقدّرات المجتمع مثلاً، نتيجة منطقيّة لتقصير الناس بوظيفتهم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، اللّهمّ إلّا إذا أزال الناس أسباب هذه المشكلة، فتابوا وعادوا إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، عندها ستعود إليهم الحالة الطبيعيّة في المجتمع: ﴿إِنَّ اللهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾.
6- أن يدعو الله، وفي الوقت نفسه يسعى في حاجته، فإنّ الدعاء والعمل مكمّلان لبعضهما البعض. عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "الداعي بلا عمل، كالرامي بلا وتر".
فلا بدّ من الاستفادة من الوسائل التي هيّأها الله للإنسان ووفّرها له، لكي يقضي بها حوائجه. ومن هنا، جُعل من الّذين لا تستجاب لهم دعوة: "رجل جالس في بيته يقول: اللّهمّ ارزقني، فيُقال له: ألم آمرك بالطّلب؟!"، وهكذا بقيّة الأمور الّتي يكون الإنسان نفسه قادراً على حلّ مشكلتها بيده بالعمل والتدبّر، لكنّه يقصّر عن ذلك، فلا يعمل أبداً ويلجأ إلى الدّعاء، فإنّ الدعاء لا يقوم مقام العمل، وإنّما هو مكمّل للعمل ومتمّم له.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد

مواقيت الصلاة